صفحات ثقافية

مارسيل خليفة في التليفزيون المصري لأول مرة منذ 30 عاماً

null


عمرو علي من القاهرة: فنان عربى كبير، من طراز رفيع، علاقته متأصلة بالإبداع، موسيقاه منتشره حول العالم، يعبر من خلالها عن قضاياه، وهموم الشعب المقهور. لا يعرف اليأس، وفي داخلة ثورة معدية، وفي صوته صدى يزلزل القلوب، ويهز المشاعر، ويحرك الجماهير.

بعد ثلاثون عاماً من عمره الفني الحافل يطل مارسيل خليفة -لأول مرة – على شاشة التليفزيون المصري، عبر برنامج “البيت بيتك ضيفاً على الإعلامي محمود سعد.

بدأ الحوار بسؤال: منذ أن خرجت من عمشيت وأنطلقت الى الوطن العربى والعالم هل تشعر بأنك حققت شيئاً؟

أجاب مارسيل بتواضع شديد: مازلت حتى اليوم أبحث عن جملة موسيقية جديدة وعمل جديد، أى أنني في حالة بحث مستمرة، لأن السعى لتحقيق شىء أجمل بكثير من الوصول اليه، وإذا شعر الفنان أنه قد وصل، فهو يعلن حينها أن رسالته إنتهت .

* خرجت محاولاً مخاطبة القيادات العربية والإنسان العربى فهل أنت مجاهد بفنك ؟

فى البداية أردت تقديم الموسيقى يقى، وصودف أن هذه الأعمال هي التى بحثت عن أهداف عربية، وكلمة “مجاهد ” كلمة كبيرة، وأنا فى النهاية موسيقى .

وعن بدايته وأنطلاقته قال: “منذ صغري كان طنين أي صوت يجذبني بشدة بداية من أغانى جدي الصياد وهو يصطاد الى أصوات “الطناجر” و”الصحون” على الطاوله “.

ونقطة التحول كانت عندما جاء اليوم الذي إشترت له والدته آلة عود بعد ان لاحظت موهبته، وكان ثمنه وقتها 25 ليرة وهو مبلغ كبير بالنسبة لأسرته، ولكن هذا الأمر لم يثن والدته، وبدأ بالعزف السماعى دون أن يدرك أوزانه أو توناته، وقال أن أهله وضعوه على بداية سلم الفن الجاد .

حفل ناجح في دار الأوبرا المصرية

قبل ظهور مارسيل خليفه أمس فى برنامج البيت بيتك – أحيى حفلاً ناجحاً فى دار الأوبرا المصرية حضره جمهور كبير من مختلف الطبقات والأعمار، وبدأ خليفة وفرقته التي يعزف ضمنها نجلاه؛ بشار على البيانو، وشادي على الايقاع، بتقديم مقطوعات من مؤلفته الموسيقية “تقاسيم” أمام الجمهور الذي تجاوز 1400 شخص، وضاقت بهم مقاعد المسرح الكبير، والمقاعد الاضافية، الى جانب الذين حضروا الحفل وقوفاً.

أهدى خلال الحفل أغنية بعنوان “يا حادي العيس ” للشعب الفلسطيني بمناسبة ذكرى مرور 60 عام على نكبة فلسطين .. كما غنى في الحفل مجموعه من أغنياته الشهيرة مثل “جواز سفر”، ” منتصب القامة امشى ” ، “يا بحرية هيلا هيلا” وغيرها .

ورداً على سؤال لمحمود سعد فيما إذا كان العمل الفني الجاد حكراً على المثقفين أجاب مارسيل بأنه يرى أن العمل الفني ليس له نمط واحد، لأن الموسيقى هي تعبير عن الحياة بفرحها، وحزنها، ومللها. الحياه مفتوحة على كل المجالات، وكذلك الموسيقى، وأستشهد بحفلة الناجح في الاوبرا قائلا ً:

أمس كان الجمهور الموجود فى الحفل من كل الطبقات، كان الناس يستمعون بصمت أحياناً، ويتفاعلون إذا كان هناك مجال للمشاركة، أي كان هناك تعبير جميل .

وعن تأثر مارسيل بالفنان المصرى الكبير سيد درويش قال: شكل سيد درويش مرحلة مهمة في تاريخ الغناء العربى وأصبح له كيان، ولا يوجد عمل فنى اليوم ليس متأثراً بأعماله، وبأن هذا التأثير لازال ممتداً ومستمراً حتى يومنا هذا . وأضاف : سيد درويش حقق انجازاً كبيراً فى فتره زمنية قصيره حيث أنه لم يعش طويلاً.

ويرى بأن ما يميز سيد درويش هو: البساطة الصعبة جداً، ففى أعماله بساطة تحتاج من مبدعها لمجهود كبير حتى تصل الى الناس بهذه السهولة.

كانت هموم الناس في ذهنه وريشته، ونصه، ومسرحياته، فهو لم يهمش الناس، ولكن كان يستفيد من كل ما يجرى على الساحة حتى يستعمله في أعماله الفنية، عكس ما يحدث الآن من إحتلال وسطو على الناس، وتلوث فني كبير، علينا أن نرفضه، ونعود لتلك البساطه والإلتزام بالناس، هناك اليوم سقوط ليس فقط في السياسة، ولكن في الفن والحياة عموماً، ويجب أن نتدارك هذا قبل فوات الأوان .

تنوع الفن مطلوب ولكن

ويرى مارسيل بأنه يفترض أن تكون كل أنماط الغناء موجودة، ولا يجب فرض نوع واحد من الغناء، ولكن هذا ما يحدث الآن لأن الفن المنتشر حالياً يندرج تحت عنوان فن الترفيه، ولكن للأسف هو ترفيه مخجل، فيه تهميش للناس، وربما يكون هذا التهميش مقصوداً، لإلهاء الناس عما يحدث فى الحياة السياسية، وهي مسألة خطيرة جداً، وإذا لم نتنبه لها ستكون النتائج أبشع مما نحن فيه اليوم، وأعتذر عن هذه المأساوية، ولكنه متيقن من أن الأمل ما زال موجوداً .

وعندما سأله سعد 30 عاماً وأنت تبحث عن هذا الأمل، والدنيا تسوء فكيف ترى التجربه؟

أجابه: علينا أن نقول “لا” بلا خوف، ونستمر فى الرفض لما يحدث بلا خوف أو يأس.

فيسأله سعد: هل تؤدي الموسيقى دوراً فى العالم العربى فى ظل العجز العام؟ وما هو هذا الدور؟

رد مارسيل: لا بد أن يكون هناك بلسماً فى ظل الوضع الصعب، والموسيقى ليست البلسم الوحيد، ففيلم السينما، أو الرواية كلها يمكن أن تكون بلسماً حقيقياً فى ظل واقع مأزوم نعيشه.

ويكمل: اذكر خلال الحرب اللبنانية، كانت هناك مجموعة كبيرة من الأغنيات التي تعطينا شيئاً من الأمل، هذا الشيء لا يوجد وصف علمي له لكنه يدخل في الذات الأنسانية .

ويرى بأنه “ليس بالضرورة أن يترافق الإيقاع السياسي الموجود، مع إيقاع الموسيقى، حيث أنه من الممكن التعبير بصمت عن الواقع وليس فقط بالصراخ .

المحطات الفضائية ممولة من نقود النفط

وعما يحدث من إنحدار فى مستوى الفن والدور الذي تلعبه الفضائيات في إفساد الذوق العام.. سأل محمود سعد: هل من السهل أن يتغير الانسان ؟

فكان جواب مارسيل ، في الماضى كانت الحياة أبسط، اليوم تعقدت الحياة وتسلل هذا التعقيد الى منازلنا، وبات من الصعب علينا الا نتأثر به ،وعلينا أن نبذل جهداً اكبر لتقديم الأعمال الفنية الجادة لأن هناك صنف واحد فقط مستشري الآن وهو ذو مستوى هابط.

وعن رؤيته لكيفية إنقاذ المستمع العربي قال: توجد معاهد فنية ذات مستوى، ولكنها لا تجد منافذاً لها، ولذلك نتمنى على أصحاب المحطات أن يهتموا بالفن الراقي، ولكن للأسف كل المحطات قائمة وممولة من نقود النفط، وهو ما يعني أن أصحاب هذه المحطات ليس لديهم أي وعي أو نظرة للفن الراقى .

وأضاف بأن الرقص فن جميل، وعندما رقصت سامية جمال كان هناك إبداع في علاقة الجسد مع الموسيقى، تنظر الى الجسد فلا ترى سوى الجمال الحقيقي، اليوم لا يوجد سوى ” إبـتــــذال ” .

يسأله سعد: يسمعك كل الناس فلمن تستمع انت؟

فيجيب: تعلمت كثيراً من موسيقيين قدموا إنجازات حقيقية ليس فقط سيد درويش، ولكن عبد الوهاب، ام كلثوم، والاخوان رحبانى، كل هذا شكل معهداً موسيقياً اخر. بالإضافة الى التراث والقدود الحلبية، والموشحات، والموال المصرى ….. كل ذلك شكل المادة الاساسية في داخلى. أضف الى ذلك موسيقى الشعوب، وموسيقى البحر في الخليج التي كان يغنيها الصيادين وهم يبحثون عن اللؤلؤ .

الجمهور علامة استفاهم كبيرة

يسأله سعد: هل هناك حلم يصعب عليك تحقيقه؟ وكيف تستطيع ان تجد الحلم رغم كل الصعوبات؟

علاقة الفنان بالجمهور ليست دائماً علاقة ود، فالجمهور قد يرفض الكثير، ولكن إصرار الفنان على أن يوضح فكرته قد يغير الوضع ويصل لهدفه بالنهاية.

وتصفيق الجمهور اذا زاد يجب أن يجعلك تضع علامة استفهام وتسأل نفسك ما سبب تصفيق الجمهور؟ وان تبحث عن بعد آخر فى عملك .

ويكمل: لست اكيداً من كل ما أقدمه، فليس هناك شىء كامل وكل شىء بحاجه الى تطوير دائم، واعادة نظر باستمرار لان الاشياء متحركه …السكون هو الموت .

* هل العالم العربى فى سكون ؟

فى العالم العربى هناك ضجه كبيره ولكنها نابعه عما يحدث، الناس ليسوا سعداء ابدا بما يحدث بالعالم العربى، ويجب علينا ان نعى هذا الصمت وهذا الضجيج لاننا نملك امكانيات كثيره ولا نستخدمها ايجابيا لماذا!!

التزام الموسيقي بالقضيه ام بالموسيقى

يرى مارسيل ان التزام الفنان هو البحث عن جملة موسيقية جديدة ، ويقول: انا كموسيقى يجب ان اهتم بالموسيقى وليس بما حولها، يعنىي يجب أن أنتبه للموسيقى نفسها كي أستطيع أن أخدم القضية التي أغني من أجلها وأستمر بالبحث عن جملة موسيقيه جديده هو الاهم . وكثير من الأعمال الموسيقية الخالدة وجدت الخلود لانها قدمت مضموناً موسيقىاً متقدماً.

* كيف تتجنب الإحباط؟

يجيب: أصاب بالاحباط، والحزن، والياس، كثيراً ولكن علينا أن لا نستسلم، وأن نخترع الأمل فى الحياة والفرح، يجب أن ندرك بأن الحياة ما زالت ممكنة رغم كل ما يحدث .ويكمل: علينا أيضاً أن نبحث عن الحب، ونجد منفذاً للنجاة من كل الضغوطات التي تحيط بنا.

الشاعر محمود درويش فى حياته

إستخدمت قصائده في أعمالي لمدة 7سنوات دون أن أسأله، وأعتبرت أشعاره ملكية عامة للعالم العربى كله، بعد أن بدات الحرب كنت في قريتي .. محجوزاً فى مكان لم أكن متوافقاً مع الخط السياسي فيه، وكنت مضطراً لأن أختفي في منزلي، ولم يكن معي سوى اشعار محمود درويش وعودي.

بعد 7 سنوات التقيت به وكان لقاءاً رائعاً، وكان فرح بأنني أوصلت هذه القصائد لكل الناس، حتى من لا يعرف منهم القراءة والكتابة.

إختتم محمود سعد اللقاء المميز بسؤال تقليدي وطلب من مارسيل ان تكون إجابته غير تقليدية :

ما اكثر عمل إستمتعت به من أعمالك ؟

أجابه لا يمكنني أن أقولك لك كلهم أولادي وكلهم يشبهون بعضهم البعض .. ولكن دائما آخر عمل تكون له معزة خاصة , وإختتم حديثه قائلا ” أول لقاء لي فى التليفزيون المصرى… تخيل بعد 30 سنة هذا أول لقاء ولكنى سعيد به جدا.

2008 الجمعة 18 أبريل

إيلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى