في خطاب السلطات المنهارة وسلوكها
فايز سارة
قد لا يكون من المستغرب، أن تتقارب مضامين الخطابات الصادرة عن السلطات العربية التي آلت الى الانهيار، وشقيقاتها التي تنتظر دورها في مواجهة ثورة شبابها وشعوبها ضد سياساتها، والتي تكثفت في شعار مركزي واحد: الشعب يريد إسقاط النظام، أو الشعب يريد إسقاط الرئيس، وهما شعاران لهما معنى واحد في غالبية تلك الدول، لأن من الصعب الفصل بين النظام والرئيس، فالنظام هو الرئيس والرئيس هو النظام على نحو ما عرفنا، كلاهما اختصار للاستبداد والديكتاتورية والفساد، ولا تمييز بين أحدهما والآخر.
لقد ركزت تلك الأنظمة في مضامين خطابها على مجموعة قضايا أساسية، أولاها اتهام الفئات المعارضة لها بأنها فئات مرتبطة بالخارج. وكان ذلك الاتهام واضحاً وصريحاً في الحالة المصرية، التي استعملت مفردات وإشارات، بينها ان المعتصمين في ميدان التحرير يقبضون أموالاً لقاء وجودهم هناك، وانه يتم توزيع وجبات غذائية معينة عليهم. ثم اضيف الى ذلك القول بأن بعضهم تلقى تدريباً في بلد معين في اشارة الى تأكيد ارتباطهم بالخارج. فيما كان الاتهام اقل من ذلك وضوحاً من جانب الرئيس بن علي ونظامه في تونس، اذ جرى الاكتفاء بإشارات عامة عن دور الخارج في ادارة التمرد الشبابي والشعبي على النظام الديكتاتوري الفاسد، فيما صدرت إشارات أكثر وضوحاً وصراحة من جانب الرئيس الليبي وولده سيف الإسلام القذافي في اتهام معارضيه الذين يتناولون «حبوب الهلوسة» بالعلاقة مع الخارج، والحصول على الدعم منه في التمرد على السلطة مضافاً الى اتهام القذافي الابن «عاملين أجانب من المصريين والتونسيين والفلسطينيين بالوقوف وراء الاحتجاجات»، بل واحدة من آخر التصريحات، قالت، إن التغيير في العالم العربي تديره غرفة عمليات إسرائيلية – أميركية!
والقضية الثانية المشتركة في مضامين خطاب السلطات العربية المنهارة، كانت في اتهام معارضيها بالتخريب أولاً، ثم الذهاب الى الأبعد في وصفهم بالإرهابين. وكان الاتهام الأول واضحاً في كل البلدان التي شهدت تظاهرات أطلقت شعارات إسقاط النظام على نحو ما جرى في اليمن والعراق، ثم تكرس الاتهام الثاني في حالات تونس ثم مصر، وقد جرى التركيز على الاتهام أكثر في ليبيا، عندما أشير إلى الإمارات الإسلامية الموالية للقاعدة، التي نشأت في المناطق التي انحسر عنها نفوذ رأس النظام في شرق ليبيا، وتم تحديد الإمارة الإسلامية في الزاوية مثالاً على ارتباط مناهضي النظام بالقاعدة.
والقضية الثالثة في خطاب السلطات تركيزها على مسؤولية معارضيها من المتظاهرين بما يمكن ان يلحق بالبلاد من أذيات سياسية واقتصادية وصولاً الى احتمالات أشد فظاعة ومنها التدخلات الخارجية وتقسيم البلاد والانزلاق الى الحرب الأهلية. لقد حمّلت الحكومة المصرية الأخيرة، التي شكلها الرئيس حسني مبارك في سياق مواجهة ثورة الشباب معارضيها مسؤولية الخسائر الاقتصادية الناجمة عن ثورتهم، وركزت في هذا الجانب على تراجع الحركة السياحية، وأضافت الى ذلك مسؤولية ثورة الشباب عن تعطل الأنشطة الاقتصادية في قطاع المصارف وتوقف العمل في القطاع الصناعي نتيجة الإضرابات العمالية، ويقارب خطاب الحكومة المصرية في محتواه، ما كانت الحكومة التونسية قد أكدته في تحميل ثورة الشباب في تونس مسؤولية ما أصاب الاقتصاد التونسي من أضرار، فيما ذهبت السلطة الليبية الى أبعد مما سبق، بتحميل معارضيها مسؤولية التدخلات الأجنبية وتقسيم البلاد وأخذها الى الحرب الأهلية، وكان ذلك صريحاً وواضحاً في خطاب القذافي الأب وتصريحات ابنه سيف الإسلام.
لقد ركّز خطاب السلطات السائرة على طريق الانهيار على الاستهانة بمــعارضيها والاستهزاء بشعاراتهم وأهدافهم، ثم ذهبت الى اتهامهم وتهديدهم، قبل ان تتجه الى تحميلهم مسؤولية، ما يمكن ان يصيب البلاد والـــناس من أضرار وخسائر، يمتد أثرها الى تهــديد مستقبل الكيان الوطني، وفي عموم ذلك الخـــطاب، كانــت السلطات تتجاوز مسؤوليتها السياسية عن وصول البلاد والشعب الى حالة لم يعد من طــريــق أمامــه سوى الثورة على الــحاكم المــستبــد الفاســد وبـطانتــه ونـظامه.
ان التشابه في الخطاب السياسي لسلطات الأنظمة العربية، جعل من الطبيعي، ان تتماثل تلك الأنظمة في سلوكها العملي مع ثورات شعوبها، وناظمه الأساسي القمع والإرهاب، ودفع الشرطة وأجهزة الأمن في مواجهة المتظاهرين، ثم إطلاق يد «الأنصار المسلحين» من البلطجية ورجال الأمن باللباس المدني، كما حصل في تونس ومصر واليمن، وقيام راكبي البغال والجمال بقمع وحشي ضد معتصمي ميدان التحرير في القاهرة، وهو الدور ذاته الذي قامت به مرتزقة النظام الليبي من الأفارقة في طرابلس الغرب مع بعض تنظيمات الجيش الليبي التي يقودها ابناء الرئيس القذافي، وترافقت كلها مع تشابه السلوك العملي لسلطات الأنظمة في الهجمات على الإعلاميين المحليين او العاملين على حدٍّ سواء في الإعلام الخارجي، حيث تم استهداف أشخاصهم وتدمير أو سرقة معداتهم في إجراء هدفه إبعادهم عن تسجيل ما يحدث ونقله إلى العالم، وإبقاء الجرائم التي ارتكبت ضد الشباب والشعب عموماً خـارج التـغطية الإعلامية والتوثيق.
ومما لا شك فيه، ان تشابه الخطاب السياسي والخطاب العملي للسلطات العربية، لم يكن صدفة، بل هو تعبير عن التقارب في بنية هذه الأنظمة وشروطها. حيث انها جميعاً، تضمنت نظاماً ديكتاتورياً امتد عشرات السنين مقيماً على صدر الشعب، يديره الرئيس بواسطة اجهزة الأمن، يمثل نظام نواته حلقة ضيقة من المستفيدين والأزلام على رأسها أقرب أقارب الرئيس بينهم الأولاد والزوجة والأصهار ممن أداروا عمليات نهب وفساد، راكمت ثروات خيالية، فيما قطاعات واسعة من الشعب، لا تجد ما يسد رمقها من طعام وشراب بالمعنى الدقيق للكلمة.
الحياة