صفحات سوريةموفق نيربية

حول القمة والسفح والوادي

null


موفق نيربية

من دون سفح سوف تكون القمة في الهواء، وسوف تتعاظم الأخطار الخارجية وتسود مصالح الآخرين. الأهم أيضاً أنه من دون سفح، ستأتي رياح «الوادي» التي تتجمع منذ وقت طويل، وهي تخفي في طيّاتها غضباً وحنقاً متراكمين قائمين على التهميش والإقصاء، تزداد مفاعيلهما في عصرنا المفتوح اللاهث.

ليس ممتعاً الحديث عن القمة العربية، ولا القمم التي سبقتها، له طعم الخضار المسلوق من دون ملح، وهو يعزّز الإحساس النفسيّ بالحصار في الحلقة المفرغة التي يحيا النظام العربي -والأنظمة- لإبقائنا فيها، مع تدويرنا -بكلّ المعاني- بين فترة وأخرى، وبشكل دوريّ منذ عدّة سنوات.

«نجحت القمة قبل انعقادها»، وهذا يختزل المسألة والتفكيك والتركيب، نجحت لأنها انعقدت، بمجردّ أنها انعقدت، وكنا قد قلنا ما يشبه ذلك أمام قمم سابقة، ولكننا لا نشعر بالرغبة في أن نكرر قولنا الآن، ومع أن الحمد لله على كل حال، وخصوصاً على أننا لم نشهد أسوأ مما شهدنا كما اعتاد العرب القول دائماً لتخفيف وقع الكوارث، فإن «سرعات» العالم الجديدة، المتغيرة بتسارع متسارع، لا تسمح -بعد- بمثل هذا الترف في التفكير، أو البطء فيه.

كان لافتاً ذلك الاسترخاء والمزاح في المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير خارجية سورية مع الأمين العام لجامعة الدول العربية، وهو يعني إحساساً سوريا بالنجاح، لمجرّد انعقاد القمة، وتنهيدة نجاة من (الأعظم) من قبل الأمين العام، مع فوز ببعض الدعم لميزانية الجامعة.

وباعتبار أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، فقد نجحت القمة بتأكيدها على السياسات السابقة من مبادرات تتعلق بالتسوية ولبنان والوضع الفلسطيني والعراقي والسوداني والصومالي، ولم تكلّف نفسها ما لا طاقة لها به، كوضع آليات للتنفيذ. لم تواجه مباشرة لا مسائل الغياب والمقاطعة، ولا مشاكل لبنان وفلسطين والعراق، ولا تخلّف النظام العربي وفوات اوانه إجمالاً ولا تستطيع ذلك بالطبع.

فهنالك عرب غائبون رسمياً وعملياً، ولأسباب معلنة، وهم ليسوا قلّة في مقياس «العروبة» السائدة، ولا في المعايير الدولية الحالية؛ لذلك غابت السياسة نفسها من المؤتمر، وهو شيء لا يزعج من اعتاد على كره السياسة وتجنبها ومنعها، السياسة تعني عنده شيئاً واحداً، أن ينجو سعد بعد أن هلك سعيد، حتى في ظروف الطوفان.

فالقمة إذن منقوصة ومقصورة، قبل أن نُعرّج عليها كقمة من دون سفح.

القمة ليست مؤسسة كما أراد لها بعض من اقترح أن تكون دورية. «مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة»! هو اجتماع لقادة دول يبحثون فيه شؤونهم المشتركة، ويحققون مكاسب لهم من خلال أخطاء غيرهم. وبالنتيجة، لم يعد لمثل هذه القمم من معنى ما دام لا يوجد «سفح» للجبل. وهذا السفح هو مؤسسات للمجتمع المدني في كلّ بلد، ومؤسسات عربية مدنية مشتركة، على علاقة بمؤسسات دولية مدنية أيضاً.

هذا السفح هو أحزاب وآراء «أخرى» ومراكز دراسات وجمعيات ومنتديات وتجمعات أفكار ومصالح عامة ومتخصصة، هذا السفح لازم لكلّ بلد، وللعرب معاً، بطريقة لا يمكن أن يقترحها إلا أهل هذا السفح.

باختصار، لابد لأهل الحكم أن يتنازلوا عن احتكارهم للعلم والرأي، وليجدوا طرائق أخرى لمراعاة مصالحهم.

من دون سفح سوف تكون القمة في الهواء، وسوف تتعاظم الأخطار الخارجية وتسود مصالح الآخرين، الأهم أيضاً أنه من دون سفح، ستأتي رياح «الوادي» التي تتجمّع منذ وقت طويل، وهي تخفي في طيّاتها غضباً وحنقاً متراكمين قائمين على التهميش والإقصاء، تزداد مفاعيلهما في عصرنا المفتوح اللاهث.

واسترسالاً، فإن الأصل في السهول، في الناس وضرورة التغيّر والتغيير، فهل وضعت القمة العربية في جدول أعمالها مسألة الإصلاح السياسي والاقتصادي الملحّة بقوة على جميع أعضائها من دون استثناء؟! وقد يبدو هذا السؤال مثيراً للدهشة أو الاستغراب أو حتى الاستنكار من قبلهم، مع انه أساسي وحاسم، ولا يمكن حلّ المسائل الأخرى من دونه.

واسترسالاً ثانياً، هل وضعت القمة مسائل حقوق الإنسان على جدول أعمالها، وبحثت في أوضاعها «القومية»؟! أم انهم مكتفون بإصدار الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي سارعت الأنظمة الأكثر خرقاً لأصوله إلى التصديق عليه ولا يُصدّقها أحد؟!

وثالثة الأثافي-اللازمة للنار-، هل ناقشت القمة مسألة حرية الرأي والتعبير في بلدانها، وما بين بلدانها، أم حققت مآربها في ميثاق -لا نحفظ اسمه- وضع حدوداً قومية جديدة أمام الحريات العامة وحق الإنسان العربي في أن يَعلَم ويُعلِم؟!

هي أسئلة لا محلّ لها من الإعراب في هذا المقام طبعاً، مع انها في الجذر، وما أنتجته القمة بيان يكرّر ويُدوّر، أراد النظام السوري إطلاق اسم «إعلان دمشق» عليه، ليجعل منه شيئاً يحمل رائحة الفتح المظفّر، ولينتقم من «إعلان دمشق» الآخر ويمحو آثاره أو يضيّعها، ذلك الإعلان الذي اجتمعت عليه قوى وشخصيات سورية من أجل التغيير الديموقراطي السلمي، وحاولت أن تعبّر فيه عن إرادة أهل السهول.

* كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى