في المنطقة ذئاب فتية… أين الحملان؟
بلال خبيز
ما الذي تحتفل به طهران هذه الأيام؟ البشر على الوجوه، لقد حققت طهران تحت قيادة أحمدي نجاد جل مبتغاها. المرشد الأعلى للثورة يضع على أوباما شروطاً وينتظر تغيرات أميركية لتبادلها إيران بتغيرات مماثلة، إذا امتنع الذئب عن أكل الحمل يكون الحمل قد فاز، لكنه قطعاً لا يصبح ذئباً لمجرد امتناع الذئب عن أكله. طهران تقول فليرعُ الذئب غنم هذه المنطقة كلها، أسودها وأبيضها وأسودها على الأخص. النتيجة تنتظر طهران أن تغير الولايات المتحدة سياساتها حيال إسرائيل. أن تتوقف عن الدعم غير المشروط لإسرائيل… مفهوم، إنما هل تسطيع طهران أن تخبرنا من يجب أن تدعم أميركا بديلاً لإسرائيل؟ سلطة خالد مشعل الموزعة بين دمشق وغزة؟ أم سلطة محمود عباس؟ من جعل الخيار الأميركي في الموضوع الفلسطيني قابلاً لأخذ ورد كثيرين؟
لدى طهران إجابة واحدة جاهزة: لقد مات الفلسطينيون من دون شكوى من أجل تاج خالد مشعل، اتفقوا معه. ما الذي يريده وما الذي لا يريده؟ إيقاف المفاوضات مع محمود عباس، تنحية مصر عن الملف الفلسطيني، والحصول على مساعدات سخية من دول العالم تذهب إلى صندوق «حماس» حصراً وهي تشرف على توزيعها. وإلا تقطع الطريق. مصادرة قوافل المساعدات إلى غزة وتحويلها إلى مخازن «حماس» كانت عينة مما يمكن أن يحصل، وصبر قيادة «حماس» ليس جميلاً كما تعرفون.
الوزير وليد المعلم يريد مساعدة الأميركيين على الانسحاب من العراق… أيضاً سورية تحتفل بتحولها ذئباً، القمر بدر، والوقت مناسب، فلنفرض شروطنا على الأميركيين، من نافل القول إن المغامرة الأميركية في المنطقة شهدت إخفاقات كثيرة، ومن نافل القول أيضاً أن الأزمة الاقتصادية العالمية تجعل هامش المناورة الأميركية أضيق.
الإسرائيليون باتوا يسمون إيران مارداً. إكثر من 1000 صاروخ شهاب وهي مستعدة لاستعمالها. السؤال: ضد من؟ أي أرض ستحرق الصواريخ الإيرانية فيما لو ركب أوباما رأسه؟ أرض إسرائيل؟ أسباب الشك في هذا كثيرة… إسرائيل أيضاً تملك صواريخها، وإسرائيل لم تكن مرة حملاً. لطالما كانت ذئباً خطيراً.
مع ذلك يحتفلون في طهران باستذئابهم، فإيران أصبحت قوة إقليمة تعترف بها أميركا نفسها، وإسرائيل أيضاً مستعدة لمثل هذا الاعتراف، لقد ولدت ذئاب جديدة في غابة الشرق الأوسط، إنما أين الحملان؟
في فلسطين يحتفلون بالقدس عاصمة للثقافة العربية… «حماس» قليلة الحماسة لمثل هذه الاحتفالات، وإسرائيل تمنع وتعتقل وتنكل بالمحتفلين. بيت لحم تحتفل نيابة عن القدس، ورام الله تعلن برنامج الاحتفالية… «حماس» ليست معنية، عاصمة للثقافة العربية: هل ثمة ثقافة عربية مازالت تنبض بعد كل هذا الموت؟ ثم إن النشاطات الثقافية هي من أعمال الحملان. من يصر أن يكون حملاً في هذه الغابة؟ وحدهم الفلسطينيون واللبنانيون يألفون مثل هذه الصفة. إنما لن يطول الوقت حتى يعلمهم شيوخ المقاومة وأسيادها كيف يعيشون عيشة الذئاب ويسلكون مسالكها.
في الانتظار، تحتفل إيران وسورية وأذرعتهما في المنطقة بالانتصارات… يقولون إن إسرائيل محرجة، وهي تعرف أن الإدارة الأميركية لن تصفق لحماقاتها من دون حساب. إسرائيل تراجع خياراتها كافة. اليوم ثمة حديث عن استحالة الدولتين، وحدها ليفني مازالت تؤمن بالدولتين في إسرائيل، لكن الجميع وضعوا الخيار على الرف.
إذن ما المقترح: بقاء الوضع على ما هو عليه، في انتظار أن يهزم عباس مشعل أو يهزم مشعل عباس… بقاء غزة أقل من دولة وشعبها أقل من شعب، وكذلك الضفة، وتجميد الوضع اللبناني على ما هو عليه، دولة فوق الدولة وشعب فوق الشعب. أشرف الناس والعاديين منهم تحت سماء واحدة في بلد واحد، وعلى اللبنانيين أن يتعلموا معايشة هذا الواقع.
كان اليهود يقولون إنهم شعب الله المختار، اليوم ثمة أصوات عالية الوقع في إسرائيل تقول إن اليهود هم أبناء النور ويحاربون أبناء الظلمة. الفلسطينيون واللبنانيون أبناء ظلمة وحلكة… هكذا يقول الإسرائيليون وهكذا يقول المنتصرون في الصراع مع أميركا.
كان الراحل محمود درويش يقول: لو انتصرنا سأغطس قدمي في البحر وأجلس على قمة جبل. الانتصار، سبب من أسباب الراحة، سبب من أسباب العيش المطمئن والهادئ. الانتصار: أي انتصار تعدنا به إيران؟ من الذي انتصر ومن الذي انهزم؟ سننتظر، يقول القادة الإيرانيون: أميركا ستغير سياساتها حيال إسرائيل… لم تعد أميركا شيطاناً، أو ربما أصبحت إيران وسورية من الجنس الأميركي نفسه.
* كاتب لبناني