صفحات العالم

مكانك راوح

امين قمورية
لاشك في ان الاجواء المتفائلة التي اشاعتها قمة الرياض التي ضمت زعماء مصر وسوريا والسعودية والكويت، وهي افضل من تلك التي سبقتها. ومن المفترض ان تؤدي هذه الخطوات التصالحية – اذا استمرت – الى تنقية سماء العلاقات العربية، بما يسمح في نهاية المطاف بعقد قمة عربية ناجحة آخر هذا الشهر في الدوحة.
واذا كان اللقاء الرباعي نجح في تجاوز الكثير من الشكليات المهمة التي كانت تعوق المصالحة وكادت ان تتسبب بتداعيات خطيرة في اكثر من ساحة، وخصوصا في لبنان وفلسطين، وتمنع التواصل بين اضلاع المثلث العربي السوري – المصري – السعودي، فان المخاض العسير الذي سبق التآم المصالحة والبيان الختامي الذي صدر في نهايتها أوحيا أن العقدة الاساسية التي فجّرت الخلافات لاتزال هي هي. هذه العقدة كانت ولاتزال ايران وموقعها في العلاقات العربية – العربية. وبهذا المعنى كانت الاجندة السياسية لقمة المصالحة الرباعية غير واضحة: هل هي من اجل حصار ايران وابعاد سوريا عنها؟ ام انها لاستخدام سوريا بحكم علاقتها التحالفية القوية مع ايران للقيام بدور وساطة معها لفتح قناة حوار واتصال اسوة بما تفعله الادارة الاميركية حاليا؟
اذا كان الهدف من المصالحة هو فك التحالف السوري – الايراني وضم دمشق الى ما يعرف بـ”معسكر الاعتدال” بعد تغيير جلده موقتا، فان هذا الرهان يبدو للبعض مستحيلا، لان دمشق مرت بظروف شديدة الصعوبة ولم تنصع للضغوط المطالبة بابعادها عن طهران، فلماذا تخاطر الآن بهذه العلاقة وخصوصا انها تمكنت من فك عزلتها الدولية والاوروبية عبر تقاطر المبعوثين الاميركيين الى دمشق، وتسليم واشنطن بقوة طهران كدولة اقليمية كبرى ودعوتها الى المشاركة في مؤتمر عن افغانستان في بروكسيل اوائل نيسان؟
الرياض والقاهرة يمكن أن تبعدا سوريا عن ايران لو كانتا على درجة من القوة والنفوذ تمكنهما من اعادة الجولان اليها مثلاً كثمن سياسي يمكن ان يغريها، ولكن اذا كان محور الاعتدال العربي عاجزا حتى الآن عن كسر حصار غزة، واقناع الادارة الأميركية بتطبيق مبادرة السلام العربية، فهل يستطيع اعادة الجولان او حتى مزارع شبعا بعد تشكيل حكومة افيغدور ليبرمان في اسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو؟
واذا كان البعض يرى ان الهدف الاساسي لسوريا من وراء انفتاحها العربي الجديد هو التوصل الى ضمانات في شأن المحكمة الدولية وتكريس نفوذها السياسي في لبنان، فان من يستطيع اعطاء مثل هذه الضمانات هو الولايات المتحدة الدولة العظمى في العالم وليس اي دولة اخرى في العالم. وقد بدأ فعلا العد العكسي لتطبيع العلاقة بين دمشق وواشنطن من دون الحاجة الى الوسطاء العرب.
اما اذا كان الهدف من وراء المصالحة هو اللجوء العربي الى دمشق كجسر للعلاقة مع طهران بعد تبدل المعطيات الاقليمية، فان الخطاب المصري السعودي ازاء طهران لايوحي ابدا مثل هذا الانقلاب بل نقيض ذلك.
اغلب الظن ان الخوض في مثل هذا الموضوع سيظل اشبه بالدوران في حلقة مفرغة، وعلى الارجح فان العرب سيجتازون قمة الدوحة وما سيعقبها من قمم كثيرة من دون التوصل الى الحد الادنى من التفاهم العربي المشترك ازاء العقدة الايرانية المستعصية .
اما الرهان على اعادة احياء المثلث المصري – السوري – السعودي الذي حكم المنطقة لاكثر من 30 عاما، وحفظ الحد الادنى من العمل العربي المشترك، فدونه الكثير قبل ترميمه ليس لان الزمن تغير والتحالفات تغيرت، او لان قوى اقليمية قد ظهرت على ظهر العرب وحسابهم، وقوى اخرى اختفت، بل لان الانهيار العربي وصل الى حد لم تعد تنفع فيه كل المهدئات والمسكنات والمعالجات الانية.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى