صفحات الشعر

ثلاثــة أصــوات شعريــة مــن أستونيــا

يهبنــي الوقــت كــل كنــوزه
اسكندر حبش
كنّا منذ أسبوعين، في هذه الزاوية بالذات، قدمنا ترجمة لثلاثة أصوات من الشعر الاستوني، للشعراء كريستسنا إيهين (مواليد العام 1977) وفرانسوا سيربان (مواليد العام 1971) وتريين سوميتس (مواليد العام 1969).
في هذه الحلقة الثانية، نُطّل على ثلاثة أصوات أخرى هي بيتي ألفيه (1906 ـ 1989) وإيهين أندريس (1940ـ…) وكارل مارتن سينييارف (مواليد 1971ـ …). وإذا كان الشعراء في الحلقة الماضية ينتمون إلى الحقبة ما بعد السوفياتية، فإننا نجد هنا شاعرين كانا كتبا قبل انهيار الجدار، أي ينتميان إلى تلك الحقبة من الاشتراكية التي كانت مرتبطة بالنطام السوفياتي، بينما الثالث بدأ يعرف حضوره مع بداية التسعينيات. هنا ترجمة لعدد من القصائد.

بيتي ألفيه

مُرجان البحيرة
أذكر تلك اللحظات
حيث قوس قزح
يلمع
على سطح الماء.
كنا فوق الجسر الحديدي.
أمامك
طريق مرير.

يهبني الوقت كل كنوزه.
أمامك
طريق مرير.

من على الجسر،
رميت
في المياه
عقدي المرجاني.

كنوز زمني رمادية.
شاحبة
هي الحقيقة الإلهية.

لم يعد هناك سوى المرجان
الذي يلمع أحيانا
في عمق المياه.

الدَين
هل بإمكاني يوما أن أدفع دَين روحي؟
استولوا، بداية
على شالي
وإبزيمي
وردتي المسحورة، مرآتي السحرية،
ونايي
ذي الصوت الفضي.
من ثم أخذوا الكأس الذي أشرب منه،
أخذوا فرحي، قوتي عل الحياة،
أخذوا منزلي
ضوئي وناري
لكن الدين
ديني
لم يُمحَ.

إن كنت تأملت البارحة، فاليوم أعرف جيدا
ما يريدون مني: علي أن أرهن
ألمي الأخير
ودموعي الأخيرة ـ
لكن الدين،
ديني
لم يُمحَ.

في الحلم، يبدو لي أن كل شيء يصبح ممكنا،
الأبدية
تبدو أنها تخصني فجأة،
ولي
كل السعادة وسجادات الورود،
ملايين دراهم العالم،
كل الأناشيد، الآمال، درب المجرة ـ
لكن الدين،
ديني
لم يُمحَ.

إيهين أندريس

قبل مغيب الشمس
قبل مغيب الشمس
أبتلع الهواء
مثل النبيذ
ليس لي أيدٍ أو أرجل أو جسد
ليس لي سوى رأس
وجه، شفتين، فم سحيق
رأسي مسند إلى حافة الهاوية
فوق حجر كبير عار
وفمي الشره يمتص الهواء بشهوانية
كما لو أنه النبيذ

ريغا 1962
على السجادة الخضراء أحببتك
الأحد هذا لحقني القمر
الكراسي كلّها كانت تهرب مرتجفة
فانتصب على الباب مفتش بثياب مدنية
وسجل ملاحظته عن كل كرسي هارب

على حافة النافذة أصص صغير
يلقي بخياله العملاق في الغرفة
في الأسفل في الشارع البعيد كان الناس يسيرون
يتقدمون وهم يتجاوزون أرواحهم.

هذا الأحد أحببتك
وعلى السجادة الخضراء لحقني القمر.

تاريخ
1 ـ ضحيّة
بطّة صغيرة
كانت كعكة كبيرة
طهتها أمي

لم أكن بلغت السادسة بعد
وكنت أنشد في جوقة الكنيسة
كنت أملأ بطني
وخلافا لكل ما هو متوقع
يولد داخلي حنين أخرق.

أنا ضحية البطة.

2 ـ تشكل

كنت أتردد على المدرسة الكهنوتية
معلمي كلب أسود كبير
كان ينبح في كل مرة
أقف فيها أمام اللوح الأسود
تسقط الطبشورة من يدي
وأبكي أمام منظر المدرسة الطبيعي الحزين.
هكذا أصبحت بدغة.

3 ـ كينونة
كانوا يرغبون في أن أصبح ساما
في أن أعض
وفي أن أزحف عبر الثقوب
لكني كــنت دودة صغيـرة عاقلة
كنت، كنت، كنت فقط

عملت كرئيس قسم في مكتب
ابيضّ شعري
ولكنت سعيدا
لو لم أكن أتذكر البطة من حين إلى آخر.
4 ـ موت
تصلب جسدي
ولم يعد بإمكاني التلوي كحية
وأنا أغير جلدي
تحجرت

هادئة وأليمة هي الحياة
هادئ وأليم هو الموت.

كارل مارتن سينييارف

ريمون كوبل
يغلق ريمون كوبل مفكرته ويتنهد.
يغلق عينيه، يتمطّى ويخرج من مكتبه.
إنه ليس مكتب أحد.
غرفة حمقاء.
لِمَ يقضي ريمون كوبل الكثير من الوقت في هذه الغرفة؟
إنه يعمل في داخلها. آه، اللعنة، لكن لماذا؟
من المستحيل أن نتذكر أحدا
نجده ممتنا لريمون كوبل
مقابل كل ما قام به خلال السنوات الأربع الأخيرة.
من المستحيل أيضا أن نتذكر أولئك غير الممتنين.
وبدوري لن أتذكر ريمون كوبل
لو لم أكن
أدفع له راتبه.
ألعاب عميل محاسب.
ألعاب بريئة وغير مبالية لعميل محاسب.
إعداد وترجمة/ إسكندر حبش

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى