سباق عظيم مع “الانفجار العظيم”
سعد محيو
التأم شمل وزراء مالية “مجموعة العشرين الكبار” في لندن، تمهيداً لقمة هذه المجموعة في لندن في 2 ابريل/ نيسان المقبل، لكن شمل الاتفاق حول طبيعة الحلول للأزمة الاقتصادية العالمية لمّا يلتئم بعد.
صحيح أن الوزراء، ومن بعدهم الرؤساء، الذين تنتج بلدانهم 85 في المائة من سلع العالم، سيخرجون حتماً بقرارات تتعهد بالتعاون لمنع انهيار الاقتصاد العالمي وإعادة تنظيم هيكليته المالية، إلا أن ذلك سيكون أشبه بوصف حبوب مسكّنة لمريض يحتاج إلى عملية جراحية عاجلة.
فالأزمة، كما بات يعترف الجميع، أعمق بكثير من مجرد “أصول سامة”، أو قروض فاسدة، أو تنظيمات مالية غير كافية، في قطاعات العقار والتأمين والمؤسسات المالية. إنها أولاً وأساساً معضلة العالم مع زعيمة العالم: أمريكا.
فهذه القوة العظمى التي كانت قبل 30 سنة فقط الأعتى في التاريخ من حيث الامكانات الاقتصادية والعسكرية، باتت الآن عبئاً على هذا التاريخ بعد أن تحوّلت من طبيب العالم إلى مريضه، ومن الدائن الأول إلى المدين الأول، ومن المنتج الأول إلى المستهلك الأول.
أمريكا الآن لم تعد قادرة على مواصلة الانفاق على استهلاكها النهم إلا عبر الديون، خاصة تلك التي تأتيها على شكل سندات خزينة أو احتياطي أرصدة الدولار من الصين ومجلس التعاون الخليجي ودول اقتصادات التصدير. لكن، لكي تستطيع جذب هذه الأموال، عليها أن تعتمد على “السياسة” لا على الاقتصاد: أي على تثبيت دورها كزعيمة العالم وشرطيّه وحافظ أمنه ونظامه، وكذلك بالطبع على الدولار كعملة احتياط دولية رئيسية.
لكن، إذا ما استمر تآكل هيبة الزعامة السياسية الأمريكية (وهذا ما حدث في عهد بوش)، وتراجعت قدرتها على فرض الأمن العالمي (وهو ما حدث في 11 سبتمبر/ أيلول ثم في العراق وأفغانستان وإيران)، وتفاقمت المخاوف من انهيار الدولار (كما أفصح عن ذلك قبل يومين رئيس الوزراء الصيني) فإن هذا سيؤذن بانقلابات كبرى في هيكلية النظام العالمي.
رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بن بيرنانكي أكد هذا التحليل للأزمة حين أبلغ “مجلس العلاقات الخارجية” الأمريكي الأسبوع الماضي بأنه “من المستحيل فهم المشكلة الكبرى الحالية من دون الإشارة إلى اللا توازنات العالمية الراهنة في مجالي التجارة وتدفق الرساميل الذي بدأ في النصف الثاني من تسعينات القرن العشرين”.
وما الحل لهذه اللا توازنات؟
ليس عبر إعادة ترتيب البيت الأمريكي، بل عبر مبادرة البيت العالمي إلى دعم البيت الأمريكي. وهذا ما عبّر عنه بيرنانكي بقوله: “إننا، بشكل جماعي، لم نقم بما فيه الكفاية لإصلاح الخلل في هذا اللا توازن”. كما أن هذا ما أفصح عنه الكاتبان الأمريكيان ديفيد أغناتيوس وجيم هوغلاند الأحد الماضي حين شددا على أن “هذه الأزمة عالمية، وبالتالي يجب أن يكون الحل عالمياً”.
وهذا يعني، بكلمات أوضح، أن ثمة توجّهاً أمريكياً قوياً لمحاولة تصدير الأزمة إلى الخارج بدل العمل على إحداث ثورة “تغيير” في الداخل كما وعد المرشح ثم الرئيس أوباما. وهذا يمكن أن يتم إما بليّ أذرع الدول الكبرى الأخرى عبر السياسات الحمائية أو الحروب التجارية، أو حتى من خلال حروب عسكرية كبيرة أخرى.
بالطبع، أمريكا والعالم لم يصلا بعد إلى هذه المرحلة. ووزراء المال، ثم قادة، مجموعة العشرين الكبار، سيكونون حريصين على تأكيد رفض الوصول إلى هذه المرحلة.
لكن الخطر حقيقي وقائم، وهو يمكن أن ينفجر في أي لحظة إذا ما باتت أمريكا مهددة بالانفجار من الداخل، بفعل التمزقات الاجتماعية العنيفة التي بدأت تحدثها الأزمة الاقتصادية الراهنة.
السباق العظيم بدأ بالفعل مع الانفجار العظيم.
ابدأوا بشد الأحزمة.
الخليج