أكرم البني هل لديك شمعة وزجاجة؟
كي لا ننساهم!
تحاورنا، وتبادلنا التهم، وكتبنا مئات الصفحات، عما جرى في الاجتماع الأخير لإعلان دمشق، وما تبعه من انسحابات أو تجميد عضوية، بلغة أخرى، وناقشنا الليبرالية، والديمقراطية، والعامل الخارجي، وأوهامنا حول هذا العامل، وناقشنا العامل الداخلي، وعدم وهمنا حوله! ناقشنا الأفق النظري والمعرفي للمعارضة السورية،
وما إمكانية التقاطع بينها وبين مكوناتها السياسية، لأنه لازال هنالك مسافة بين المعارضة السورية، وتياراتها السياسية، ومثقفيها اللا حزبيين. هذه المسافة حاول إعلان دمشق اختصارها، وانتخب هيئاته التي تمثل كل الطيف السياسي السوري،بما فيه حزب الاتحاد الاشتراكي، ممثلا بالسيدة الكريمة ندى الخش. حتى فضاء حزب العمل الشيوعي كان له بالطيب نصيب، فكان الدكتور عبد العزيز الخير انتخب نائبا لرئيسة المجلس الوطني لإعلان دمشق، كما انتخب أكرم البني أمينا لسر المجلس، وأبو النور- أكرم البني- لم يصبح ليبراليا بعد! لتعذرنا بيسان فقد تعودنا منذ زمن بعيد، منذ أن جاءني إلى غرفتي الصغيرة في دمشق الحزينة، 1980 بعد خروجه من السجن بأشهر قليلة، ومنذ ذلك الوقت وأنا أناديه أبو النور وأعرفه بأبو النور، وليس أبو بيسان ابنته الوحيدة، والتي قضت أعياد الميلاد ورأس السنة بدون أبيها، حيث كان في السجن، مثلما تربت بعيدة عنه منذ عام 1987 وحتى عام 2000 حيث قضت كل مناسباتها في هذه الأعوام بدون أكرم لأنه أيضا كان في السجن. لم نخرج عن الموضوع، تناقشنا بما فيه الكفاية، ودعونا للحوار مع السلطة، وبعد الحوار مع السلطة، وجهنا رسائل إلى كل المنظمات الدولية المعنية، بحقوق العرب والثقافة العربية، والتي ليس للإنسان العربي مكانا فيها، فكيف سيكون هنالك مكانا لأقليات العرب، أو غير العرب؟ نحن السوريون ابتلينا بداء أننا كلنا مثقفون عرب قبل أن نكون سوريون؟ ومن هاجموا إعلان دمشق، في غالبيتهم ينتمون إلى هذه الكوكبة الآسرة من المثقفين العرب. بعد كل هذا النقاش الذي لازال مستمرا كالمطاردة التي كتب عنها الشاعر اللبناني عباس بيضون في السفير اللبنانية مشكورا بعد اعتقال فايز سارة الصحفي والباحث، وإلباس خوري في القدس العربي أيضا لا ينسنا كأديب أولا و كيساري ثانيا. بعد كل هذا لازال الشباب في السجن ولا زالت الحملة مستمرة، ولكن ينقصها أحمد سعيد سوري، حيث لم يستطع النظام أن يفرز شخصا كأحمد سعيد، يحول هزائمه في سجن الأحرار إلى انتصارات على جبهة الممانعة، لهذا جاءت الدفاعات المباشرة أو غير المباشرة عن سلوك النظام وانحراف إعلان دمشق، بصراحة باهتة وخالية من أية روح، الآن ربما أكرم يبحث عن شمعة وزجاجة، كان أكرم في سجن صيدنايا، يضع جانب فراشه، زجاجة مغطاة بالشمع الذي يذوب كما تذوب سنوات عمرنا في سجن أرادوه لنا مدى الحياة، لولا أن الله نظر إلينا وسقط السوفييت! كلما حرقت شمعة نفسها فوق زجاجة أكرم كان يضع شمعة بدلا منها، ويضيئها قبل النوم قليلا..فكانت خيوط الشمع السائل تنساب على الزجاجة حتى تكون مشهدا خاصا، وتمثالا لسنوات عمرنا التي كانت تداس ببسطار عسكري، لا هم له في سورية إلا إيصالها إلى مصاف آخر الدول في العالم. والآن عاد أكرم إلى السجن، من أين سيأتي بالشمع في فروع المخابرات؟ لا يوجد شمع، ربما لو يخفف أكرم من خطابه العدواني ضد السلطة أو مراهنته على الخارج- أقول ربما- أحضروا له في زنزانته شمعة وزجاجة لكي يعد من جديد كم سنة سيبقى في السجن للمرة الثالثة؟ لهذا لن ننسى ونترك الأمور للمنظمات التي تبحث عن حقوق الإنسان في الثقافة العربية، أو التي تبحث في إشكاليات الفكر العربي النهضوي في سجون بلاد الشام. وهذا نفس المشروع الذي كان يطرح عندما ذهب أكرم إلى السجن في المرة الأولى عام 1979 وخرج 1980 ثم عاد عام 1987 وخرج عام 2000 ولازال المشروع العربي النهضوي يفخخ الديمقراطية بأحزمة ناسفة.
غسان المفلح
2008 الجمعة 18 يناير