هل يغيّر نتنياهو موقفه من “الجولان” ؟
سركيس نعوم
اعلن بنيامين نتنياهو الرئيس المكلف تأليف حكومة اسرائيلية جديدة اكثر من مرة خلال حملته الانتخابية وحتى قبلها انه لن يوافق على انسحاب بلاده من الجولان السوري الذي تحتله منذ حزيران 1967. ودوافع موقفه هذا كثيرة قد يكون ابرزها اقتناعه بان هذه المنطقة تشكل خط دفاع حيوياً لاسرائيل لا يمكن الاستغناء عنه وبأن سوريا وفق ميزان القوى الحالي في الشرق الاوسط لن تكون قادرة على استرجاعه بالقوة العسكرية النظامية وبأنها لن تغامر لاسترجاعه باسلوب المقاومة الشعبية الذي مارسه اللبنانيون ضد الاحتلال الاسرائيلي وفي مقدمهم “حزب الله” لانه قد يساهم في تكوين ظروف داخلية متنوعة تهدد سلامة النظام الحاكم في سوريا منذ 39 سنة وربما استمراره. هذا فضلاً عن اقتناعه ايضاً (اي نتنياهو) بأن المزاج الشعبي في اسرائيل لم يعد مع الانسحاب من الجولان خلافاً لما كان عليه قبل اعوام. وهذا امر تظهره استطلاعات رأي جدية جاء فيها ان نحو ثلثي المستطلعين يتمسكون ببقاء الجولان جزءاً من ارض اسرائيل.
هل يتمسك نتنياهو بموقفه السلبي هذا من اعادة الجولان الى اصحابه السوريين بعد تأليف حكومته وبدء ممارسته السلطة؟
يعرف بعض المتابعين الاميركيين في واشنطن ان موقف نتنياهو من تسوية سلمية للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي تقوم على حل الدولتين الذي اعلنه رسمياً الرئيس الاميركي السابق جورج بوش والذي أبدى خلفه الرئيس باراك اوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون تمسكهما به مماثل في سلبيته لموقفه من تسوية النزاع بين بلاده وسوريا. لكنهم يعرفون في الوقت نفسه انه بعد تسلمه الحكم لن يكون في مقدوره الاستمرار في السلبية حيال هذين الصراع والنزاع بسبب الضغوط الدولية وتحديدا الاميركية فضلا عن العربية والإقليمية. وفي حال كهذه فان عليه ان يختار التجاوب مع مساعي حل المشكلة الاقل جوهرية بالنسبة الى بلاده بين المشكلتين الفلسطينية والسورية. وطبيعي ان يكون الاختيار من نصيب المشكلة مع سوريا لان الاراضي المحتلة منها ليست جزءاً من ارض “اسرائيل التاريخية” كما يعترف غالبية اليهود في العالم بمن فيهم الاسرائيليون. وهذا يعني في رأي هؤلاء ان استتباب الامور في غزة (مصالحات فلسطينية – فلسطينية واتفاقات على حلول للقضايا المختلف عليها وتالياً فك الحصار عن القطاع وبدء اعادة اعماره بعد تدمير اسرائيل له قبل اشهر…) قد يدفع من جديد تركيا اردوغان بضوء اخضر اميركي وبعد استمزاج رأي القيادة في دمشق الى محاولة اعادة الحياة الى المفاوضات غير المباشرة بين سوريا واسرائيل والتي كادت ان تنتهي الى فتح الباب أمام المفاوضات المباشرة لولا الحرب على غزة. وقد لا تفشل محاولة كهذه وخصوصاً اذا استندت الى مفاوضات غير مباشرة جرت بين نتنياهو والرئيس السوري (الراحل) حافظ الاسد يوم كان الأول رئيساً للوزراء بين عامي 1996 و1999. وفي هذه المفاوضات، كما كتب مارتن انديك (سفير اميركي سابق في اسرائيل ومساعد سابق لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى) في كتاب اصدره حديثاً، توصّل نتنياهو والاسد عبر وسيط اميركي هو رونالد لودر الى اتفاق من عشر نقاط تضمنت احداها الآتي: “تنسحب اسرائيل من الارض السورية المحتلة عام 1967 الى خط يرتكز على خط الرابع من حزيران 1967”. ويعني ذلك انسحابا كاملاً من كل الاراضي السورية التي احتلت في ذلك العام. طبعاً لم تصل المفاوضات غير المباشرة آنذاك الى نتيجة ايجابية نهائية ورسمية بسبب امتناع نتنياهو عن ارسال خريطة موقعة منه تبين المنطقة المحتلة وحدود الانسحاب منها، وهو امر طلبه الاسد الأب، علماً انه قد تكون هناك اسباب اخرى ابرزها عدم جديته اساساً في موضوع السلم مع سوريا واعادة الجولان اليها. طبعاً اعتمد انديك في تأكيده هذه المعلومات على اتصالات ولقاءات مع مصادرها وربما مع شخصيات كانت طرفاً فيها. وهي اشارة الى ان مفاوضات الاسد – نتنياهو غير المباشرة جرت من وراء ظهر الرئيس الاميركي كلينتون والى ان نتنياهو اطلع عليها باراك الذي خلفه في رئاسة الحكومة والذي قام بدوره باطلاع كلينتون عليها.
هل الامور بالسهولة الظاهرة اعلاه؟
طبعاً لا، يجيب المتابعون الاميركيون انفسهم، اذ ان مساعدين لنتنياهو في تلك المرحلة نفوا قبل اسابيع ان يكون الرئيس السابق للوزراء والرئيس المكلف حالياً قبل اعادة كل الارض السورية المحتلة الى حافظ الاسد. وحاولوا ان يظهروا انه أراد معرفة حقيقة ما سمي “وديعة رابين” في المفاوضات المباشرة مع سوريا الاسد الأب من وزير الخارجية الاميركي وارن كريستوفر وانه تلقى منه كتاباً يؤكد له فيه ان حكومته ليست مقيدة بـ”محتويات” المفاوضات التي سبقتها. طبعاً اعترف هؤلاء المساعدون بان بحثاً سورياً مع لودر في خريطة وفي خط الانسحاب قد جرى ولكنهم اكدوا رفض نتنياهو وضع خريطة وشددوا على ان رده كان ان الخط يقع على مسافة اميال من بحيرة طبريا.
الا ان هذا الكلام لم يبق من دون رد. اذ تناوله مارتن انديك ومعه ريتشارد هاس الذي كان مسؤولاً عن ادارة التخطيط السياسي في الخارجية الاميركية ولاحقاً رئيس مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، بمعلومات عدة وبموقف افاد ان خطاً على مسافة اميال من بحيرة طبريا يعني خطوط فك الاشتباك القائم منذ 1974. وهذا امر لا يقبله ولا يمكن ان يقبله اي رئيس سوري.
كيف يمكن حل هذه التناقضات على الجبهة السورية – الاسرائيلية وعلى الجبهة الفلسطينية – الاسرائيلية ايضاً؟
ليس لها الا حل وحيد هو انخراط اميركا شريكاً كاملاً في المفاوضات على الجبهتين وضامناً لاستمرارها ولنتائجها لاحقاً. وهذا امر رفضته في استمرار اسرائيل واللوبي اليهودي ومؤيدوه في اميركا. لكن في الاشهر الاخيرة ومع انتخاب اوباما رئيساً للولايات المتحدة بدأت ترتفع اصوات يهودية بارزة مطالبة بهذه الشراكة، اذ من دونها لا تسوية ولا حلول.
النهار