قصائد حزينة للروسي سيرغي يسينين
حبيبتـك شاغانيـه قبّلـت شـخصاً آخـر
إلى شقيقتي شورا 1
لم يسبق لي أن رأيت نساء بمثل جمالك,
لكن, عليّ القول، أخفي سراً في قلبي ـ
ليس امتعاضاً بل بالمعنى النبيل ـ
هو أنك تكررين فتوتي.
أنتِ ـ كلام كله عنبر,
و أنا سأبقى أحبك إلى الأبد.
كيف حال بقرتنا العجوز الآن,
و هي تقضم التبن بحزن ؟
يروق لي عندما تغنين,
و لتشفي قلبي بالنوم كما الأطفال.
هل احمّرت الغبيراء ببيتنا
و قد راحت تتساقط تحت النافذة البيضاء ؟
ماذا تغني أمّنا الآن و هي تغزل القنّب ؟
لقد هجرتُ القرية للأبد,
لكني أعرف تماماً ـ عاصفة ثلجية قرمزية
جاءت بالأوراق إلى سطح بيتنا.
أعرف أن الكلب الذي تخلينا عنه
يبكي حظه العاثر قرب البوابة,
كما في مأتم العروس،
دون أن يجد من يداعبه.
و مع ذلك لا مجال للعودة،
و لذلك جاء في غير أوانه،
كما الحب و كما الحزن و السعادة,
شالُك الجميل المصنوع في ريزان.
13 أيلول 1925
ـ2ـ
لم يبق لي سوى تسلية واحدة:
أن أضع أصابعي في فمي ـ و أن أصفّر بفرح.
فقد شاعَ مَجَدٌ كريه،
أنني ماجنٌ و مشاكس.
آه ! يا لها من خسارة مضحكة !
و كثيرة هي الخسارات المضحكة في الحياة .
معيب لي أنني كنت أؤمن بالله.
و محزنٌ أنني لم أعد أؤمن الآن .
أيتها الآفاق البعيدة بلون الذهب!
كل شيء يقتله ظلام الحياة اليومية.
لقد كنتُ مشاكساً و داعراًً
لكي أشتعل بدرجة أقوى.
رسالة الشاعر ـ أن يلاطف و يهدِّأ.
فهذا هو قدره المحتوم.
فأنا أردت أن أزاوج على هذه الأرض
بين الوردة البيضاء و الضفدعة السوداء.
ليكن، أنها لم تتحقق و لم تنجح
خواطر الأيام الوردية تلك.
لكن طالما أن الشياطين عشعشت
في روحي ـ فهذا يعني أن الملائكة
كانت تعيش فيها.
…..
ـ3ـ
«لماذا هو القمر يضيء باهتاً
فوق حدائق و جدران خراسان ؟
كما لو أنني أمشي في سهل روسي
خلف الستار المخشخش للضباب» ـ
هذا ما سألت عنه، يا عزيزتي لالا،
أشجارَ السرو الصامتة ليلاً،
لكن أرتالها لم تجب ولا بكلمة،
و قد رفعت رؤوسها نحو السماء بشموخ.
«لماذا هو القمر يضيء حزيناً ؟» ـ
سألت الأزهار في أيكها الهادئ.
فأجابتني الأزهار: «عليكَ أن تشعر
من خلال حفيف الوردة الحزينة».
أفاضت الوردة بأوراقها،
و بأوراقها أسرّت لي الوردة:
«حبيبتكَ شاغانيه غازلت أخرَ،
حبيبتك شاغانيه قبّلت شخصاًَ آخر.
ظنّت : «الروسي لن يلاحظ …
للقلب ـ الأغنية، و للأغنية ـ عيشٌ و جسد…»
لهذا، القمر يضيء باهتاً،
لذلك يبدو القمر شاحباً».
كم عرف الزمان من الخيانات،
من الدموع و العذاب،
فمن الذي يتمناها،
مَن الذي ينتظرها.
……
……
و مع ذلك، لتبقى مباركة إلى الأبد
الليالي الليلكية في الأرض.
ـ4ـ
لستُ نادماً، لا أستجدي و لا انتحب،
فكل شيء سيمضي،
كما العجاج عن كروم التفاح الأبيض.
و قد نال مني ذهب الذبول،
فلن أكون شاباً بعد الآن.
و لن تخــفقَ هكذا بقوة بعد اليوم،
أيها القلب، الملفوح بالبرودة،
و لن تغريني بلاد دمّور البتولا
بأن أتسكع حافي القدمين.
…..
ـ5ـ
«اعتراف الشقي»
ليس كلّ واحد يجيد الغناء،
و لم يُعطَ كل واحد مهارة السقوط،
كما التفاحة، إلى أقدام الآخرين.
فإليكم الاعتراف الأكثر عَظمَةً،
الذي يعترف به الشقي.
أنا عن عمد أمشي أشعثَ الشعر،
برأس، كما القنديل، على الكتفين.
يروق لي أن أنيرَ في العتمةِ
خريفَ أرواحكم الأمْرَدَ.
يروق لي حين تطير نحوي
أحجار الشتائم، كما البَرَدُ
في عاصفة هوجاء.
عندئذ اكتفي بالقبض بقوة أكبر
على كيس شعري المتأرجح بكلتا يدي.
حيث أتذكر حينئذ بشكل جيد
البِرْكةَ وسط الدغل
و الخشخشة المكتومة لشجر الحور.
و أنه ثمة لي أب و أم يعيشان في مكان ما،
و أنَّ كل أشعاري لا تساوي «تفلةً» بالنسبة لهما،
و أنني عزيز عليهما، كما الحقل و كما الدم،
كما المطر الذي يبعث الخضرة ربيعاً.
هما سيأتيان لكي ينحراكم بالمذاري2
لقاء كل صرخة يرميني بها أحدكم.
يا للفلاحين الفقيريَن، الفقيرين!
على الأرجح أنكما أصبحتما عاجزين مجعدين،
و أنكما ما زلتما تخافان الرب و أعماق المستنقعات.
أواه، ليتكما تعرفان،
كيف إن ولدكما ـ أشهر شاعر في روسيا !
ألم يكن الصقيع يغطى قلبيكما خوفاً على حياته
عندما كان يبلل قدميه الحافيتين في برك المــاء الخـريفية؟
أما الآن فهو يرتــدي قبــعة عالية
و حذاء من الجلد اللمّاع.
و لكن تحيا في داخله الحرارة السابقة
لفتى شقي من القرية.
فهو ينحني عن بُعدٍ
لكل بقرة عند لافتة دكان اللحوم.
و هو مستعد، عندما يلتقي بالحوذيين في الساحة،
و قد تذكّر رائحة الزِبْلِ في حقول القرية العزيزة،
لأن يحمل ذيل كل حصان، كما لو أنه رِفْلُ فستان للزفاف.
1ـ شورا اسم المداعبة من الكساندرا… المترجم
2ـ جمع مذراة.
ترجمة/ إبراهيم إستنبولي