على هامش المؤتمر العاشر للشيوعي: إلى الوراء سر!
شوكت اشتي
يحق للحزب الشيوعي اللبناني ان يعتبر انعقاد مؤتمره العاشر انجازا حزبيا وسياسيا بامتياز، وتعبيرا عن «وحدة الحزب» وتماسكه، وبالتالي انتصار الحزب على «نفسه» وقوى الاعتراض والمعارضة في صفوفه. فالمؤتمر اعاد التذكير بأن الحزب باق ومستمر وقوي… على عكس ما تم تصويره في السنوات السابقة.
ان متابعة المؤتمر قد تُعزز هذا الانطباع. فقد شارك حوالى 28 حزبا خارجيا في اعماله (النداء الجمعة 13 آذار 2009) الى جانب العديد من الاحزاب والتجمعات والشخصيات السياسية اللبنانية، ووجه للمؤتمر العديد من رسائل التحية، وأقام الحزب على هامش المؤتمر ندوة بتاريخ 25 آذار 2009 في قصر الأونيسكو بعنوان: «الأزمة الاقتصادية العالمية مصدر لتنامي العدوانية الامبريالية والتوتر في الشرق الأوسط والعالم» بمشاركة ممثلي الاحزاب الشيوعية من اكثر من 32 دولة عربية وأوروبية وافريقية واميركية، الى جانب مشاركين من لبنان وفلسطين. وتحدث في جلسة الافتتاح عدد من ممثلي هذه الأحزاب (الفرنسي، الصيني، السوري، الكوبي، الروسي، الأردني، الاسباني) الى جانب الأمين العام واللقاء التشاوري.
أما على صعيد البنية العامة للمؤتمر فقد حضره 291 مندوبا منهم 64 اعضاء اصليون ليس لهم حق التصويت ومنهم حوالى 40% من العمال والمستخدمين… وقد توج المؤتمر بانتخاب هيئاته القيادية (اللجنة المركزية، الهيئة الدستورية، اللجنة المالية). وقد زاد من نصاعة الصورة، كما يحاول الحزب ان يؤكد ان المؤتمر عُقد خارج أي توتر علني يبين ارتباكا ما او تصدعا ما في بنيته وهيكليته وترابطه وقوته وتلاحمه…
ضمن هذا الفضاء يحق للحزب الشيوعي اللبناني ان يُفاخر بما انجزه، ونضيف إلى ما يمكن ان يُعمق هذا الانجاز انه الحزب الأكثر شفافية في لبنان، ومن أكثر الأحزاب «ديموقراطية»، اذا جاز التعبير، ويكاد ان يكون الحزب الوحيد الذي يناقش علنية ويمكن النقاش معه والاختلاف معه ونقده دون ارتدادات سلبية…
غير انه رغم اهمية كل هذه المعطيات، وغيرها الكثير، يمكن ان نشير الى بعض النقاط، التي قد تكون مدخلا أوليا جدا لنقاش يطول، انطلاقا من المؤتمر ومجرياته، ولعل ابرز هذه النقاط تتمثل في القطع مع المعارضة، وهامشية الرأي الآخر، وحضور الشباب في الحزب.
القطع مع المعارضة
النقطة الأولى تتمثل في القطع مع المعارضة: لقد حسم الحزب الشيوعي في عقده المؤتمر العاشر أية امكانية للتواصل والتلاقي والحوار… مع المعترضين والمعارضين في صفوفه. فمجرد انعقاد المؤتمر، وخلال التحضير له سد الحزب، عامدا متعمدا، القنوات الممكنة مع العديد من الشيوعيين المختلفين، كأفراد وجماعات بمواقفهم وآرائهم، مع نهم القيادة السياسي. واذا استثنينا «حركة اليسار الديموقراطي» التي اعلنت خروجها من الحزب وشكلت اطارها الخاص بها، فإن العديد من الشيوعيين ما زالوا داخل صفوف الحزب ومصرين على «انتسابهم» وهو يفهم الحزبية، غير انهم على مواقف متعارضة مع السائد حزبيا.
كانت القيادة قد اتخذت في مرحلة سابقة قرارات بفصل عدد من الرموز الحزبية «دون الدخول في مبرر هذه الاجراءات ومدى ضرورتها» واتهمت بعضهم بنعوت لا تليق بتاريخ الحزب ولا بنضالية من تم فصلهم. غير ان عملية الاعتراض داخل الأطر التنظيمية تخطت من تم فصلهم وطالت شرائح واسعة ومناطق متعددة. ويبدو ان الحزب تعامل مع هذه الشرائح والمناطق على انها مواقع خاصة بالمعترضين والمعارضين واقفل الحوار والتواصل معها، فغابت عن المؤتمر العاشر. وقد كانت مرحلة التحضير للمؤتمر مناسبة لاعادة لملمة الحزب وتجميع «أجزائه»… على قاعدة الحد الأدنى. غير ان المؤتمر جاء وكأنه تتويج لانتصار فريق على آخر. رغم معرفة الحزب بأن هذا «الآخر» ليس بقليل أبداً.
من هنا يمكن القول انه اذا نجح الحزب في ان لا يولد المؤتمر الأخير انقساما، فإن مجرد الانعقاد كرس انقساما خطيرا لم يظهر حتى الآن للعلن، ولم ترصده الاقلام وعدسات التلفزة. لذلك فالخشية ان تعمد قوى الاعتراض داخل صفوف الحزب الى الاسلوب ذاته، الامر الذي سيضعف الحزب والمعترضين في الوقت نفسه. وبالتأكيد سيزيد هذا الوضع الانقسامي شرذمة «اليسار» المأزوم اصلا. قد يكون الحزب بعد مؤتمره العاشر اكثر عرضة للاهتزاز الداخلي رغم رفضه الاقرار بالمعطيات غير الخفية على المراقب والمتابع.
التطابق
النقطة الثانية تتمثل في غياب الرأي الآخر وتهميشه: اذا كانت حركة الاعتراض في صفوف الحزب قد بقيت خارج المؤتمر بحجج متعددة منها مثلا انها «متأمركة» ومنخرطة في المشروع «الشيطاني» فالسؤال هنا أين نجد الرأي الآخر في المؤتمر نفسه؟ وأين هي حالة الاعتراض داخله؟ وهل كل المؤتمرين على الرأي الواحد، والموقف الواحد…؟
ان متابعة اعمال المؤتمر تؤشر الى ان الرأي الآخر مهمش، اذ لم نقل معدوم. لقد قدم الحزب نفسه خلال مؤتمره على أنه كل متماسك. وقد لخص البعض قبيل المؤتمر هذا الوضع، وبعده، بالقول «… ان الحزب تجاوز تلك الخلافات الفكرية ـ السياسية لصالح توجه اثبتت التطورات صحته ولا تشكل بعض التباينات الفكرية والسياسية غير الجوهرية، في ما يتعلق بالمراحل الانتقالية نحو الاشتراكية ودور الطبقة العاملة… في سياق هذا الانتقال مشكلة جدية…» ـ النداء (الجمعة 27 شباط 2009).
خطورة هذا المنحى قد تكمن في اعادة الحزب الى «الماضي» اولا وإلى تهميش كل ما جاءت به المؤتمرات التي اعقبت سقوط الاتحاد السوفياتي ثانيا، وفي الحالتين فإن الأخطر يكاد ينحصر في تداعي مقولة التجديد، فكرة وممارسة، وتقيد هذه العملية التغييرية المطلوبة، الامر الذي يحول الحزب مجددا الى الحزب «الثكنة» و«القلعة» والقابض على الحقيقية…
لذلك يلاحظ المتابع، على سبيل المثال لا الحصر، ان المندوبين في المؤتمر كانوا وكأنهم من «لون» واحد، كما كان الوضع قبل سقوط الاتحاد السوفياتي، بالرغم من غلبة حضور الشباب. والمندوب الحزبي الى المؤتمر لم يُفرق بين رأيه ورأي القاعدة التي انتدبته، ولن يبين، من حيث المبدأ، رأيا «مغايراً» لما هو مقرر، ولم ينقل أي اعتراض يبين عن حراك فكري وسياسي.
لقد عاد الحزب ووقع في الشرك الذي حاول الخروج عنه ومنه، بمعنى آخر خسر في غياب الرأي الآخر المعلن والواضح احدى أبرز سماته التي حاول بلوغها بعد مؤتمره السادس، وبالتالي عاد الى «المعسكر» الذي يضم الاحزاب السياسية كافة في لبنان. لقد توهم بعض الحزبيين ان ازمة حزبهم تكمن في فسحة الحرية والممارسة الديموقراطية التي عمت صفوفه وطالت حياته الداخلية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والمنظمة الاشتراكية. من هنا لم يرتق الحزب الى معنى ما طرحه المؤتمر السادس، وهذا بحد ذاته قد يوصل الى القول بأن «التجديد» مقيد بشكل او بآخر في صفوف الحزب ومسيرته.
حضور الشباب
ـ النقطة الاخيرة تتمثل في حضور الشباب: لقد مثل الشباب في المؤتمر العاشر نسبة كبيرة، مبدئيا، فقد بلغ متوسط عمر المندوبين ما بين (19ـ30) سنة ما نسبته 20%. واذا اخذنا متوسط عمر ما هم دون الخمسين سنة (19ـ40) فقد تصل النسبة الى حوالى 40% من اعضاء المؤتمر، الامر الذي يدفع الى القول ان الحزب الشيوعي اللبناني حزب شاب بكل معنى الكلمة «النسب مأخوذة من مجلة النداء 13 آذار 2009» وهذا ما اعتبره الامين العام «ضمانة الاستمرار».
غير ان هذا الانجاز المهم جدا والمميز بامتياز يحتاج الى وقفة موضوعية حتى لا ننساق الى المواقف اللحظوية. بمعنى آخر ان حضور الشباب في الحزب لم يكن على اساس برنامج سياسي او مطلبي او على خلفية فكرية متجددة او على قاعدة طرح معالم محددة للتجديد… فالجديد في حضور الشباب ومشاركتهم اقتصر على العمر الزمني اولا واخيرا، وليس على الفكرة او البرنامج او المواقف… الامر الذي يمكن القول معه ان الشباب هنا وفي هذه الوضعية لم يتمايزوا عن غيرهم الا عمريا فقط ولم يختلف عن السائد وطروحاته الا «شكلياً». فهل العمر معيار؟
لقد شهد الحزب الشيوعي حضوراً شبابياً باستمرار. ففي المؤتمر الثاني على سبيل المثال (1968) كان التجديد معتمداً على الشباب، مبدئيا، وقد ترأس هذا التجديد الشهيد جورج حاوي. غير ان حضور الشباب في المؤتمر الثالث حمل برنامجا في مواجهة ما كان يسمى «الحرس القديم» وطرح بدائل وأخذ مساراً تغييراً في الفكر والممارسة.
كما ان المؤتمر السادس لحظ حضورا مميزا للشباب، وقد قاد التجديد في المؤتمر السادس اضافة للشباب اعضاء «كلل الشيب مفرقهم» وبعضهم من المخضرمين ومن ذوي «الاعمار» المتقدمة، كما ان العديد من الشيوعيين المعارضين اليوم هم من الذين تقدموا في العمر… الامر الذي يعني ان العمر الشاب مسألة مهمة لكنها قد تكون منقوصة في غياب الضرورات الاخرى.
ان حضور الشباب اليوم في المؤتمر العاشر (الضروري والمهم والمميز) لم يرافقه أي تحول او طرح بديل، الامر الذي يجعل الحزب امام تحديات جديدة اذا لم نقل خطيرة. فكيف يمكن حماية هذا الحضور؟ وكيف يمكن للشباب في الحزب ان يفعلوا آليات التجديد؟ وما هي «تصوراتهم»، اذا جاز التعبير، لعناوين هذا التجديد؟.
ان هذه النقاط المحددة لا تلغي مجالات اخرى للنقاش خاصة في آليات التمثيل داخل المؤتمر، وفكرة اللجنة المركزية، ومشروع الوثيقة السياسية البرنامجية، ومشروع التقرير التقييمي عن عمل قيادة الحزب، ومشروع التقرير حول العمل الجماهيري، وفكرة التمايز عن قوى 14 و8 آذار ومسألة الانتخابات النيابية… وغيرها من المسائل، غير ان الاشارة الى هذه النقاط تحاول ان تعيد النقاش بفكرة التجديد والنجاح… فالحزب الذي نجح في الشكل قد يكون اكثر من أي وقت مضى معرضا للاهتزاز في العمق، وهذه خسارة وطنية بامتياز.
([) استاذ جامعي
السفير