هيومن رايتس ووتش تطالب سورية حل محكمة أمن الدولة
طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش اليوم السلطات السورية بحل محكمة أمن الدولة العليا، وقالت ان هذه المحكمة هي محكمة استثنائية تعتبر خارج نظام القضاء الجنائي العادي وتُستخدم لمقاضاة من ترى فيهم الحكومة تهديداً لها.
وجاء في تقرير جديد صدر اليوم عن المنظمة بعنوان “بعيداً عن العدالة: محكمة أمن الدولة العليا في سوريا ” وثقت فيه كيف استندت محكمة أمن الدولة العليا إلى محاكمات شكلية لمقاضاة ما لا يقل عن 153 مدعى عليهم منذ يناير/كانون الثاني 2007، بناء على اتهامات فضفاضة تُجرم حرية التعبير. ومن تمت مقاضاتهم منهم 10 مدونين، و16 ناشطاً كردياً، و8 مواطنين مُتهمين بـ “إهانة الرئيس السوري” في محادثات خاصة.
وقالت المنظمة في بيان صحفي تلقى المرصد السورية نسخة منه ان “التقرير الذي جاء في 73 صفحة يستند إلى مقابلات مع مدعى عليهم سابقين مثلوا أمام محكمة أمن الدولة العليا، ومع محاميهم ومع نشطاء حقوقيين في سوريا، وكذلك يستند إلى مراجعة واسعة لملاحظات عن جلسات المحكمة التي دونها دبلوماسيون أجانب، وهم وحدهم المراقبون الخارجيون الذين أتيح لهم الدخول إلى المحكمة. وجمعت هيومن رايتس ووتش معلومات كثيرة عن المحاكمات والاتهامات بحق 237 محتجزاً، وتُعد هذه هي جميع القضايا المعروف أن محكمة أمن الدولة العليا نظرت فيها بين يناير/كانون الثاني 2007 ويونيو/حزيران 2008، وتم تحليل الاتهامات المنسوبة إلى المدعى عليهم في هذه القضايا، وفئات المحتجزين الذين تمت مقاضاتهم، وإدارة العدالة في أثناء محاكماتهم، ومدد محكومياتهم”.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “محكمة أمن الدولة العليا هي إحدى ركائز القمع الأساسية في سوريا، وهي محكمة استثنائية توفر التغطية القضائية لاضطهاد الأجهزة الأمنية للنشطاء، بل وحتى المواطنين العاديين”. وتابعت قائلة: “ولا يُتاح للمدعى عليهم فرصة الدفاع عن أنفسهم، ولا أن يثبتوا براءتهم من الاتهامات المزيفة المنسوبة إليهم”.
وتم بموجب قرار إعفاء محكمة أمن الدولة العليا من قواعد الإجراءات الجنائية السارية على محاكم جنايات سوريا. ويلعب المحامون دوراً محدوداً ومظهرياً إلى حد كبير في تمثيلية للتظاهر باتباع إجراءات التقاضي السليمة. وكثيراً ما يقابلون موكليهم للمرة الأولى يوم المحاكمة وتحرمهم المحكمة من فرصة الدفاع شفهياً أو دعوة الشهود. وأغلب المحاكمات تقتصر على أربع جلسات قصيرة، وكثيراً ما يقل زمن الجلسة عن 30 دقيقة. ولا يحق للمدعى عليهم الطعن في الأحكام الصادرة بحقهم في محكمة أعلى درجة.
وانتهت هيومن رايتس ووتش إلى أن قوات الأمن تحتجز المدعى عليهم المقرر مثولهم أمام محكمة أمن الدولة العليا لفترات طويلة – تمتد لشهور في العادة – قبل إخطارهم بالاتهامات المنسوبة إليهم. وكثيراً ما زعم المدعى عليهم أن أجهزة الأمن السورية عذبتهم لانتزاع الاعترافات منهم، لكن المحكمة لا تحقق في هذه المزاعم ولا ترفض إعترافاتهم. وحكمت محكمة أمن الدولة العليا على الأغلبية العظمى من المدعى عليهم الذين مثلوا أمامها أثناء فترة الـ 18 شهراً، ما بين يناير/كانون الثاني 2007 ويونيو/حزيران 2008، بناء على مواد من قانون العقوبات السوري فضفاضة التعريف وواسعة النطاق، وأغلب الاتهامات تشمل “نشر أنباء كاذبة أو مبالغة من شأنها إضعاف الشعور القومي”.
وقالت سارة ليا ويتسن: “باسم حماية “الشعور القومي” تسجن محكمة أمن الدولة العليا أكثر من 100 شخص سنوياً”. وأضافت: “ليس هؤلاء المدعى عليهم هم من يُضعفون الشعور القومي، بل الممارسات التي تلجأ إليها الحكومة السورية لإسكاتهم”.
ومنذ عام 1992 – لدى استئناف المحكمة لنشاطها بعد فترة توقف في الثمانينات – حاكمت محكمة أمن الدولة العليا آلاف الأشخاص. والفئة الأكبر من المدعى عليهم الذين مثلوا أمام المحكمة في السنوات الثلاث الأخيرة يصنفون ضمن فئة واسعة تُدعى “الإسلاميين” و”جريمتهم” الأساسية في معظم الحالات يبدو أنها حيازة أقراص مدمجة (سي دي) أو كتب لرجال دين أصوليين. كما حاكمت محكمة أمن الدولة العليا نشطاء أكراد ومدونين وكُتاب ومواطنين عاديين، مثل محمد الحسيني، 67 عاماً، وحكمت عليه المحكمة بالسجن 3 أعوام في عام 2007 لأن الأجهزة الأمنية، حسب التقارير، سمعته “يهين الرئيس السوري” وينتقد الفساد في سوريا أثناء جلوسه في مقهى شعبي في دمشق. وفي إحدى القضايا، قاضت الحكومة مواطناً سورياً بعد أن قال مخبرون إنه أهان الرئيس بشار الأسد أثناء مشاهدته التلفزيون في بيت خاله.
وقالت سارة ليا ويتسن: “يبدو و كأن السوريين العاديين الذين لا نشاط سياسي لهم بالمرة لا يمكنهم الدخول في مناقشات خاصة أو تبادل للآراء عن حكومتهم، في مطعم أو في حرمة منازلهم”. وأضافت: “وبدلاً من التصدي لمشاكل الفقر والفساد والبيئة السياسية المُكبلة، تنفق السلطات السورية الموارد الوطنية في التجسس على شعبها”.
وقد أبدى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الرغبة في الحوار مع الحكومة السورية مؤخراً. ودعت هيومن رايتس ووتش هذه الحكومات إلى إبداء عدم رضاها عن محكمة أمن الدولة العليا وربط أي تقدم في العلاقات مع سوريا – على الأخص إنفاذ اتفاق الشراكة بين سوريا والاتحاد الأوروبي – بحل محكمة أمن الدولة العليا وإجراء تحسينات ملموسة على وضع حقوق الإنسان في سوريا.
ودعت هيومن رايتس ووتش السلطات السورية إلى:
• إبطال المحكمة وإنشاء لجنة قضائية مستقلة لمراجعة القضايا القائمة لدى المحكمة.
• الأمر بإخلاء سبيل المدعى عليهم الذين تتم محاكمتهم لمجرد ممارستهم لحرية التعبير أو تكوين الجمعيات.
• نقل من توجد أدلة في قضاياهم على أن المدعى عليهم ارتكبوا جرائم جنائية يُحاسب عليها القانون، إلى محكمة جنائية عادية.
كما دعى التقرير سوريا إلى عدم تجريم حرية التعبير والتجمع السلمي عبر مراجعة الأحكام الفضفاضة والمبهمة في قانون العقوبات التي تستخدمها السلطات لمقاضاة الأفراد جراء تعبيرهم عن آرائهم أو لعقد اجتماعات.
وقد جمدت محكمة أمن الدولة العليا عملها بدءاً من يوليو/تموز 2008 إثر اندلاع أعمال شغب في سجن صيدنايا ، والتي قمعتها السلطات باستخدام العنف. وتحتجز الحكومة الأغلبية العظمى من المحتجزين على ذمة المحاكمة في المحكمة في سجن صيدنايا. ولم تُصدر محكمة أمن الدولة العليا أية تفسيرات لتوقيف جلساتها، لكن من المرجح أن هذا التوقف على صلة بالحظر الشامل على المعلومات بشأن المحتجزين في سجن صيدنايا، وقد فرضته السلطات السورية إثر اندلاع أعمال الشغب.
ودعت هيومن رايتس ووتش السلطات السورية إلى جعل هذا التجميد المؤقت دائماً وأن تفرج عن المعلومات الخاصة بمصائر المحتجزين في صيدنايا.
شهادات من “بعيداً عن العدالة”
وصف مدعى عليه التعذيب الذي كابده في فرع الأمن السياسي أثناء التحقيق معه في عام 2003. واستخدم قاضي محكمة أمن الدولة العليا اعترافه لإدانته في المحاكمة:
بدأ التحقيق، وكان كله ضرب في ضرب. وكان علي مخلوف [رئيس الأمن السياسي] حاضراً. واستمر التحقيق 12 يوماً، ويتمثل في جلستين من الضرب يومياً. وضربوني على أخمص قدمي وعلى رأسي. وبعد عشرين يوماً من الاحتجاز نقلوني إلى أحد المكاتب وطلبوا مني توقيع اعترافي. قلت: أريد قراءته، فتعرضت لمزيد من الضرب وأجبروني على التوقيع بإبهامي على الاعتراف. ولم أتمكن من قراءته قط.
ووصف طالب جامعي كردي محاكمته، وقد تم الحكم عليه في محكمة أمن الدولة العليا بالسجن لمدة عامين ونصف العام جراء كتابة مقال ينتقد فيه معاملة الأكراد:
دامت المحاكمة بالكامل ثلاث جلسات. ومدة الجلسة الأولى 30 دقيقة، وكانت هذه أول مرة أرى المحامي. وقرأ القاضي المقال الذي كتبته أثناء الجلسة وسألني بعض الأسئلة. وكانت هذه المرة الوحيدة التي تحدثت فيها طيلة المحاكمة. وقال لي إنني لا أفهم شيئاً وأن الحقائق التي أوردتها عن قمع الأكراد خاطئة تماماً. وفي الجلسة الثانية كان من المفترض أن تكون جلسة الدفاع، وكان المحامي قد حضر مذكرة يلتمس فيها العفو عني مثل باقي المحتجزين الأكراد في أحداث القامشلي. لكنني رفضت الدفاع لأنني أردت الدفاع عن مقالي وطلبت تأجيل الجلسة. إلا أنني لم أحظ قط بفرصة عرض هذا الدفاع، فحُكم عليّ في الجلسة الثالثة. وقال القاضي: “مقالك يحرض الأكراد على القتال” وكنت قد كتبته بعد انتهاء القتال.
ووصف دبلوماسي غربي حضر عدة جلسات ما يتم أثناء جلسة المحكمة:
المدهش في الأمر أنها لا تبدو أو تتسم بما يميز المحاكم الحقيقية. فهي حجرة في منزل وأحد القضاة يجلس وراء مكتب. وعادة ما يعرض القاضي القضية بشكل موجز ويطرح عدة أسئلة قليلة على المدعى عليه ثم تنتهي الجلسة. ولا يتحدث المحامون قط، ولم أر قط عرض أي دليل مادي. والجلسة برمتها لا تزيد عن 30 دقيقة لكل مجموعة [من المدعى عليهم].
وذكر دبلوماسي غربي اعتاد حضور جلسات محكمة أمن الدولة العليا انطباعاته عن رئيس المحكمة، القاضي فايز النوري:
لم أر النوري يطالع أحد الملفات قط. فهو يقول للمدعى عليه: هذا هو الاتهام، فما قولك؟ وحين يتحدث المدعى عليه يقول فجأة: كفى! ولا يطرح الادعاء الأسئلة أبداً. وربما يضيف تعليقاً أو يروي مزحة للنوري.
وقال محامٍ يمثل كثيراً أمام المحكمة واصفاً اعتماد المحكمة على الاعترافات المُنتزعة تحت تأثير التعذيب:
الحقيقة أن الأغلبية العظمى من المتهمين تعرضوا للتعذيب. ومن النادر ألا يتعرض المدعى عليه للتعذيب. ولسوء الحظ فإن المحكمة مستمرة في الاعتماد على التحقيقات التي تجريها الأجهزة الأمنية ولم تقم أبداً – على حد علمي – بفتح أي تحقيق في قضايا التعذيب.
المرصد السوري