ثلاثة وستون عاما وقد بلغتها .. ماذا فعلت بهذه السنين: دعوة لإنقاذ “ألف”
سحبان السواح
ثلاثة وستون عاما وقد بلغتها .. ماذا فعلت بهذه السنين.. سؤال خطر لي منذ بضعة أيام. فوجئت أو ادعيت أنني فوجئت. فأنا أعلم تماما أنني بلغتها، وقبل ذلك بكثير.. لا أدري لماذا فجأة صار لدي هاجس وسؤال ملح ماذا فعلت بهذه السنين الطويلة؟ ترى هل هي طويلة فعلا، أم هي أقصر من رفة العين ..؟ نحن، أعني الذين بلغوا من العمر عتياً، نعرف تماما أنها مرت كرفة عين .. ولكن يلح السؤال; ماذا فعلت ما بين انفتاح العين وإغماضها. ا بماذا نجحت وبماذا فشلت؟ فجأة اكتشف أنني فشلت بكل شيء، حياتي كلها عبارة عن انتقال من فشل إلى فشل. ولكن ما يهمني لماذا؟! لماذا فشلت ؟ هل بسبب مني .. من تركيبتي الشخصية.
سأتحدث عن فشلي في ثلاثة مشاريع قمت بها بكل حماس، ولكني لم أكن واعيا لمعنى كلمة مشروع. لم أكن على دراية بما يعنيه مشروع تجاري، وحاجته إلى أخلاق مختلفة وأساليب مختلفة، طرف ملتوية، تنازلات عن مبادئ. ليس من مشروع لا يحتاج كل ذلك، هذا إذا كان من المشاريع الثقافية كالتي قمت بتأسيسها، يضاف إليها الغش والتلاعب بالمواد والمواصفات وأمور أخرى لا جدوى من ذكرها هنا إذا كانت غير تجارية.
في الثمانينات من القرن الماضي أسست بكل مدخراتي المالية الشحيحة والتي جمعتها بالعمل المضني مجلة ثقافية تحت عنوانن كتب عربية وهي المجلة الأولى في الوطن العربي التي اهتمت ببلوغرافيا الكتاب العرب ، كم كنت ساذجا، أن تصدر مجلة ثقافية بوفر موظف بسيط. في حين كانت الدول بكلكلها تمول مثل هذه المشاريع، وتتسابق قي دفع الأموال وتزاود لتحول مطبوعة ما من موقع إلى موقع سياسي آخر. طبعا لم يكن هم تلك الدول هما ثقافيا بل كان سياسيا بحتا. ولم تكن الثقافة تعنيها لا من قريب ولا من بعيد إلا حين تتحول الثقافة إلى سياسة، حينها فقط تتحول عيون تلك المؤسسات إلى تلك المطبوعة ليتسابقوا في الدفع لها.
لنعد إلى كتب عربية المجلة الأولى التي أصدرتها في مطلع الثمانينات المبلغ الذي كان بحوزتي هو تكلفة العدد الأول فقط. وكان مخططي أن أجمع اشتراكات من المثقفين في دمشق والمحافظات ، أصدر بها العدد الثاني ثم أجمع اشتراكات دولية مؤسساتية أصدر بها العدد الثالث ثم من مبيعات الأعداد الثلاثة أصدر العدد الرابع .. أعترف أنني كنت ساذجا.ولكي لا أطيل عليكم استطعت مع زملائي جميل حتمل ووائل السواح أن نكمل سنة كاملة ولكن ليس بالشكل الذي خططنا له. فقد استطعت ومن خلال العلاقات التي أسستها مع دور النشراللبنانية تأسيس دار توزيع للمطبوعات العربية في سورية تمكنت من أرباحها أن أكمل السنة الأولى.
استمرار المجلة في الصدور وصمودها وتأكيدها على الكتب الهامة، السياسية خاصة، التي كانت تصدر في تلك الفترة لفت نظر الحكومات وبدأت تتوالى العروض. والعروض تعني التخلي عن المواقف الفكرية الثابتة لي ولزملائي . رفضناها مجتمعين. وكان آخرها بيع الغلاف الأخير لوضع إعلان عن الكتاب الأخضر للعقيد القذافي مقابل مبلغ خيالي من المال. ولكن هل كنا لنفعل ؟؟؟؟
كنا ملتزمين بأفكارنا وطموحاتنا الفكرية ولم نستطع أن نفعل .. فضلنا أن تتوقف المجلة ولا نبيع أنفسنا وأرواحنا وأفكارنا للشيطان .
هنا أعود لما بدأت به عن طريقة تفكير التجار وما يجب أن يتحلوا به من أفكار وما عليهم أن يتخلوا عن قيم ومبادئ وأولها بيع ضمائرهم للذي يدفع أكثر.
لم أتعلم من تجربتي الأولى فكانت الثانية مجلة ألف لحرية الكشف في الإنسان والكتابة. ألف استمرت لعامين وصنعنا منها المجلة الثقافية الأولى في المنطقة العربية ولكن أيضا أنفقت عليها كل ما أملك وبعت بيتي في مشروع دمر أملا مني بأن هذه المرة ستكون أفضل من الأولى ولكن الفشل لاحقها . ولن أتحدث عن العروض التي جاءتنا لتمويلها سأكتفي بالقول أنها كان يمكن أن تستمر لو قدمت بعض التنازلات أو كثيرها لست أدري.
وبعد عشر سنوات عاد إلي هاجس إصدار ألف من جديد ولكن بشكل الكتروني نظرا لكلفته القليلة .. وهاهي تخطو في سنتها الخامسة ومدخراتي نفذت وألف الآن مهددة بالتوقف ..
ومازلت مصرا أنني لن أقدم تنازلات لأي نظام عربي، ولن استمر بأموال غير نظيفة، لهذا وإلى محبي ألف، ومتابعيها الذين وصلوا إلى خمسة عشرة ألف قارئ شهريا وثلاثون ألف صفحة مقروءة أقول ليس أمام ألف الآن سوى أن تطلب التبرعات ممن هم قادرون على التخلي عن عشر دولارات أو أكثر شهريا لإرسالها إلى الموقع ضمن ظرف عادي على صندوق بريد سوريا ـ دمشق ص . ب36033 فأنا لا أملك حسابا مصرفيا في الخارج ليتم التحويل إليه .
أنا لا أتسول، بل أريد الحفاظ على مشروع ثقافي .عشر دولارات من مئة قارئ يمكن أن تنقذ الموقع وتجعله يستمر بحيوية وقدرة أكثر على العطاء.
عن موقع “ألف”