المعارضة السورية والديمقراطية بين توافق المطلب وتناقض المطالبين
د.نصر حسن
بات المشهد السوري متموضع في حالة ( ستاتيك) أسير قوتين نمطيتين شبه مستقرتين سلباً , تتناوبان على تحنيط هذا المشهد بحالة العجز والخوف والمجهول والدوران فيها وحولها , القوة الأولى متماسكة وتملك كماً كبيراً من موازين القوى المادية ,وتلعب مع أكثر من لاعب وتساوم على أكثر من مسار ,وتظهر بأكثر من وجه , وتتكلم بأكثرمن لسان ,
لضمان وجودها واستمرارها يمثلها النظام السوري , وهذا الشق أصبح واضحاً تماماً بلاءاته المتعددة , لا يريد الإصلاح ولا يحاول الصلاح ولا يقبل الانفتاح على الشعب ,ولا حتى احترام الحد الأدنى من حقوق المواطنة , ويستمر بآلته القمعية المتمادية دون حياء ودون حساب لأحد , يعبر عن بعضه في الاعتقالات الجماعية لأعضاء إعلان دمشق بعد اجتماعهم الأخير.
والثانية ( موضوعنا ) وهي المعارضة السورية الأساسية في عملية التغيير الديمقراطي , وواقع حالها يقول أنها مفككة هلامية لا تملك من موازين القوى المادية الضرورية في عملية التغيير شيئاً يذكر , وعائمة في الفراغ النظري الإنشائي ,ويحكى ويكتب ويقال حولها الكثير وحول شعارها العام ” الديمقراطية ” المتفق عليه على انفراد وقطيعة بين بعض أطرافها,
الديمقراطية التي يفهما كل طرف حسب ما يشتهي له ويطيب , وبشكل هجين مبتسر قزَمت وأضاعت المفهوم في تناقضاتها, و تلاطم عناوين الصراع بين أجنحة المعارضة المختلفة, صراع في شكله العام يحاول البعض عن قصد أن يصفه وطني سياسي ! وفي عمقه فردي فئوي أهلي , يكشف عنه بعض الدعوات التي تعمم الخوف وتخندق القطيعة والتباعد والاستقطاب السلبي , وتعمل على حرف مسار المعارضة من مطلب التغيير إلى سجال التنظير , وكله خارج الطريق الصحيح وخارج الهدف العام .
سجال حول الماضي وفيه , ووهم الخوف والأمان ومواربة تبادل الاعتراف , وحسبها من التغيير الديمقراطي بأنه مظاهرة تصالح عابرة بين متعارضين ,متعارضين أيديهم خاوية من كل وسائل التغيير الفعلية إلى الآن ,هنا لابد من التوضيح وتناولها بشكل عملي واقعي يكشف موجودات أطراف المعارضة السورية وإمكاناتها على الساحة الداخلية والخارجية وموقفها الفعلي من مطلب التغيير الوطني الديمقراطي, باختصار : من هي وماذا تريد؟!.
وبشكل سريع ومنعاً من دخول دوائر الردح والانسياق وراء السجال والتكرار الذي أصبح اجتراراً مقززاً يوحي بحالة خواء خطيرة لدى البعض , يزيدها تهافتاً دخول النظام بهذا الشكل أو ذاك على جداول المعارضة , حثاً يفرضه ضعفها , أو خوفاً يحدده ولاءها ,أو تناغماً تحدده مصالحها وغاياتها, أو ارتباطاً يحدده تكوينها وانتماءها , وواقع الحال هذا الذي لامس الحضيض ويعيشه الشعب السوري وحيداً , ذلك يفرض مقاربة الموضوع بشكل عملي يحدد معنى المتفق عليه والمختلف عليه لدى أطرافها, من التغيير الديمقراطي الذي تتقاذفه وتحرص كل أطرافها على كونه البند الأول في برامجها , إلى ما يكتب هنا وهناك ويستبطن سحب بعض الأطراف على بساط الديمقراطية الفضفاض إلى القبول بتبادل المصالح وصكوك الغفران, في لحظة إعياء وطني وعقلي عام, على أن المنظور في عملها هو أنها لم تستطع كلها إلى الآن من تحديده ( التغيير الديمقراطي )عملياً بإطار إجرائي وسياسي مؤسسي واضح ومفهوم.
وعليه تفرض الأسئلة نفسها : أولها من هي أطراف المعارضة السورية الفاعلة على الساحة ؟ وثانيها مادامت كلها تصيح بحاجة الديمقراطية , لماذا هي مبعثرة بين حروفها ومختلفة حولها ؟ وثالثها لماذا تتراشق التهم والخوف على حبال الإعلام وتتجنب الحوار المباشر الفعلي فيما بينها ؟ ورابعها من الذي يقف حائلاً أمام حوارها ووحدتها ؟ و خامسها لماذا اتفقت على الديمقراطية والتغيير ,ولم تستطع ترجمة ذلك بمؤتمر وطني عام يسمي الأطراف بأسمائها ويعرف كل طرف دوره وفعله وواجبة وإمكانيته في عملية التغيير الوطني الديمقراطي؟!. كثيرة وأساسية هي الأسئلة التي لازالت معلقة على ضعفها ودورانها في الفراغ بدون أجوبة , وبالتالي لازالت عملية التغيير في طورها النظري الحالم ,وواقع حالها يقول أنها في واد والشعب السوري بسجنه في واد آخر ,هنا لابد من الصراحة والموضوعية ووضع النقاط على الحروف ,وفحص الصورة بحيادية إيجابية قدر المستطاع, لنرى هل هناك إيمان حقيقي بالديمقراطية فكراً وممارسةً ؟!قادراً على إنتاج برنامج وطني للتغيير الديمقراطي , أم أن الكل يغطي ويضمر ما جعلته المواقف والأفعال المعلنة والرغبات المستترة سافراً ؟! ولعباً على وتر الوقت الذي أصبح هو الآخر برنامج المنتظرين , وفي ذلك مساهمة في دفع سورية إلى حافة الانهيار…..يتبع
بنظرة واقعية لحال المعارضة السورية وبعيداً عن التنظير المجرد , وبدون إسقاطات خارجية عليها لرؤيتها كما هي بهدف مقاربتها موضوعياً وعقلانياً , يقول واقعها الحالي أنها منقسمة على غير هدى, بين داخل ملاحق ومقموع وخارج موزع بين تابع ومتبوع , وبهياكل تقليدية يمثلها التيار القومي والإخوان المسلمون واليسار الماركسي , بمجموعها وعلى انفراد أيضاً ,أعادت قراءة ماضيها مجبرة لا مختارة بضغط ظروف خارجية في معظمها وليس بدوافع حاجات داخلية يعيشها الشعب السوري بظل نظام مستبد ليس له مثيل , إذا ًهي تحاول أن تتجاوز معضلاته ( الماضي ) وإخفاقاته الوطنية الفكرية والتنظيمية والسياسية , وتعمل على ترتيب أفكارها ومواقفها بشيء بسيط وبطيء من التجديد , يضاف لها بنى تنظيمية حديثة تائهة الولاء في خضم استبداد النظام وضغوط الظروف الإقليمية المتغيرة بشكل كبير ,وفوضى الفضاء الفكري والسياسي والتنظيمي المتراكم الذي أنتجه الوضع الداخلي السوري على خلفية فشل النظام من القيام بأدنى درجات الانفتاح على الشعب وحلحلة الوضع السياسي والمعاشي بما يسمح لها من النمو الطبيعي , وزاد الأمور تعقيداً ما أفرزه الوضع في العراق من معطيات جديدة ومن عوامل تمزق وتسيب وخوف وضغوط خارجية على سورية ,بمحصلته شوش وأضعف قدرتها ( المعارضة ) على التأثير في مسار الأحداث السياسي الداخلي , وفي صراعها غير المتكافئ مع نظام كشَر عن أنيابه ويستمر بافتراسها بالتسلسل أمام صمت عربي ودولي غير نزيه.
وواقع الحال هذا أفرز إلى الآن تجمعين رئيسيين , الأول في الداخل يمثله إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي وهو شريحة عريضة من الطيف السياسي للمعارضة السورية يحاول التجانس في الموقف من التغيير ويتقدم بهذا الاتجاه , والثاني في الخارج ويمثله جبهة الخلاص الوطني وهي أيضاً تمثل تقريباً نفس التركيبة البنيوية لطيف المعارضة السورية آنف الذكر وتعمل ضمن ممكناتها ,وما بينهما هناك تجمعات وأحزاب تعمل بشكل فردي بهذا المستوى أو ذاك وتحت هذه اليافطة أو تلك ,وبعض منظمات حقوق الإنسان ولجان إحياء المجتمع المدني وكلها تتحرك في المساحة التي يحددها لها النظام سياسياً وحقوقياً وأمنياً في الداخل .
معارضة يتيمة بهذا التوصيف التنظيمي والسياسي غير المستقر والذي يغلب عليه طابع التباعد والقطيعة وضعف الإمكانات المادية والقيادية …تحاول أن تفعل شيئاً ما على طريق التغيير الوطني الديمقراطي ,لإنقاذ سورية من مستقبل مخيف بكل معنى الكلمة يطبق عليها رويداً رويداً , وعليه هي الآن بكل أطرافها تحاول الإقلاع لكن بحركية بطيئة مرحلية ,وشعارات عائمة على أطراف خطاب فكري وسياسي قديم في محتواه , جديد في غلافه وشكله ,ترفعه منهكة وهي تراوح على مفترق طرق وطني فكري تنظيمي سياسي , بعضه متعلق بالنظام وأدائه على المستوى الداخلي والخارجي وهذا معروف حتى التخمة , وبعضه الأهم ( هذا يجب معرفته) مرتبط بقدرة المعارضة وخطوتها القادمة على مفترق الطرق هذا, وبعض ملامح المستقبل السوري يترتب على هذين الفاعلين وقدرتهما على اختراق الظروف الداخلية والخارجية, والبعض الآخر مرتبط بمصالح دولية استراتيجية لها تأثيراتها على موضوع التغيير وشكله في سورية وهذا ليس جديداً.
أي لابد للمعارضة من حسم القرار بسرعة وعقلانية ومسؤولية , حسم القرار بتحديد الهدف والاتجاه والآلية وبدء الحركة , هنا تكمن كل معضلاتها أي في قدرتها على الحركة الموحدة المفيدة المنتجة نحو التغيير , هل ستتحرك أطرافها على انفراد متعاكسة متعارضة كالمعتاد , أو متوازية لا تتقاطع على هدف مشترك أعلنته ( التغيير الديمقراطي) كما هي عليه الآن ؟ أم ترتقي إلى مواجهة وعورة الطريق وصعوبتة , وتطوير موازين القوى المادية لصالحها منطلقةً من واقع الشعب ومحدداته الداخلية التي ترسم حالة مهينة وصل لها في ظل القمع والفساد والتهميش والتخويف وتوتير الوضع الأهلي إلى أعلى مستوياته في تاريخ سورية , وهذا بدوره يفرض أن تعترف بثقل الحمل على الأطراف منفردة, وتقر بضرورة التكامل والوحدة على هدف تعلن كل أطرافها أنه يمثل هدفها في نهاية المطاف( الدولة الديمقراطية ) ؟ فهل سيجمعها الهدف المشترك وخطورة ما يعيشه الشعب ويدفعها إلى تجاوز حالتها الراهنة بخطوة عملية وطنية جريئة مطلوبة وضرورية ؟! أم تستمر أطرافها تعزف أهدافها على انفراد , وتبتعد أكثر عن وحدتها التي فرقها النظام ومعه وهم الشعار والسجال والضعف والحيرة والانتظار ..!
إلى أي حد ستفرض لعبة الجدال الدائر على ساحة المعارضة أفقاً ما لممكنات الوحدة والانطلاق نحو التغيير الديمقراطي ؟ ففي ثنائية حالة الشعب وظروفها حيث لم يبق هناك وقت لإضاعته في تنافس سلبي وتناقض لفظي يزيد مأساة الشعب السوري سوءاً ويطيل النظام عمراً, هنا تفرض المسؤولية الوطنية وقفة تأمل لواقع الحال وما راكمته القطيعة والفردية من رصيد يخدم أو يعيق عملية التغيير الديمقراطي ,وهل ما أنتجته عبر السنوات الماضية من حصيلة سياسية يواكب مطلب الخلاص مما يتعرض له الشعب السوري من انحدار في كافة مستويات حياته التي تجاوزت السياسي والحقوقي إلى المعاشي والإنساني الذي لم يعرفه الشعب السوري في تاريخه ؟, ثم ماذا حصد المجموع من أجواء الجدال والقطيعة تلك ؟ لا ندعو إلى التبسيط والتسطيح ولا التجريح ولا التماثل بل إلى الاحترام والتفاعل والتكامل , ولا إلى رصف المتناقضات بل فهمها وتحييدها والعمل على مساحة المشتركات وضمن القواسم والممكنات وتطويرها , ومغادرة الذات ووهم القيادة والأحقية والبرامج الورقية وحماية الفساد ,بل إلى استحقاقات المستقبل بالنقد والتصويب والتفاعل للسير في الطريق الذي يؤدي إلى التغيير , وهذا يتطلب قدر كبير من الجرأة والصراحة والواقعية في الكشف عن المعوقات والتركيز على الممكنات وتطويرها ,وبدء مرحلة جديدة أساسها بناء علاقات وطنية سليمة مع واقع الشعب الحالي ,ومحاولة تحريكه من حالة المفعول, وإعادته إلى موقع الفاعل في الأحداث .
هنا نأتي إلى لب المشكلة , وهي مرجعية الخطاب السياسي لأطراف المعارضة السورية , والفضاء الاجتماعي والأهلي الذي يتحرك فيه هذا الخطاب , فالمسلم فيه واقعياً أن محددات هذا الخطاب هي قومية إسلامية مدنية ديمقراطية محمولة على خصم معقد هو الاستبداد ومطلب التغيير ,والتجديد وتوسيع قاعدته الوطنية والسياسية ليتجاوز ما أفرزه النظام الفردي من تصدع في وحدة المجتمع الداخلية ووهن روابطه الوطنية , هذا الخطاب بعضه عن قصد وبعضه عن جهل , يعمل على توسيع وتسريع تغذية عملية التفكك الاجتماعي والأهلي التي عمل عليها النظام ولازال , باعتماد عناوين ليست من واقع الشعب السوري اليوم, ولا تعبر عن تناقضاته ولا طموحاته , بقدر ما هي مواقف ذهنية مترسبة في وعي البعض تدغدغها الظروف الشاذة داخلياً وخارجياً , الشعب السوري يتطلع إلى رغيف الخبز والحرية والمساواة والكرامة الإنسانية , لا إلى الخوض في التاريخ قبل مئات السنين لنبقى أسرى مطاردة أشباح الماضي والتفنن في اختراع مواسم الحداد عليه , وعليه مطلوب من كافة الأطراف التوقف عن الانسياق وراء الغرائز والأوهام التي تغذي القطيعة والخوف والبعد عن الآخر الوطني , وتوسيع دائرة التفاعل والتماسك الوطني والأهلي , وبالكف عن هذا النهج التفكيكي والمبادرة إلى ضخ آليات جديدة تعمق الوحدة والتماسك الاجتماعي وتنمي وعي الحياة المشتركة , وتعشيق عتلات الحركة على محور وطني واحد , وهو التغيير الديمقراطي والخلاص من الاستبداد وبناء الدولة المدنية .
ومطابقة ً لواقع المعارضة السورية بكل أطرافها مع واقع الشعب ومحنته , تبرز الهواجس هنا وهناك على مستوى توجس البعض عن شكل سورية المستقبل بعد التغيير وتهافت الحد المعياري للحقوق , من يحافظ على السلطة ومن يحافظ على أملاكه ومن يخسر ومن يربح , ومن يفوز في لعبة الضمانات الواهية ! ورغم أن هذا التفكير وهذا المنحى من مقاربة المسألة الوطنية هو في عمقه عصبي فردي , وبصراحه في بعضه طائفي , بمعنى العصبية وإدامة الخصومة مع الآخر الوطني والدوران في نفس منطق النظام وقواعده الفردية التبريرية وخطابه المتهالك ,واستمرار اعتماد خطاب يثير الغرائز والعواطف والانفعالات أكثر مما يثير رغبة التعيش والتفكير العقلاني لفتح آفاق حوار وطني جديد مخلص وبناء يحتاجه الشعب السوري في هذا اللحظات العصيبة من تاريخه, هنا بالتحديد تظهر بواطن الأمور بما يستدعي الوضوح والانتباه والتركيز على أن المستقبل هو للجميع على أرضية التفاعل الواضح بين كل الأطراف ,وربط المستقبل الذاتي بمستقل الشعب كله , الخسارة هي خسارة الكل , والربح هو للجميع , وعهد الربح الفئوي على أنقاض معاناة الشعب كله , يجب أن يكون من الماضي على مستوى التفكير والخطاب والبرامج لكافة أطراف المعارضة الصادقة فعلاً بالقطيعة مع إفرازات الاستبداد الكريهة.
فهل هناك جديد منتظر؟!, وما هو هذا الجديد الممكن أن يقدمه إعلان دمشق وجبهة الخلاص الوطني ومعهم بقية الأطراف منفردين ومجتمعين الآن ؟! على مستوى إعادة هيكلية المعارضة السورية وتطوير بنيتها التنظيمية وبالتالي أدائها السياسي والحقوقي والميداني أولاً يساعدها على التحرر من الرهانات غير المفيدة وفتح علاقات جديدة مع واقع الشعب السوري على طريق إعادته إلى المشاركة في الحياة العامة ,من حيث هو الرهان الوحيد القادر على تغيير موازين القوى المادية داخلياً ثانياً وعلى مستوى رفع ووضوح هدفها وتفعيل حوارها مع الخارج عربياً ودولياً ثالثاً وأخيراً…
هنا يأتي دور جبهة الخلاص الوطني وإعلان دمشق وكافة الأطراف الوطنية في تحمل مسؤوليتها الوطنية ,وترجمة برامجها إلى مشروع وطني ميداني عام حامله الأساسي هو الشعب السوري , في أبعاد المرحلة الحالية التي يعيشها بظل نظام مستبد فاسد لم يعد يعني له الشعب سوى مادة لممارسة سلوكه المشين , نظام أصبح لعبة رخيصة في يد القوى الإقليمية والدولية….هذا يفرض تجاوز القطيعة والقال والقيل والاشتراك في تحمل المسؤولية واشتقاق الخيار الوطني …!.من يحدد وكيف ؟!, هل هذا هو تداعيات حلم أشبه بكابوس ؟!,أم أنه من واقع الممكنات ؟!ومن نافل القول أن الضرورات الوطنية تبيح بعض المحظورات في راهن المعارضة السورية الآن
نتوخى في هذه المقاربة أن يكون الواقع الوطني والسياسي والأهلي , الذي أفرزه حكم الاستبداد في سورية ويحتضن المجتمع هو الشكل الذي يجب رؤيته بوضوح , وإحدى صوره المباشرة هي المعارضة السورية بكل تجلياتها الداخلية والخارجية الراهنة , المعارضة التي مافتئت أطرافها تتحدث عن تبني الديمقراطية كخيار سياسي حول مسألة التغيير , وإذا كانت أطراف المعارضة قد اتفقت أو تلاقت شفهياً بقصد أو بدونه على أحادية مطلب الديمقراطية كقاسم مشترك ,إلا أنها عملياً تتمايز في ثنائيات وثلاثيات ورباعيات …ولا تطرب أبداً كرباعيات الخيام مثلاً, بل تعزف أطرافها بتداخل وتمايز حسب متغيرات عديدة, وتسير إلى الآن كمتوازيات على سطح الديمقراطية , أو تريد على الأقل الآن أن تظهر بهذا الشكل المناقض للنظام الفردي شكلاً لاعتبارات شتى.
وبظروف المعارضة العلنية الجديدة التي مرت فيها على مستوى الداخل , منذ استلام بشار أسد عام 2000 إلى الآن , وما تخللها من وعود وصعود وهبوط وقمع ,أفرزت تجمعين أساسيين واضحين هما جبهة الخلاص الوطني وإعلان دمشق , وكلاهما رغم ثنائية الحالة المتباعدة تنظيمياً ,يعملان على أحادية التغيير الوطني الديمقراطي السلمي , ورغم كل ما يشوب هذا الهدف من عمومية في محتواه وغموض في آليته , يبقى هو الحل الممكن فكرياً وسياسياً في واقع المعارضة السورية المتمدد اليوم , ورغم أن الباب مفتوح على مصراعيه لأي طرح آخر على طريق التغيير , تبقى ثنائية صراع المعارضة الحالية والنظام هي البوابة الأساسية لمقاربة مسألة التغيير , محمولة على علاقة تضاد وقطيعة مصدرها سلوك النظام وعدم استعداده لقبول وجود فكرة المعارضة أساساً, فما بالكم بالحوار معها وسماع صوتها, وعليه تعني هذه المقاربة فيما تعنيه ,إعادة تعريف أطراف المعارضة وبرامجها واستعداد أطرافها لتطوير رؤاهم نحو مرحلة من التفاعل باتجاه مؤتمر وطني عام يكون نواة العمل السياسي المعارض ,وهي الخطوة الضرورية التي لابد منها في سياق عملية التغيير المعقدة داخلاً وخارجاً.
وعلى الرغم من كل ما رافق ظهور الطرفين من حملات أغلبها يصنف في خانة الهجوم والتشويه والقطيعة غير المبررة التي تصب في خانة النظام ( مابين إعلان قندهار/ وعبد الحليم خدام والإخوان وجبهة الخلاص السنية ) ,ما لم تطرح مقاربة أخرى للتغيير هذا إذا لم تكن ضمناً مع استمرار النظام لغايات كثيرة , وأقلها واقعي مؤيداً ومشاركاً منطلقاً من موقف واضح من النظام ويدعو ويعمل إلى التغيير , ومابين هذا وذاك أطراف أخرى كلها عائمة على بساط الخلاف والقطيعة والسجال على عناوين فكرية وإيديولوجية شتى ,معظمها بعيد عن أسس مفهوم الديمقراطية والقناعة فيها وممارستها ومطلب التغيير على حد سواء, وإذا كان إعلان دمشق انطلق من الفراغ السياسي الداخلي عندما بدى أن النظام ضعيفاً وأن سورية على مشارف مرحلة خطيرة لعدم وجود معارضة منظمة في إطار وطني سياسي واضح يتحمل مسؤوليته في مثل هذه اللحظة .
على الجانب الآخر بدت جبهة الخلاص وكأنها تمثل ترتيب معارضة الخارج وتجميعها في شكل إطار سياسي لا يشذ فضاؤه الفكري والسياسي عن إعلان دمشق كثيراً لا في الشكل ولا في المضمون ولا في رغبة الرد السريع على ما خُيَل تدهور الوضع الداخلي , سوى بطارئ فجائي وحيد هو انشقاق السيد عبد الحليم خدام عن النظام وانضمامه إلى المعارضة وتشكيل جبهة الخلاص بذات الظروف القلقة التي ولد فيها إعلان دمشق , والفارق بين الاثنين هو إيجابي بمعنى تحديد جبهة الخلاص موقف واضح بالقطع مع النظام والتزام مطلب التغيير النهائي , بهذا المنحى النظري والفضاء الفكري العائم تراوح المعارضة السورية الآن , والتغيير بما هو صراع بين موازين قوى مادية على الأرض بين المعارضة والنظام , هو غير متكافئ بما لا يقاس , صراع بين نظام شرس متعدد الأظافر والأنياب, وبين معارضة رخوة في بنيتها العامة وبطيئة في حركتها ووحيدة في مواجهة النظام , هنا يفرض طرح معرفة علائق الأطراف مع بعضها على مستوى المعارضة وما تملكه من موازين قوى كمجموع , وما هي قدرتها التنظيمية والسياسية الحقيقية على تطوير ذلك باتجاه تنمية موازين قواها المادية وقدرتها على التغيير؟, والأهم ما هو استعداد أطرافها للانتقال من التناقض بين وحدة المطلب وتعارض المسار ؟, أي قدرتها على التكامل التنظيمي تحت برنامج سياسي واحد, هنا لابد من تناولها على انفراد بالتسلسل لنصل إلى خاتمة الحصاد ورؤية البيدر ومعرفة وزن القبان , أي الفعل الواقعي الممكن للمعارضة على الأرض على مستوى الداخل والخارج , وعليه إن ما يطرحه الطرفان يفرض عليهما الحوار العلني الصريح شاء النظام أم أبى , الثمن يدفعه الطرفان وثقله المباشر واليومي يدفعه إعلان دمشق …ولعبة النظام الأمنية لن تتوقف …الحوار والوحدة هو الممر لتطوير موازين قوى المعارضة ,وتجديد بنيتها وتنامي قدرتها على التغيير الوطني الديمقراطي….يتبع
د.نصر حسن