صفحات الشعر

رحلة البلبل الى حيث تتساقط أمطار الأضاليا

تقديم وترجمة فوزي محيدلي
يعتبر جيونغ ـ جو سيو الذي رشح خمس مرات لجائزة نوبل للآداب أفضل شاعر كوري للقرن العشرين. كنيته الأدبية هي ميدانغ (“غير مكتمل النمو بعد”).
ولد سيو عام 1915، وقد سمع الكثير من القصص التقليدية والقديمة من جدته فترك ذلك تأثيره على أسلوبه الأدبي. قصائده الأولى صدرت في أواخر ثلاثينات القرن العشرين، أما مجموعته الأولى فترجع الى عام 1941. نشر 15 مجموعة شعرية. عين لسنوات عدة أستاذاً في “الجامعة البوذية” في سيول. منح العديد من الجوائز المهمة الكورية. ترجمت قصائده الى الفرنسية، الإسبانية، الإنكليزية والألمانية. بعد وفاة زوجته في تشرين الأول عام 2000 إعتزل عن العالم الى أن أسلم الروح في 24 كانون الأول من عام 2000.
ينتمي سيو الى “مدرسة الشعر من أجل الحياة” الكورية، وقد شملت اهتمامات أفرادها الدفاع عن العاطفة والحدس الى إحساس بالورع والاحترام للحياة. هذا فضلاً عن تحدي المنطق والعقل والتأكيد على الصوت النزيه الخارج من داخل المرء. في بحثهم عن المعنى الوجودي للحياة غالباً ما واجهوا الخواء المطلق، وكان لا بد أن يقبلوا بالموت كنهاية للحياة البيولوجية.
تقوم ريادته للشعر الكوري الحديث على مجلد “كتب الغابة” الذي يحوي كامل قصائد دواوينه الأربعة الأولى. تتميز أعماله تلك بحداثيتها وسورياليتها. يحاول ديوانه الأول “الأفعى الزهرة” إستكشاف مشاعر الإحساس بالذنب كما الفولكلور. تصف قصيدته “صورة ذاتية” شاعراً يافعاً إنقطعت رغبته في التعلم بسبب الغزو الياباني عام 1910 لكوريا.
ولا بد من الإشارة الى أن القصائد المبكرة لسيو، الذي غالباً ما يسمى بودلير كوريا، إتسمت أيضاً بالحسية داخل إطار من المشهدية الكورية. مع أن صور هذه المرحلة كانت جديدة على الشعر الكوري، إلا أنه يُلاحظ وجود توليفة بين الحياة الشعبية الكورية والحساسية الحديثة. أسلوبه اللاحق نحا صوب المشرقية والمحلية مناقشاً انعكاس الذات والخلاص داخل البوذية.
يُعرف سو بأقنعته وأدواره المتعددة في أعماله المبكرة. أما شعره اللاحق فيدلف الى الداخل متعقباً البوذية وناقلاً بعناد لا يكل العناصر غير الشعرية الى أعمال فنية. يحسب له استكشاف المصادر الخفية للغة بدءاً بالصوفية اللصيقة الساكنة وجدان الشخص وصولاً الى الممارسة العامية العملية. يعتبره الراهب أنطوني، أحد مترجمي أشعاره الى الإنكليزية، الأب المؤسس للشعر الكوري الحديث.

[ صورة ذاتية
كان والدي عبداً. لم يعد الى المنزل حتى في وقت متأخر من الليل.
جدي فقط كان في الأرجاء، أشبه بجذور نبتة الكراث،
وبشجرة عنّاب مزهرة.
إشتهت أمي الحامل أكل حبة مشمش خضراء.
أنجبت أمي إبناً أسود الظفر تحت مصباح مركون داخل جدار طيني.
يقول البعض إني أشبه والدها:
كومة الشعر نفسها، وأيضاً العينان الواسعتان.
وتقول الحكاية أن جدي في عام “الثورة” قصد البحر
ولم يعد أبداً.
ما رعاني وربّاني، بعدها، خلال تلك السنوات الثلاث والعشرين
هو قوة الريح، على الأرجح.
لم تعطني دروب الدنيا سوى الخزي؟
رأى البعض مشروع مجرم في عينيّ،
والبعض الآخر رأى صورة مغفل في شكل فمي
مع ذلك إني متأكد من عدم وجود ما أندم عليه.

حتى في الصباحات التي يطلّ فيها الفجر رائعاً،
فإن ذاك الندى الشعري المبلل لجبيني
لطالما إمتزج بقطرات الدم؛
لقد شققت دربي تحت الشمس وفي الظل
أشبه بكلب مريض لاهث، تدلّى لسانه.

[ أفعى الزهور
درب خلفيّة مضمّخة برائحة المسك والنعناع.
جميلة جداً، تلك الحية…
أية أحزان كبيرة جعلتها تبصر النور؟
يا له من جسد منفّر؟

تشبهين الشريط الحريري لغطاء الساق المزيّن بصور الزهور!
فمكِ القرمزي حيث ذاك اللسان البليغ
الذي خدع به جدك الأعلى حواء المسكينة
يخفق الآن صامتاً
أنظري، هاك سماء زرقاء… عضّيها! عضّيها منتقمة.

إركضي ! بسرعة! يا ذاكِ الرأس الكريه!

حجارة مندفعة، مندفعة، بسرعة الى هناك
على طول انحدار الدرب المسكي، المزيّن بالعشب
تطاردها، تطارد الأفعى،
ليس لأن حواء كانت زوجة جدنا الأكبر
لكن لشدة عطشها، تبدو لاهثة
وراء شربة كاز… أجل، كاز…
ليت بمقدوري أن ألفّكِ حول جسدي،
وأُثبّت رأسكِ باتجاه واحد؛
يا الأكثر روعة من أي شريط حريري…

مع تلك الشفتين المحببتين، بلونهما القرمزي الحارق،
تغدين وكأنك كنت منهمكة برشف دماء كليوباترا…
غوري الآن، أيتها الأفعى!

شموسنا اليافعة ذات العشرين ربيعاً، لها أيضاً شفاه جميلة،
أشبه بتلك التي لهرة… غوري الآن، أيتها الأفعى!

[ المصاب بالجذام
ناح المجذوم
متوسلاً الى الشمس والسماء.

أضاء القمر فوق حقول الشعير
فيما هو ينهش لحم طفل

وينتحب طوال الليل بدموع قرمزية كما الزهرة.

[ الظهيرة
تلتف الدرب بين حقول الزهور القرمزية
التي قطفت وأكلت موتاً أشبه بالنوم.

يناديني حبي، بعد أن يسرع الخطى
فوق دروب الجبل الملتوية العالية، التي تتمطى
مثل أفعى دوّخها الأفيون.

ينساب الدم من أنفي حلو الشذا
مالئاً راحتيّ وأنا أُسرع.

في تلك الظهيرة الحارقة والساكنة كما هدأة الليل
جسدانا يلتهبان…
[ البلبل
الدرب التي سلكها حبي روتها الدموع.
عازفاً على نايه، شرع في رحلته الطويلة
الى الممالك الغربية، حيث تتساقط أمطار نبتة الأضاليا.
مرتدياً الأبيض بالكامل، أناقته ولا أحلى، ولا أحلى،
فيما رحلة حبيبي طويلة جداً، ولن يعود أبداً.

لربما إنتعلتُ حذاء مجدولاً أو صندلاً من قش
حيكت كل جديلة منه بكل فصول حكايتنا الحزينة.
ليتني بعد أن قصصت شعري الضئيل بموسى فضية
استعملت ذلك الشعر لحياكة صندل له.

في سماء الليل المتعَبَة، فيما تتوهج قناديل الحرير،
يشدو طير بنواح لا يستطيع معه شيئاً،
لكن منعشاً صوته في متاهات درب التبانة،
فيما عيناه مغلقتان وهو منّتش بدمه.
عزيزي الصغير، قصد أطراف السماء وحيداً!

[ لو صرتُ حجراً
لو صرتُ
حجراً

سيصير الحجر
زهرة لوتس

وزهرة اللوتس
بحيرة

وإذا صرتُ
بحيرة

ستصير البحيرة
زهرة لوتس

واللوتس تصير
حجراً.
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى