العالم العربي والفجوة الرقمية
عمر كوش
لا شك في أن البلدان المتقدمة دخلت مرحلة بناء مجتمع المعرفة، وذلك بعد أن وظفت واستثمرت معطيات ما يسميه “ألفن توفلر” الموجة الثالثة، التي جعلت المعرفة عماد القوة والثروة. وصارت أغلب قطاعاتها تعتمد على الرقمية، وعلى الانترنت والوسائط الإعلامية المتعددة، وعلى الحركية السريعة في انتقال المعرفة والمعلومات ورؤوس الأموال في زمن حقيقي، حيث يعتبر معدل انتشار واستخدام الانترنت في مجتمع معين المؤشر الأهم على جاهزية ذلك المجتمع لتوظيف التقنية لتحقيق أهدافه وتطلعاته.
على الطرف الآخر، مازالت البلدان الضعيفة التطور، وخصوصاً البلدان العربية، تعاني أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية عديدة، ولم تتمكن من استثمار وتوظيف منجزات الثورة الرقمية، حيث يقتصر استخدام وتوظيف الانترنت والوسائط المتعددة على فئة محدودة من السكان في هذه البلدان، وبالتالي نشأت فجوة كبيرة مابين المجتمعات، بين من يملك ويوظف ويستثمر وسائل التقنية والاتصال الحديثة، وبين من لا يملك ولا يوظف أو يستثمر تلك الوسائل، وتدعى هذه الفجوة: الفجوة الرقمية.
وتكمن الفجوة الرقمية، أيضاً، بين الأفراد والأسر والأعمال والمناطق الجغرافية على تفاوت مستوياتها الاجتماعية والاقتصادية للاستفادة من تقنيات المعلوماتية والاتصال واستخدامهم للانترنت في أنشطتهم المختلفة. وهي غير مستقلة عن الفجوة الاقتصادية بين المجتمعات الغنية والفقيرة، وآخذة في التفاقم، كونها تعبّر عن درجة التفاوت في مستوى التقدم، سواء بالاستخدام أو الإنتاج، في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بين بلد وآخر أو تكتل وآخر أو مناطق وفئات البلد الواحد.
وعند النظر إلى الوضع في البلدان العربية، نجد العديد من الأزمات البنيوية، وأعراضاً عديدة للفجوة الرقمية، ولا يكفي مجرد النظر إلى مدى توافر البنية الأساسية للمعلومات وشبكة الاتصالات لتحديد الفجوة الرقمية، بل يجب النظر إلى نوعية العنصر البشري المتعلم والمؤهل للتعامل مع التكنولوجيا الحديثة، أي إلى رأس المال البشري، المرتبط بدوره بمستويات الدخل والتعليم والثقافة، والذي يؤثر في خلق التفاوت ليس فقط بين مناطق العالم وإنما داخل أفراد وفئات المجتمع الواحد، حيث نشهد تبايناً في الوصول الى استخدام الانترنت بين أصحاب الدخول المرتفعة والمنخفضة، وبين الفئات والمجموعات العمرية، وبين سكان المدن والأرياف.
ويعاني البحث العلمي في الدول العربية من شح الإنتاج، وضعف في مجالات أساسية، وشبه غياب في حقول متقدمة، مثل المعلوماتية والبيولوجيا الجزئية، ويعاني كذلك من انخفاض حجم الإنفاق عليه، وغياب الدعم المؤسساتي، وعدم توافر البيئة العلمية المواتية لتنمية العلم وتشجيعه، وانخفاض عدد المؤهلين للعمل في مجاله. ويبقى الجزء الأكبر من الإنجازات البحثية والتطويرية والإبداعية التي تتم في مؤسسات البحث والتطوير العربية غير مكتمل من حيث الوصول الى حيز الاستثمار والتوظيف.
إن السبيل إلى مواكبة التطورات العالمية لا يتحقق إلا بحل جملة الأزمات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي تعصف بالبلدان العربية، بمعنى أن الحل هو البدء بتغيير شامل للسياسات والنهج. وبالتالي لا بد من انتهاج رؤية تنهض على العمل المنظم المدروس والمتزامن على جميع المسارات التي تهدف إلى تحقيق تنمية إنسانية حقيقية، أهدافها محددة، وتشمل إعداد الموارد البشرية المؤهلة في مجال تكنولوجيا المعلومات والشبكات والاتصالات، وإعادة النظر في برامج التعليم ومناهجه في مختلف المراحل، وإدخال الكومبيوتر واللغة الانكليزية في كافة المراحل التعليمية، والعمل على محو الأمية: الكتابية والإلكترونية، وتعزيز بيئة الإبداع والخلق والابتكار وروح المبادرة، وتعزيز جهود البحث والتطوير وتحسين البيئة التشريعية وخلق الأطر القانونية التي تعزز الثقة بالاقتصاد الرقمي من خلال حماية المستهلكين، وحماية الخصوصية وحقوق الملكية الفكرية، وتوفير بيئة قانونية وضرائبية منافسة.
غير أن معوقات التغلب على الفجوة الرقمية، والوصول إلى مجتمع المعرفة، تتعلق بفشل معظم الأنظمة السياسية العربية في تحقيق التنمية الإنسانية، وبالفساد المستشري في معظم القطاعات، فضلاً عن الافتقار للموارد البشرية والمادية والخبرات التكنولوجية التي تمكنها من الانتفاع اقتصادياً من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وغياب الإطار التشريعي الذي ينظم المعاملات الالكترونية في ظل انفتاح الأسواق وانتشار الانترنت والحفاظ على حقوق الملكية الفكرية.
المستقبل