“إمبراطورية المخابرات” ترد بعنف
سعد محيو
حين بدأ الثوار في مصر وتونس يهاجمون مقرات مباحث أمن الدولة وأجهزة المخابرات الأخرى، فرح الكثيرون، واعتبروا هذه الخطوة الإنجاز الأهم لثورتي النيل والياسمين .
لكن المحللين الذين تخصصوا في دور أجهزة المخابرات في الحياة السياسية العربية، وضعوا أيديهم على قلوبهم خوفاً . لماذا؟ لأنهم، من ناحية، يعرفون أن هذه الأجهزة كانت السلطة الفعلية من وراء الكواليس (وفي السنوات الأخيرة من أمامها)، ولأنهم، من ناحية أخرى كانوا متأكدين من أن هذه الأجهزة التي قد ترضخ لفكرة دحرجة رأس النظام ستقاوم بشدة الجهود لتغيير النظام نفسه وسترد بعنف .
وقد جاءت الأحداث الطائفية في مصر، والتي انفجرت فجأة وذهب ضحيتها العشرات، لتؤكد مخاوف هؤلاء المحللين . وهذا ما بات يفرض علينا الإنصات بعمق إلى رؤاهم حول دور هذه الأجهزة، إذا ما أردنا ألا نفاجأ بانفجارات “مخابراتية” جديدة (وحتمية في الغالب) في وجه هاتين الثورتين .
يقول هؤلاء إن السلطة السياسية في العديد من الدول العربية باتت بالفعل في العقود الثلاثة الأخيرة في عهدة أجهزة المخابرات أو بقيادتها . وهذه الأخيرة ما انفكت منذ ذلك الحين تلعب دوراً يشبه دور النخب التوتاليتارية في أنظمة الحزب الواحد . الجيش هنا يدين بالولاء للنخبة التوتاليتارية (اقرأ هنا أجهزة المخابرات) لأنها تضع موارد اقتصادية كبرى بتصرفه، فيما تكون السيطرة السياسية للشرطة السرية التي تتغلغل في الجيش وتدير عملية تعيين الضباط أو ترقيتهم أو عزلهم .
علاوة على ذلك، لم تعد الأجهزة الأمنية تقصر نشاطاتها على الأمن أو السيطرة الأمنية، بل باتت تمدد “هيمنتها” من المجتمع السياسي إلى المجتمع المدني: إلى الإعلام والثقافة، والسينما والمسرح، والنقابات والاقتصاد، وتخلق ما يسميه أحد الباحثين “ثقافة الأمن” في المجتمعات العربية .
وهنا نستذكر مقولة أنطونيو غرامشي “إن أي طبقة ترغب في السيطرة في ظل الظروف الحديثة، عليها أن تتحرّك إلى ما هو أبعد من مصالحها الاقتصادية الضيّقة لتمارس قيادة فكرية وأخلاقية، ولتبرم تحالفات وتسويات مع مختلف القوى لتشكّل الكتلة التاريخية” .
ويقول أنصار الإصلاح الديمقراطي في الوطن العربي، إن الدور المركزي للشرطة السرية في كل بلد عربي، مع قدراته الخفية والأخطبوطية، هو أكبر العوائق في وجه الإصلاح . ففي العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، وفيما كان القادة العسكريون يخمدون ويخنقون الحياة الديمقراطية، أصبحت أجهزة الأمن “قانوناً بذاتها” . ويقول لبيب قمحاوي، وهو رجل أعمال أردني ناشط في مجال حقوق الإنسان،: “الحقيقة هي أن أجهزة المخابرات أصبحت منغمسة في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية، علاوة على الأمن” . ويضيف إلى ذلك محمود خرباشه، وهو نائب أردني انضم إلى المخابرات في العام 1974 وتقاعد كرئيس لها عام ،1991 أن “المخابرات تدخل إلى 90 في المئة من القرارات السياسية في البلاد، كما أنها مددت نشاطاتها إلى الاقتصاد، وتستثمر في ما وراء البحار أموالاً تبلغ مئات ملايين الدولارات مع جيش من آلاف الموظفين التابعين لها” .
ويخلص المحلل الفلسطيني داوود كتاب إلى أن “أجهزة المخابرات هي الصانع الرئيس للسلطة في العالم العربي، بغض النظر عما إذا كان البلد المعني ملكياً أو جمهورياً” .
هل يعني ذلك أن إمبراطورية المخابرات، بما تمتلكه من سلطة سياسية وسطوة اقتصادية وهيمنة ثقافية، أصبحت طبقة في ذاتها ولذاتها في الأقطار العربية السلطوية؟
الخليج