فتاوى في الثقافة والحرية
رزان زيتونة
لا أجمل من الاحتفاء بالحرية ورموزها. بأولئك الذين سلكوا أومازالوا يسلكون دروبا صعبة، من أجل حريتهم وحرية الآخرين، كل الآخرين. الحرية من الاحتلال، التمييز العنصري، الاستبداد، الفقر…الخ. هكذا نعبر عن بعض إيماننا بالحرية، وتقديرنا لمن شقوا دربها.
من هنا، فهي خطوة لافتة، أن تقوم وزارة التعليم العالي في سوريا بتنظيم مسابقة حول كتاب مانديلا “رحلتي الطويلة من أجل الحرية”. والأكثر “لفتا”، تصريح السيد وزير التعليم العالي بهذه المناسبة، بأن “هذه التظاهرة تعبر عن عمق التقدير والاحترام للقيم النبيلة والمبادئ السامية التي ناضل من أجلها الرمز الإنساني مانديلا بعزيمة وثبات، ولقي في سبيل ذلك شتى أنواع العذاب والسجن”. وأنه، أي الوزير وحكومته لا ريب “نلتقي معه في كل ما طرحه وسعى إلى تحقيقه…لأننا نؤمن أن الإنسان ولد ليكون حرا عزيزا كريما..”. ورحلة مانديلا الطويلة من أجل الحرية، لم تكن سهلة أبدا، فليس هناك طريق سهل للحرية كما يقول هذا المناضل العظيم، وهو ما لابد يلتقي معه السيد الوزير أيضا. في ذلك كله، رسالة سامية إلى الطلبة حول قيمة الحرية ودربها، شرط أن لا يخاطر هؤلاء بالمسير على هذه الدرب محليا على أية حال!
مؤثر جدا، الاحتفاء بالمناضلين من أجل الحرية، عبر تنظيم مسابقات تتناول حياتهم ومعاناتهم، أوعبر نشر قصائد لهم كتبوها في السجن! وهذا الابتكار الأخير، هو للسيد وزير الثقافة، الذي حين سئل عن معتقلي الرأي والضمير في سوريا مؤخرا أثناء مؤتمر صحفي، وكيف يمكن لدمشق أن تكون عاصمة للثقافة وفيها مثقفين يقبعون في السجون، نفى علمه بوجود هؤلاء، ثم غير رأيه واعتبرهم مجرمين يحاكمون وفقا للقانون (وتسعة منهم لم يعرضوا على أية محكمة حتى اللحظة) ثم غير رأيه مرة أخرى بعد عدة عبارات مرتبكة وملعثمة، واعدا أنه “على استعداد فيما إذا كان أحد القابعين في السجون لديه قصيدة جيدة، أنا على استعداد أن أنشرها له”. وبالمناسبة، في معرض حملتها المستمرة، قامت منظمة العفو الدولية بنشر قصائد لمعتقلي سجن غوانتانامو سيء الذكر على موقعها الالكتروني. فهل استقى السيد الوزير فكرته من هذه المبادرة الخلاقة؟ وهل يجد الكثير من القواسم المشتركة بين معتقلي غوانتانامو- الذين نطالب لهم بالعدالة- وبين المثقفين والنشطاء السوريين المعتقلين؟ أم تكون منظمة العفو قد سمعت الفكرة في وقت سابق من السيد الوزير واستوحتها منه؟ هذا ما يصعب تأكيده.
أما الشيء المؤكد، فهو أن دعوة عدد من المثقفين والمبدعين من شتى أنحاء العالم للمشاركة في احتفالية دمشق كعاصمة للثقافة العربية، مثيرة للدهشة. إيزابيل الليندي، ميلان كونديرا، نعوم تشوميسكي، وآخرين؟ لماذا الإصرار على دعوة أسماء لأصحابها تاريخ طويل في الدفاع عن الحرية ضد الاستبداد؟ وأية مفارقة هذه؟ لأننا يجب وبسرعة وفي الحال أن نقرر، إما الاحتفاء بالحرية ورموزها، وإما الاكتفاء بنشر قصائد هذه الرموز من وراء القضبان. لأن حريتي وحريتك لا تنفصلان يقول مانديلا، ألم يسمعوا بذلك؟! على أية حال، نفت إيزابيل الليندي وكذلك فعل نعوم تشوميسكي نيتهما بالقدوم إلى سوريا والمشاركة في الاحتفالية. ربما البعض في هذا العالم، يحبذ الاحتفاء بالحرية عوضا عن تأبينها بقصائد سجينة!
وأخيرا، ومازلنا في حديث الثقافة والمثقفين والحرية، فإن العدد القليل جدا، جدا، من المقالات –أو المواقف-التي كتبت وظهرت من قبل مثقفين عرب تضامنا مع زملائهم السوريين في محنتهم، توحي إلى أي مدى تحتفي بالحرية، هذه الثقافة العربية ورموزها. وحتى ما كتب، تضمن أخطاء في أسماء هؤلاء الزملاء أوتواريخ اعتقالهم أوسنوات حكمهم. لا مزيد من الوقت للتفاصيل؟ “القضية” أهم من حامليها؟ أم أنها هي نفسها، “الثقافة العربية” تحتاج لمن يسرب قصائدها من داخل سجنها الكبير؟!
وليس أجمل مما كتبه الكاتب والروائي الياس خوري مؤخرا، تحت عنوان “تحية إلى سجناء دمشق” من أن “لكم أيها الصديقات والأصدقاء حبنا وتضامننا وإصرارنا على أن يتحقق حلم الحرية مهما كانت التضحيات. أما الثقافة العربية النائمة والغافلة عن مأساتكم، فإنها بصمتها تخون نفسها وقضيتها، لذا يجب أن ينكسر الصمت اليوم قبل الغد، وتعود لغة العرب سلاحا في مواجهة هذا التصحر الانحطاطي الزاحف“.
تصحر انحطاطي؟ لماذا هذا التشاؤم؟ هل نتوقف عن الأكل والشرب حتى يفرج عن المعتقلين كما يقول السيد وزير الثقافة؟ ألا يكفي أن ننشر قصائدهم المكتوبة على جدران الزنازين؟! ألا يكفي أن نحتفي بمانديلا؟! بالمناسبة مانديلا يقول :”في بلدي، يسجن المرء أولا ثم يصبح رئيسا”. في بلدي أنا، يسجن المرء أولا، ثم يسجن ثانيا، ثم ثالثا، الخ الخ الخ.
الخميس 17 كانون الثاني (يناير) 2008