إسرائيل والسلام مع سوريا
مراجعة: أحمد أبو هدبة
تزايدت الاهتمامات الملحوظة لمراكز الدراسات الإسرائيلية أخيراً في إعداد البحوث والدراسات والأوراق البحثية التي تسلط الأضواء على الشأن السوري، كما عجت الصحافة الإسرائيلية المكتوبة بالتحليلات المسهبة التي تعكس هي الأخرى اهتماماً متزايداً بهذا الشأن، فضمن دورية “التقدير الاستراتيجي” التي يصدرها معهد البحوث الأمنية (جافي سابقاً) بشكل منتظم كل ثلاثة أشهر، قدم البروفسور ايال زيسر، رئيس مركز موشي دايان للدراسات الشرق أوسطية والافريقية ومحاضر في تاريخ الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب، ورقة بحثية حول آفاق التسوية السياسية مع سوريا باعتباره الموضوع الأكثر اهتماماً في الأوساط البحثية الإسرائيلية، وباعتبار الكاتب المذكور من أكثر الكتّاب والباحثين الإسرائيليين اهتماماً بالشأن السوري واللبناني أيضاً.
يستهل زيسر بحثه بالقول: “بأن خيار إسرائيل في شن الحرب على لبنان عام 2006، وضد حزب الله لم يكن عشوائياً وإنما كان نقطة مركزية مهمة إزاء خط دمشق ـ تل أبيب، مثلما يعتقد الكثيرون أن هذه الحرب شكلت نقطة بداية جديدة للملف السوري ـ الإسرائيلي لذلك فقد ظل خط سوريا ـ إسرائيل يشهد تأرجحاً بين اهتمامات تدفع باتجاه اندلاع الحرب واهتمامات تدفع باتجاه إحداث فرجة من الأمل في سبيل السلام، منذ نهاية حرب لبنان الثانية بين إسرائيل وحزب الله، فحرب تموز 2006 من ناحية، في نظر الكاتب، عكست إخفاقاً إسرائيلياً في مواجهة حزب الله، وشكلت في الوقت ذاته، توقعاً لجهة المخاوف الإسرائيلية من احتمال نشوء نموذج جديد للمقاومة المسلحة في الجولان إضافة الى مخاوف المواجهة مع الجيش السوري طالما أن الحرب ضد حزب الله كشفت بوضوح عوامل الضعف العسكري الإسرائيلي من الناحية الأخرى.
ثم ينقل الكاتب ويناقش هذه الاحتمالات بعد أن وضعت حرب تموز أوزارها قائلاً: “بعد انتهاء حرب تموز بيوم واحد، وضعت سوريا الإسرائيليين أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الانسحاب من كل الأراضي السورية المحتلة مقابل اتفاق سلام مع سوريا، وإما مواجهة مخاطر خوض معركة جديدة، في وقت أكدت فيه دمشق بأنها سوف لن تجلس وتنتظر من دون حراك طالما أن من حقها استخدام كل الخيارات التي تراها مناسبة لاستعادة حقوقها المشروعة.
وفي المقلب الآخر، يقول الكاتب إن تل أبيب بدأت ترى بعد حرب تموز أن هامش المناورة أمامها على صعيد الموضوع السوري أصبح يضيق شيئاً فشيئاً لأسباب أهمها: تزايد الدعم السوري لحزب الله، وتزايد الدعم السوري لحركات المقاومة الفلسطينية. لذلك: “أدركت تل أبيب بأن قيام دمشق بمواصلة دعم حزب الله وحركات المقاومة الفلسطينية هو في حد ذاته إشارة واضحة الى أن دمشق أصبحت أكثر ثقة بالنفس ولا تتخوف من مواجهة إسرائيل، بما يعني أن قوة الردع الإسرائيلية ضد سوريا قد تآكلت ولم تعد تجدي نفعاً مع دمشق”.
ويرى زيسر في الغارة التي نفذتها الطائرات الحربية الإسرائيلية في صبيحة السادس من أيلول 2007 على منطقة دير الزور السورية، بأنها تمثل: “الحدث الأبرز والأكثر أهمية خلال فترة ما بعد حرب صيف العام 2006″، وذلك على خلفية الدوافع التالية: تفادي الإسرائيليين الحديث عن الغارة خوفاً من أن تؤدي الى تصعيد المواجهة والقضاء على احتمالات السلام. وتجنب تصعيد تداعيات الغارة بما يترتب عليه رد انتقامي من سوريا.
ويخلص زيسر في نهاية بحثه الى القول: “إن المعطيات الحالية تشير الى أن سوريا كسبت من جراء إعادة تجديد الحوار مع إسرائيل ويمكن توضيح ذلك على النحو الآتي: استطاعت دمشق كسر طوق العزلة الديبلوماسية الذي كانت واشنطن تحاول فرضه عليها، واستطاعت ديبلوماسية دمشق أن تحقق المزيد من التحركات، أحبطت دمشق كل محاولات تل أبيب للحصول على التنازلات، واستطاعت عن طريق تمسكها بمبدأ الانسحاب الإسرائيلي الكامل من أراضيها أن تبهت الموقف الإسرائيلي، والأهم من ذلك مطالبة دمشق بضرورة مشاركة أميركا في المحادثات شكلت ضغطاً على علاقات واشنطن ـ تل أبيب على النحو الذي جعل تل أبيب تجد نفسها مضطرة الى الضغط على واشنطن لكي تقبل بالمشاركة في المحادثات”. ويستنتج زيسر من ذلك كله: “أن رئيس الوزراء الإسرائيلي القادم أياً كان سيجد من الصعب عليه تحقيق أي تقدم في محادثات السلام مع سوريا إذا حاول أن يتمسك بالمواقف الإسرائيلية السابقة”، ويضيف “إن تحقيق السلام مع سوريا يتطلب اختراقاً حقيقياً في المفاوضات مع دمشق”.
[ اسم الكتاب: طريق السلام الطويل مع سوريا.
[ اسم الكاتب: ايال زيسر.
[ الناشر: معهد البحوث الأمنية (جافي سابقاً) (بالعبرية).
المستقبل