دمشق: مدينة النساء الجميلات
رائد وحش
الذي يحدث، كل عام، أن نساء المدينة يتولّيْنَ أمر إعلان الصيف بأجسادهن، وكأنها مهمّة خاصة. ورغم نكد المعيشة، بين غلاء الأسعار، واندحار أحلام بالجملة، تصبح الحياة أكثر بحبوحة، فالجميلات، اللواتي لا نعرف من أين يطلعن، يعوِّضننا عن مطر لم يأتِ، ويسترددن استحقاقاتنا من شتاء بخيل.
ومرّة أخري القراءة.. تمرّ الأجساد في كرنفالها الرغبويّ، وكلّ كتاب يُؤَلَّفُ للتّو، لنصبح، نحن معشر الرجال المتطاوسين، نهباً لجمالٍ سفّاح، عن قصدٍ وترصّدٍ وتصميمٍ، يلقينا في قعر أمية لا نستطيع مواراة فداحتها، فالجميلات اللواتي علي مد النظر، أينما ذهبتَ، لكلٍّ منهنّ خصوصيتها، ولكل عضوًّ فيها تألقه، حيث يكتب الجسد نصّه المرتجل، وعلينا نحن أنصاف الفسقة، وأنصاف الملائكة، تهجئة ألف بائه، ولكن كيف ولم نستطع أن نصبح شياطين حبّ، في مدينة واقعة تحت احتلال الجميلات؟ جهلنا هذا بطاقة حمراء، فقاعدة الإقامة الآن: البقاء هنا لمن في استطاعته استيعاب ثقافة الجسد.
كان شعار رومانسيي القرن التاسع عشر: الحب يجعل العالم يدور ، لكننا بعد عبور القرن العشرين، والوصول بسلامة إلي الألفية الثالثة، تخلينا عن تلك الرومانسية لنحتفل بالأيروس، منذ صار الجسد صورة مؤطرة بالرغبة، هكذا سنحور ذلك الشعار إلي الجسد يجعل العالم يدور ، أو بالأحري: الجسد يجعل العالم عالماً.
وإذا كان ثمة من يري أنّ لكل واحد حصته من المدينة، فأنا من فئة الذين يرتضون أنْ تطحنهم رحي متع النظر، ولا أطمح لشيء أكثر من أن أكون خياطاً، فقط لأحتفي بهذه الأقمشة التي ستصير قريباً غلالاتٍ علي تلك الأجساد.. لكنْ ياللعنة! مهنة الخياطة آيلة للانقراض.
لا يُقرأ الجمال في القصائد والروايات. الجمال يحتاج معايشة يوميّة بالحواس، ونحن الذين نعاني ضيق ذات اليد حظنا أقل سوءاً مما نزعم، فعلي الأقل لا نعاني ضيق ذات العين، وبإمكاننا البصبصة، بل إننا نرّبي عقدتنا بحيث تكون جديرة بهذه الكنوز، ونحن نعلم تماماً أن إدمان الجمال يعلّم التالي: يجب أن تكون متوحش الرغبات، يجب أن توقظ الإنسان القديم، سلفكَ الحسيّ، النّائم في الجينات.
الجميلات كالكارثة في كل مكان: الشوارع.. المقاهي.. الحدائق.. مواقف الباصات.. الجميلات ذوات الوجوه التي كعبّاد الشمس تلاحق الضوء، والقامات الحافلة بأسلحة الدمار الشامل.. الجميلات بالتنانير الضيقة، أو البنتكورات، أو البرامودات، أو البروتيلات.. الجميلات في موسم استعراض الصيف يرغمنني علي انتحال شخصيّة ذئب كي أعوي وأعوي، عند أول ناصية: عوووو.. عوووو..
شاعر فلسطيني مقيم في دمشق
15/04/2008