صفحات مختارة

مساءلة الإصلاح في الفكر العربي المعاصر: مطالبة بالنقد واعادة التفكير في مأزق الخطاب

يوسف بن عدي
أولا: في النص الإصلاحي العربي .. إن مبتدأ كلامنا هو قضية الإصلاح في الوطن العربي بأنواعها السياسية والثقافية والدينية..و التي أصبحت اليوم، من القضايا الأساسية في فكرنا العربي والإسلامي المعاصر.لهذا سارع كثير من المفكرين العرب إلى تقريب معضلات الإصلاح وشروطه المنهجية والنظرية. فمنهم من عمل على إعادة النظر في بنية الإصلاحية العربية اعني إيديولوجيا ومعرفيا كما هو الحال عند هشام شرابي في نصه:’ المثقفون العرب والغرب’1981، والذي لم يتردد في انتقاد حركة الإصلاح عبر التاريخ الإسلامي، سياسيا وفكريا وإيديولوجيا. وقد رفض الكاتب شرابي تلك المقارنة الهشة بين الإصلاح الديني في أوروبا وما بين التجديد الديني في الإسلام، وذلك بعلة أن الأسس تختلف جذريا من حيث أن المسلمين يعتقدون في حقيقة جاهزة قبلية. وأما د. محمد الحداد ـ الكاتب التونسي – فقد تعقب في كتابه المعنون بـ: ‘ديانة الضمير الفردي ومصيرالاسلام في العصر الحديث’2007. هذا الأخير الذي أشار فيه الكاتب إلى ان المهمة الأساسية للمثقف اليوم في ظل العالم الحديث وتحولاته وانتقالاته.. هي طرح معالم ‘نهضة ثانية’.. شرط ‘ان نتخلى عن فكرة تقديم الوصفات العامة في شكل الكتيبات النضالية للعهد الثوري أو المشاريع الفضفاضة لقراءة التراث أو التطبيقات السطحية للمناهج والفلسفات الحديثة’ (صفحة 6 من كتاب: ‘ديانة الضمير الفردي..’). وهذا يستلزم أن يتخلى العقل الجديد عن ‘الاطمئنان الإيديولوجي..’ ويقبل ما دعاه ادغار موران ‘الفكر المتشعب’، والفكر النقدي انما رفض السرديات المتوارثة عن النهضة والغرب نحو المراجعة والتقويض والتفكيك والمساءلة.. كما اقر الحداد بأن ‘الإصلاح الديني’ يتأسس على ثلاث مسائل أساسية: ‘المقاربة العلمية للظاهرة الدينية’ و’الاجتهاد’ و ‘الإصلاح الديني’. أما المسألة الأولى فهي ‘تغيير التصورات السائدة وفتح المجال لتصورات أخرى أكثر موضوعية’ (صفحة 8 من كتاب: ‘ديانة الضمير الفردي..’.)، وأما المسألة الثانية وهي الاجتهاد فهو ‘جهد عملي لتكييف التصورات الدينية التي تتمسك بها مجموعة مع المتطلبات الذهنية والمادية التي يفرضها تطور أنماط العيش. فهو محاولة لتحقيق التوازن بين الإيمان ومقتضيات العصر. ولما كان الإيمان أمرا ذاتياً لا يخضع للمعالجة العلمية فان هذا التوازن، ثم هذا الجهد العملي المسمى اجتهاداً، إنما يظلان مسألة عملية اعتبارية، مثل انه يمكن أن يمنع عادة تعدد الزوجات بتأويل عملي للنص الديني لا تثبته الأدلة اللغوية والتاريخية. كما أن الاجتهاد اختيار المجموعة البشرية المعنية بدين معين، أما الظاهرة الدينية فليست مختصة معينة ومقاربتها تخضع لمبدأ الاختصاص العلمي دون الانتماء الديني’ (صفحة 8 من كتاب: ‘ ديانة الضمير الفردي..’). وأخيرا وليس آخراً، ان مسألة ‘الإصلاح الديني’ في فكر محمد الحداد هي من أهم المشكلات الجوهرية التي يسعى من خلالها الى إعادة النظر في علاقة المتخيل الاجتماعي بالفردي، وعلاقة المكتوب بالشفاهي في ثقافتنا العربية..وأما نص:’ العرب والحداثة. دراسة في مقالات الحداثيين’2007، لعبد الاله بلقزيز فهو نقد للخطاب النهضوي العربي وتفكيك مقولاته وافق تفكيره.. بغية إعادة بنائه من جديد. ولعل من أهم المراجعات لدى د. عبد الله بلقزيز هي المتمثلة في الفصل الخامس: ‘قراءة نقدية لحصيلة فكرية’ والتي عمل الكاتب على مراجعة صفتي: الليبرالية والتنوير..يقول بلقزيز:’ وثاني الالتباس ناجم عن كون الذين أرخوا للفكر العربي حديثا وصنفوا خطاباته وتياراته،غالبا ما صرفوا وصف العقلانية والتنوير لتيارات بعينها. وقد يختلف اتجاهات ومنطلقات. لكن الجامع بينها أنها ليست إسلامية، وكان من نتائج ذلك أن وطن في الأنفس والأذهان أن الليبرالية والمعاصرة صنو للعقلانية والحداثة وقرينة عليهما. وهذه معادلة لا يستقيم لها أمر في أي وعي نقدي موضوعي، وتحتاج إلى مراجعة وتصحيح.’ (صفحة 78 من كتاب:
‘العرب والحداثة’). وقد تجلت تلك المراجعة في إعادة النظر في أزمنة الفكر العربي وطرق تعامله مع إشكالات النهضة والأصالة من الطهطاوي إلى محمد رشيد رضا.. وغيره.
انه تفكير على مستوى المنهج والرؤية بالدرجة الأولى. ولعل فكرة الإصلاح في فكر بلقزيز لها تمتد الى نص: ‘تكوين المجال السياسي الاسلامي: النبوة والسياسية’2005، ونص: ‘الدولة في الفكر الاسلامي المعاصر’2001.
وأخيرا وليس آخرا فانه بالرغم من الاختلاف النظري والرؤية المنهجية في قراءة النص الإصلاحي العربي الحديث والمعاصر، فان الرابط بين هذه المقاربات هو البعد المعرفي أي إعادة النظر في مقولات الفكر الإصلاحي العربي ومرجعياته. ليبقى التساؤل الأساسي في مقالنا هو: كيف يتصور الجابري فكرة الإصلاح في فكرنا العربي؟.
ثانيا: جدلية الانفصال والاتصال..
وأما الكاتب المغربي محمد عابد الجابري فقد عمل في نصه البارز: ‘في نقد الحاجة الى الإصلاح’2005 حيث يقوم فيه هذا الرجل بإعادة النظر في كثير من القضايا التي لها علاقة بالماضي والحاضر أي ترتيب العلاقات ما بين الدين والدنيا، الهوية والعولمة، الحداثة والأصالة …. في ظل ما قامت به أمريكا من ‘إفساد ما كان موجودا من اصلاح قائم أو منتظر، بل ايضا بإرباك وطمس الطريق الى الاصلاح الحقيقي، ومن ثم تعتيم الرؤية التي تنشد الاصلاح’ (صفحة 16 من كتاب: ‘في نقد الحاجة إلى الإصلاح’). ومن هنا فنحن في حاجة الى ‘نقد الحاجة الى الإصلاح’. إننا نلفي في هذا النص تلك الرؤية ومنطلقات القراءة التى ساهمت في نقد العقل العربي- (انظر الرباعية: تكوين العقل العربي (1984) و بنية العقل العربي (1986) والعقل العربي السياسي (1990) ثم العقل الأخلاقي العربي(2001)).
وفق عمليتي: الانفصال والاتصال. وعلى هذا فالماضي هو امتداد ـ وفق رأي د.الجابري- في الحاضر، بل ان الحاضر ليس الا مواجهة الماضي بنقده أو محاولة الغائه أو تملكه لتجاوزه …فالماضي لا نقرأه إلا لتحقيق مأربين هما : الاتصال معه لفهمه في إطار تاريخي ـ فكري ـ إيديولوجي ثم الانفصال عنه بعد ربطه بالحاضر في نطاق فهم معقوليته وموضوعيته وكذا التمكن من التمييز بين المعرفي والطموح الإيديولوجي في هذا التيار أو ذاك، وفي هذه الفلسفة أو تلك.. كما لهذا النص امتدادات من حيث طرح القضايا مع كتابات أخرى للمفكر المغربي وهي،على سبيل المثال لا الحصر، كنص: ‘قضايا في الفكر المعاصر’ (1997) وكتاب:
‘وجهة نظر: نحو اعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر'(1992) الخ…
ثالثاً : قراءة معالم الإصلاح العربي
في المسار الأوروبي.
لا يتردد أي باحث في رصد الدلالة الايتيمولوجية لمفهوم الاصلاح من تسجيل بعض الملاحظات، ومنها دلالة الاصلاح في المعنى اللغوي ـ لسان العرب ـ لها علاقات بـ’الصلاح ‘ و ‘التوبة ‘ و ‘درء الإفساد’…في الوقت الذي تذهب فيه هذه الدلالة في المعنى اللاتيني مذهب اعادة الصيغة أو اعطاء صورة أخرى للشيء (صفحة 19 من كتاب: ‘في نقد الحاجة إلى الإصلاح’)..أي في إطار علاقة الصورة بالمادة ..وبذا فان هذه العلاقة (الصورة /المادة) غائبة في التداول العربي التي تريد فــــقط ارجاع الوضع قبل الإفساد..وفق مقـــولة: ‘لا يصلح آخر هذه الأمـــة إلا بما أصلح أولها’، في الوقت الذي ـ كما يقول د. الجـــابري ـ لم يقصد الإمام مالك ‘الاصلاح’ بالمعنى القوي (صفحة 20 من كتاب: ‘في نقد الحاجة إلى الإصلاح’).، ليتحول ذلك ‘الاصلاح’ الى صراعات سياسية ما بين الفرق والمذاهب الفقهية والكلامية…
يقول د. الجابري: ‘الواقع اننا إذا تفحصنا المرجعية التراثية، فاننا لا نجد في ذلك الزمان ما يشير – ولو إشارة بسيطة- الى رضا الناس بالحاضر، ولا الى تفاؤلهم بالمستقبل.’ (صفحة 24 من كتاب: ‘في نقد الحاجة إلى الإصلاح’).
وهكذا استمر هذا الصراع المتمذهب في الخطاب النهضوي، اعني مع سلفية جمال الدين الأفغاني الذي اقتفى نهج الانقلاب والثورة، ومع الشيخ محمد عبده المستمسك بالعروة الوثقى أي ‘المستبد العادل’ .. والذي هو تعبير صارخ عن فقدان الثقة بالعقل وانجازاته في تحقيق الاصلاح والتغيير..إذا فالماضي هو امتداد في الحاضر السياسي والفكري ..ولعل من المفارقات التي استوقفت د.الجابري وهي مدى فعل الماضي العربي ـ الإسلامي في نهضة أوروبا وتقدمها. في اللحظة التي لم ينفعل الفكر العربي بذلك الماضي حتى يفعل الاصلا ح والتنوير والتقدم…يقول الجابري: ‘غير ان الاصلاح الذي قام به لوثر لم يكن’ البداية ‘بل كان نتيجة لحركة فكرية عرفت بحركة ‘ الإنسانيين ‘ وهذه بدورها كانت استمرارا لتيار فكري تجديدي ظهر في القرن الثالث عشر الميلادي باسم ‘الرشدية اللاتينية’. (صفحة 65 من كتاب:’ في نقد الحاجة إلى الإصلاح’). إن نظرية العقد الاجتماعي ـ وهي من لواحق الاصلاح- لم تحظَ بحضور بارز في تراثنا، بل لقد هيمن فيه ‘عقد البيعة’ الذي له مضمون سياسي وديني في سياق نشر الاجتماع الديني -،ومع ان بعض الباحثين من عصرنا قد اعتبر ان ‘معاهدة الصحيفة’ تتأسس على الاجتماع المدني أي على المواطنة (المسلمين واليهود..) وليس على الاجتماع الديني، و يمكن للقارئ العودة الى كتاب للاستاذ عبد الاله بلقزيز ‘تكوين المجال السياسي الاسلامي: النبوة والسياسة’ (2005)- وبالتالي فان نظرية العقد الاجتماعي ولدت في اطار تقويض نظرية الحق الإلهي للملوك، أي في صراع الدولة والكنيسة. وبعد، تمكن هوبز من التمييز ما بين العقد والعهد، ومحاولات بوفندروف في الجمع بين ‘القانون الطبيعي والقانون الانساني في قانون موحد مبني على القانون الالهي’،. وغيرها من مجهودات جون لوك وانتقاداته لهوبز وحق المقاومة..حتى جاء الانجاز العظيم مع الثورة الفرنسية ‘ من فرضية الى نص دستوري ـ عرف باسم ‘اعلان حقوق الانسان والمواطن’ (صفحة 113 من كتاب:
‘في نقد الحاجة إلى الإصلاح’). وعلى هذا، وفي سياق تعقب تحولات الاصلاح في نظرية العقد الاجتماعي لم يتوان د.الجابري في التعبير عما يخالج ذهنه ونفسه من ان ‘ثمة تأثيرا ما لنظرية فقهاء الإسلام في الخلافة في نظرية هوبز في العقد /العهد فاننا نفضل غض الطرف عن هذا الاحتمال الذي ليس لدينا ما يمكن به إثباته ولا حتى تزكيته.’ (صفحة113 من كتاب: ‘في نقد الحاجة إلى الإصلاح’). هذا الشعور الذي سيترجمه الى البحث ‘في التعريف في القرآن’ كمستوى من مستويات الاصلاح الديني.
رابعاً: عوائق الاصلاح ..
والحنين للنموذج الرشدي..
لا تتأسس ثقافة حقوق الانسان، عفوا إيديولوجيا حقوق الانسان، الا على أساس
(‘العدوان الذي هو من طبيعة الانسان هو الاصل في ‘حقوق الانسان’ وهو الاصل في قيام الدولة’) (صفحة 106 من كتاب: ‘في نقد الحاجة إلى الإصلاح’). أما من حيث الخلفية الفلسفية والفكرية فلم يعد اليونانون هم المرجع الأساسي، ذلك انهم حققوا الحرية والمواطنة بناء على مجتمع الطبقات (السادة والعبيد)، فضلا عن ان رؤيتهم كانت تتأسس على العقل الكلي أو الكوسموس بدلا من بناء الحقوق على الطبيعة الإنسانية كمصدر للقانون (غروتيوس) ..وكقوة حاسمة في التشريع للقيم والحقائق..وانه لما كان مفهوم المجتمع المدني من المفاهيم المركزية في مقولة الاصلاح ..فان د.الجابري يتساءل عن مدى مشروعية ‘ نقل هذا المفهوم الى مجتمعات لم تعش هذه التطورات مثل ‘المجتمع العربي’ الذي ما زال يحتفظ بـ
‘القبيلة’ كمكون أساسي فيه؟’ (صفحة 173 من كتاب: ‘في نقد الحاجة إلى الإصلاح’). وهكذا كان الحكم للتاريخ أو بالاحرى تاريخ الأفكار والإيديولوجيات، اعني ان مفهوم المجتمع المدني له تاريخ اجتماعي وفكري وسياسي ..ولقد وضع هيغل معالمه الأساسية وفق الرؤية الجدلية التركيبية، بدءا بالأسرة (عزيزة التناسل ومصدر البحث عن الحاجات ..) ومرورا بلحظة المجتمع المدني أي الاعتماد المتبادل (صفحة 176 من كتاب :’ في نقد الحاجة إلى الإصلاح’)،وصولا الى اللحظة الأخيرة هي الدولة التي ‘ تمثل مرحلة المشخص، المرحلة التي تحقق فيها ‘الحرية الموضوعية ‘. (صفحة 177 من كتاب: ‘في نقد الحاجة إلى الإصلاح’). أما من بين صعوبات نقل مفهوم المجتمع العربي إنما يعود الى غياب حالة الانتقال من المجتمع الزراعي الى المجتمع الصناعي الحداثي ..ثم انه لم يعرف تطورا طبيعيا من صميم المجتمع العربي وحركيته الاجتماعية والسياسية والتاريخية. إضافة الى العامل الخارجي المتمثل في ‘ الغرب الامبريالي هو الذي عرقل نمو المجتمع المدني في الأقطار العربية التي كانت مرشحة لأن تقوم فيها شروط وجود هذا المجتمع ‘ (صفحة 185 من كتاب :’ في نقد الحاجة إلى الإصلاح’). ثم وجود قوى داخلية ‘ تنطق باسمه دونما حاجة الى ان يتكلم ‘ (صفحة 182 من كتاب: ‘في نقد الحاجة إلى الإصلاح’) ،وقد خلق الغرب الامبريالي ما يسمى اليوم بـ ‘الفوضى البناءة’ ..وذلك راجع الى ان الخارج لم يعد في مقابل الداخل انها ثنائية زائفة- على حد قول د.علي حرب راجع كتاب: ‘أزمنة الحداثة الفائقة ‘( 2005). وعلى هذا، فإذا كان طريق بناء المجتمع المدني في العالم العربي طريقاً مليئاً بصعوبات نظرية وتاريخية…فان مسلك الديمقراطية ايضا مليء بالعوائق الذاتــــية والموضـــوعية، ولا سيما وانها من شبكة مفهوم الاصلاح ..إذ ان تحقيق التغيير لا يحصل الا بواسطــــة ‘ الكتلة التاريخية ‘ ..يقول د.الجابري : ‘ هذا لا يعني ان على جميع المدعوين الى الانخــــراط في هذه الكتلة التاريخية ان يتخلوا عن مشاريعــــهم الإيديولوجية ومدنهم الفاضلة بل ان كل ما هو مطلوب هو وضع ذلك في موضعه الذي يسمح به الظرف التاريخي’ (صفحة 200 من كتاب :’ في نقد الحاجة إلى الإصلاح’). وأخيرا وليس اخرا، فان الماضي التراثي في نموذج ابن رشد وابن خلدون لم ينعتا الحكم في المغرب الا بنعت انه ‘مركب’ …وهذا يعود ـ في رأي د.الجابري ـ الى النموذج العلمي السائد أي النموذج الكيميائي مع ابن خلدون والنموذج الرياضي الهندسي مع ابن رشد .. كما كان تقريبهما (ابن رشد وابن خلدون) للمشكل بشكل جوهري ودقيق يتمظهر في ‘غياب الخارج في أفق ابن رشد وابن خلدون جعلهما يتجهان الى جوهر المشكل الى طبيعة السلطة.’ (صفحة 233 من كتاب :’في نقد الحاجة إلى الإصلاح’)، في الوقت الذي يحدد فيه ‘الخارج’ /الغرب حتى طبيعة التساؤلات التي نحملها في أذهاننا، وقد ساد ذلك في الخطاب النهضوي مع جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده ..فالخارج لم يكن بالنسبة لنا الا رد فعل نحو الحفاظ على الهوية والذات. لذا نلفي خطابهما الاصلاحي خطاباً مؤسساً على التحالفات والمتناقضات (التواطؤ مع اللورد كرومر والخديوي ..) لانه خطاب مصدره المجتمع والفكر.. وتشابكاتهما المعقدة.وهكذا كان حضور جدلية الانفصال والاتصال في الخطاب العربي المعاصر، إزاء قضايا الاصلاح ولواحقه: العقد الاجتماعي وحقوق الانسان والمجتمع المدني والتحول الديمقراطي في المرجعية الأوروبية من خلال نصه: ‘في نقد الحاجة الى الاصلاح’.
وعلى الجملة ،فان النظر في مسألة الاصلاح في الفكرالعربي المعاصر انما يختلف من قراءة الى اخرى، اعني ان لكل قراءة أو تفكير في تحولات الاصلاح رؤى وتصورات ومرجعيات ..الا انها تشترك جميعها في المطالبة بالنقد والمراجعة والتصحيح بغض الطرف عن مضامين النقد، الايديولوجي او المنهجي او البنيوي التاريخي.. اذ ان الامر يتعلق باعادة التفكير في مأزق الخطاب العربي الحديث والمعاصر: الحداثة والاصالة، الهوية والعولمة، الانا والاخر، الدين والدولة، العرب والغرب.. وغيرها من المقولات التي تشكل المنطلق الاساسي لكل عملية نقدية.
كاتب من المغرب
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى