تهـويــل
حسام عيتاني
الخوف من وقوع حرب جديدة في لبنان ليس بريئا. ليس استشعارا لحال الاحتقان الشديد في بلدنا وحوله. ليس خشية مشروعة عند من عاش ويلات حروب لا تنتهي حتى تُستأنف. الخوف من الحرب هو تهويل يُستغل لغايات سياسية. نعم. هكذا يعلمنا سياسيونا.
غير ان خطاب التهويل بالتهويل، او التخويف من الخوف، لا يلبث ان يبلغ الحد الذي ينقلب معه الى مهزلة. فإسرائيل العاجزة عن شن الحرب على لبنان ومقاومته، والمصابة برعب لم تبرأ منه منذ تموز ,2006 على ما يقال ويعمم، هي ذاتها التي كان كافيا التلويح بتوجيه ضربة من عندنا نحوها حتى بدأت امواج بشرية تغادر المناطق الحدودية وغير الحدودية. اما الدليل على ثبات اهلنا فموجود امام مراكز الامن العام الذي يعاني الامرين في توفير جوازت السفر المطلوبة.
لكن، من اين يأتي هذا الخوف غير المبرر، بحسب اصحاب القول الصامد؟ انه، ببساطة، يأتي من الفارق الشاسع بين قدرتين ردعيتين مجربتين عند كل من طرفي الصراع الحالي. وإذا كانت مناورات اسرائيل الاخيرة «قد كشفت نقاط ضعف كبيرة» (وهذه هي بالضبط وظيفة المناورات التي يفترض ان تسمح بمعالجة نقاط الضعف المكتشفة استباقا للحرب الحقيقية)، فإنها في المقابل، اظهرت صنوفا مختلفة من استغلال التهويل في الجانب اللبناني.
يقال ان الصنف الاول عبارة عن استغلال الاكثرية للتهديدات الاسرائيلية بتوجيه ضربة ساحقة الى لبنان، لفرض تنازلات سياسية على المعارضة. وهذا تهويل بسيط.
الصنف الثاني هو استخدام الخوف من التهديدات الاسرائيلية من خلال التأكيد على «جهوزية المقاومة» وامتلاكها كذا الف صاروخ بهدف إلقاء الخوف في نفوس انصار الاكثرية ومنعهم من تحقيق أي تقدم في برامجهم السياسية. وهذا تهويل مركب.
اما الصنف الثالث، فهو الخوف من ان يقود تبادل التهويل الى استمرار حال الجمود الحالي وما ينجم عنها من مفاقمة تشريع البلاد امام التدخلات السياسية والامنية والعسكرية الخارجية، بحيث لا يعود من معنى اصلا لاستخدام التهويل او مضاداته.
اللعبة هذه، على غرار كافة الالعاب اللبنانية، تجري من دون ضوابط ولا رقباء. فإذا كانت المقاومة قد اكتشفت خطأ ما قالته عن «الحرب المفتوحة» وسحبته بعد ايام قليلة، مع تلمسها هول وقعه على جمهورها قبل غيره، فإنها مع ذلك تبالغ مبالغة شديدة في التعبئة لحرب مقبلة لن تكون هي الوحيدة التي تتحمل تبعاتها، وتبدي قدرا هائلا من التفاؤل في قدرتها على تحقيق «انتصار» آخر.
ترفض المقاومة تلقي الدروس في الرشاد السياسي. لكنها، على النحو الذي اوغلت فيه بارتكاب الاخطاء التي ادت الى تصعيد شديد للأزمة السياسية بعد تموز ,2006 وخصوصا بعد قرار نصب مخيم للاعتصام في وسط بيروت، فإنها توغل في السير في طريق الحرب الاقليمية.
لقائل ان يقول ان الاعتراض هذا مشابه لتلك التي صدرت عند بدء اعمال المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي قبل ستة وعشرين عاما. وان المقاومة قد اثبتت نجاعتها وحررت الارض وهزمت الاحتلال مرتين. وان المقاومة كانت طوال عمرها موضع خلاف بين اللبنانيين الذين لم يجمعوا يوما عليها… الجواب عن القول السابق يتلخص في ان المقاومة، ببنيتها الحالية ودورها ووظائفها، لم تعد حركة لطرد الاحتلال بقدر ما هي جزء من معادلات اقليمية يحق للبنانيين بجميع فئاتهم الطائفية والسياسية الحديث حولها. فالحديث لا يدور عن مجموعات تخوض حرب عصابات على ارضها، بل عن جيش شبه نظامي وهيئات اركان وما شاكل مما يفترض ان يكون من شأن اللبنانيين جميعا، بغض النظر عن درجة الوطنية التي يحوزونها على سلم من يتسلى بتصنيف اللبنانيين بين «عميل» و«وطني» و«مثــقف عـقائدي سابق».
امتناع النقاش هذا عن ان يأخذ مجراه، لألف ذريعة وعلّة، داعٍ آخر للشعور بالخوف.
ولعلها من سمات النقص في المساواة ان يقدم لبنان «ضمانات» ويطمئنوهم من خارج اطار الدولة والسلطة التي يفترض ان يكون الجميع قد اقر بها وبشرعيتها وبأنها المرجع الذي اليه يوكل القول الفصل في علاقات القوة بين اللبنانيين.
واذا كان وجود دولة تمتلك الحق الشرعي في ممارسة وظائف الدولة، ينبغي عندئذ التفتيش عن صيغ جديدة لبقاء هذه الاقوام المتواجدة على اراضي الجمهورية اللبنانية في حالة من السلم، في منأى عن التهويل البسيط منه والمركب، بطبعاته المحلية والاقليمية.
السفير