صفحات ثقافية

فيلم “كلام حريم”…الكوميديا السينمائية السطحية

null
أحمد خمري الصلال-
“لانعرف إلا الأغنام، والكلام عنها، والخبر على الصاج… هذا عملنا”، اقتبست هذه العبارات من جلسة نساء فراتيات، وزجّت في فيلم تسجيلي أعد في قرية زور شمّر الفراتية، وحمل اسم “كلام حريم”.
أخرج الفيلم سامر برقاوي، وأعده عدنان عودة، وعرض مؤخرا للمرة الأولى في سورية ضمن أيام سينما الواقع “DOXBOX10”.
العلاقة “الدياليكتية” الأبدية ما بين الرجل والمرأة هو ما يطمح ويصبوا إليه الفيلم، لإيصاله للملتقي، عبر مجموعة من الرجال، أولهم رجل متزوج من امرأتين، وأب لسبعة عشر طفل؛ يتحدث عن أهمية المرأة في المجتمع والدور الكبير الذي تضطلع به، ويحذوا باقي رجال الفيلم حذوه.
المشاهد السابقة قدمت نماذج من رجال القرية بصورة ساخرة، لا تنم عن رؤية إخراجية بريئة، أو تدل عن عدم احترافية في الطرح، عرضت بشكل خبط عشوائي، حملت شحنة كبيرة من الكوميديا الناتجة عن استغلال بساطة هؤلاء الناس الريفيين.
تتجلى الكوميديا بأبشع صورها في هذا الفيلم. مثلاً يقوم الرجل الأول بعد أبنائه السبعة عشر، فينسى بعضهم، ويتلكئ ويضحك… هل تمثل هذه الحالة الإفرادية، لتنقل من ظرفها الإفرادي لتصبح ظاهرة مطروحة في فيلم تسجيلي، وهي لم تصل ظرف الظاهرة التي تتبلور عبر اضطرادها وتكرارها لتصل مرحلة التعميم.
في مشهد آخر لا يقل بشاعة عن سابقه، بل ينضح بالبشاعة نضحاً، نشاهد رجل آخر، يشرب القهوة، في مشاهد متكرر متشابهة. فقط يجلس ويشرب القهوة… يبدو للمتلقي أن هذا المشهد مجاني، ومجرد ثرثرة تصويرية لا تخدم الفكرة أبدا، لكن ربما توخياً لصانعا الفيلم لمزيد من الضحك الذي كان سمة مميزة بالعموم وهذا المشهد بالخصوص.
تنتقل كاميرا الفيلم غير البريئة، لتصوير نساء يجمعن الحطب، بهدف نقد عمل المرأة الريفية والتنديد بدكتاتورية وجبروت الرجل الريفي الذي يلقي على كاهل المرأة الرقيقة هذه الأعباء الشاقة والجمّة!.
لكن هذا المشهد، يأبى إلا أن يكون منافسا لسابقيه في البشاعة ويحمل شحنة كبيرة من السطحية، لتعامله غير المناسب مع المكان، فلا التصوير، ولا الحوار لذي جاء على لسان طفل يملك أدنى فكرة عن الموضوع ليخرج بفكرة كبيرة لمحاكاة الفكرة.
بعد الشحنة الكبيرة من الكوميديا والضحك، يحاول صانعا الفيلم إضفاء نوع من التراجيديا وسط الضحك الفارغ… عبر إظهار طفلة في غرفة يسودها الظلام، ولا أثر إلا لبصيص من النور مبعثه فانوس الغاز البدائي.
من هذه الغرفة التي تمثل بظلامها الجهل تعبّر الطفلة عن حيرتها عن طموحها في المستقبل. كمشهد يحاول الفيلم عرض تخلف المنطقة من خلاله.
لكن ما الذي يريد الفيلم طرحه… هل يحاول فقط إظهار تخلّف أهل هذه القرية، وبالتالي تخلف كل أهل الجزيرة السورية، في هذا ترسيخ لصورة نمطية بشعة وغير حقيقية عن المنطقة. فانعدام الهدف يعدم الباعث بالضرورة.
يقول عودة مبرراً فعلته هذه، أن هؤلاء الأشخاص من أفراد عائلته. هل يحق لعودة فعل هذا. إن كانت عائلته على هذا القدر من التخلف، هل يحق له تعميم تخلفهم على كل أهل الجزيرة…
تنتقل الكاميرا لرصد نساء يشعلن ناراً خارج غرفة “كلام الحريم”، ثم تتسلل الكاميرا عبر النافذة إلى الغرفة لرصد الحوار الريفي. لا تنير الغرفة إلا الفوانيس ، والمفارقة الغريبة أن الكاميرا التقطت أعمدة الإنارة في الخارج. ربما كانت هفوة ارتكبها كادر الفيلم.
تعرض هذه الحوارية تفاصيل شخصية بحتة، تتحدث عنها النساء، اجتزأت من كلام طويل، لتظهر عبارات النساء سطحية، ككلام الرجال… هذا أسلوب سينمائي رخيص، وغير صحي في الطرح… أليس هناك أسلوب أجدى، وأكثر احتراما للخصوصية الإنسانية لأبناء هذه المنطقة للتعبير عن مشاكلهم بعيدا عن الكوميديا غير البريئة هذه.
“كلام حريم” لم يأتي بجديد. بل دخل قائمة أعمال كثيرة سابقة لم تنجح في محاكاة الواقع في الجزيرة، وصورتهم كمتخلفين ورعاة…
لا نريد للفيلم أن يكون سياحي، بل أن يكون حقيقي، وغير سطحي.

صحيفة الفرات- الأربعاء 31/3/2010 – العدد: 1531

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى