مدرسة رديئة في نقد سوريّة
حازم صاغيّة
هناك، في النقد اللبنانيّ للسياسة السوريّة، مدرسة غبيّة ورديئة مفاد تعاليمها تعيير دمشق بأنها تحاول الصلح مع إسرائيل، أو التحذير المتواصل من ذلك، أو التلويح التخوينيّ بذلك. وقد شكّلت المناورات العسكريّة الأخيرة والحاليّة، المرفقة بعروض سلام من أولمرت للأسد، ما يشبه الضبط بالجرم المشهود.
لكنْ لا بأس بالقول، مهما بدا الأمر صادماً للبعض، أو حافزاً لهم على النفي، إن مشكلة لبنان مع النظام السوريّ، وبمعنى ما مع سوريّة، أن دمشق ليست في وارد الصلح مع إسرائيل. وهذا، منعاً لسوء الفهم، ليس عائداً الى موقف قوميّ مزعوم أو ترّهة نضاليّة من الترّهات التي يزخر بها قاموس الممانعين. فالحكم السوريّ أكبر عقلاً من أن يصدّق ما يقوله عن النضال والصمود والتصدّي. هو، له التأليف، والممانعون لهم النشر.
أما رفض السلام والصلح فيطرح على المحكّ الطبيعة الهيكليّة للنظام، وإلى حدّ ما للمجتمع. وماذا ينفع، عملاً بالنصيحة المسيحيّة الشهيرة، أن تربح العالم وتخسر نفسك؟ فالطريق الى سلام نهائيّ تفرض مواجهة الواقع، والوقائع، من دون تزويق أو تحوير. بل يصحّ القول، تالياً، إن على الراغبين في السلام ضمّ جهودهم من أجل العمل على استعادة الهضبة المحتلّة.
ولبنان، بدوره، لا يستقرّ ولا يتقدّم من دون إنهاء النزاع هذا. ومن الأفضل، أخلاقيّاً وسياسيّاً، أن يُحلّ عبر استعادة الجميع حقوقهم. غير أن إنهاءه بأيّ ثمن يبقى أقلّ كلفة على الجميع من استمراره في انتظار تحصيل الحقوق. لكن لبنان يدفع ثمن النزاع بالضبط لأن سوريّة ترغب في المضيّ فيه. وهي، منذ غادرته مصر، صارت تحقّق رغبتها بالمكابرة ومعاكسة طبيعة الأشياء، وصولاً الى تحالفها، العابر للعرب، مع طهران.
والحال أن المعنى العميق للحريريّة يكمن هنا تحديداً: كيف تتّجه المنطقة الى حلّ يحمي لبنان ويكفل ازدهاره، وكيف يستحيل ذلك ما لم تكن سوريّة بوّابته. فالحريريّة، من ثمّ، هي الاتّعاظ بتجربة 17 أيّار، لا عبر نفيها، بل من خلال تحصينها المزدوج: بالتعريب وتوسيع الرقعة من جهة، وبالاقتصاد، من جهة أخرى، حيث يشتغل الإغراء اللبنانيّ لسوريّة على غرار اشتغال الإغراء الهونكونغيّ للصين. هكذا يغدو الحريري ضحيّة امتناع السلام في المنطقة، والسلام السوريّ – الإسرائيليّ خصوصاً.
طبعاً، لقائل أن يقول: إن التقارب بين الدولتين الجارتين يتمّ على حساب لبنان، وان هناك سنوات مُرّة تؤكّد سلامة تصوّر كهذا. وهو، بالطبع، تقدير صائب. لكن السلم ليس تقارباً ولا تفاهماً، بل هو مقدّمة لبناء نظام إقليميّ يتمحور حول الدول – الأمم وسياداتها كمعطى نهائيّ مضمون يتمّ التقدّم، من داخله، لتذليل سائر مشكلات الشرق الأوسط.
فإذا ما تمّ هذا، وإذا ما شرعت سوريّة تتحوّل الى مجتمع مدنيّ وديموقراطيّ، مع ما ينطوي عليه ذلك من صعوبات لا يُستهان بها، صرنا أمام مكسب للبنان ومكسب للمجتمع السوريّ. وهو، أقلّه نظريّاً، إنجاز استراتيجيّ وتاريخيّ ينبغي عدم الإسهام في تعويقه بالحزازات القَبَليّة، ولا إضعافه ببقايا اللفظيّة القوميّة السقيمة كالقول إننا لن نسالم ولن نجافي عروبة باتت هي نفسها تعتذر عن تعذيبها لنا، ونعتذر، من غير انقطاع، عن تعذيبنا لها.
الحياة – 08/04/08