الــحـــمـــــار
خيانات عن الاسبانية
روبرتو بولانيو
الــحـــمـــــار
(سانتياغو دي تشيلي 1953 – برشلونة 2003)
أحلم أحيانا أن ماريو سانتياغو
يأتي ليحملني على دراجته النارية السوداء.
ونخلّف وراءنا المدينة، على النحو الذي تبدأ فيه الأضواء في الاختفاء
يقول لي ماريو سانتياغو إن الأمر يتعلق بدراجة مسروقة،
الدراجة الأخيرة المسروقة من أجل السفر عبر أراضي الشمال الفقيرة،
في اتجاه تكساس،
مطاردين حلما لا يسمّى، لا يمكن تصنيفه،
حلم شبابنا،
أي الحلم الأكثر جرأة من بين كل أحلامنا.
بحيث لا يمكنني أن أرفض ركوب دراجة الشمال المسرعة السوداء
وأن نمضي هاربين فجأة عبر تلك الطرق
والتي جابها، قديما، القديسون المكسيكيون،
وشعراء المكسيك المتسولون،
الديدان الصموتة لحي تيبيتو،
أو مستعمرة المحارب،
الجميع على الطريق نفسه،
حيث تتبلبل الأزمنة وتختلط:
الأزمنة اللفظية والمادية، الأمس وفقدان القدرة على الكلام.
وأحيانا أحلم أن ماريو سانتياغو
يأتي باحثا عني أو أنه شاعر من دون وجه،
رأس بلا عينين ولا فم ولا أنف،
فقط جلد وإرادة
وأنا من دون أن أسأل شيئا أمتطي الدراجة النارية
وننطلق عبر طرق الشمال، أنا والرأس،
ملاّحان غريبان يبحران في درب بائس،
في طرق يمحوها الغبار والمطر،
أرض الذباب والسحالي، الأدغال المجففة
وعواصف الرمال والمسرح الوحيد المنسجم مع شِعرنا.
وأحلم أحيانا أن الطريق الذي تقطعه دراجتنا النارية
أو رغبتنا لا يبدأ في حلمي بل في حلم آخرين:
الأبرياء، الطوباويين، الودعاء، والذين، لسوء حظنا، لم يعودوا موجودين هنا.
هكذا نغادر أنا وماريو سانتياغو مدينة مكسيكو التي هي امتداد لأحلام كثيرة
وتحقيق لكوابيس عديدة ونتقدم عبر الولايات دائما نحو الشمال، دائما
عبر طريق الذئاب الأميركية الصغيرة، ولدراجتنا النارية حينئذ لون الليل.
دراجتنا حمار أسود يسافر على مهل عبر أراضي الفضول. حمار أسود
يتنقل عبر الإنسانية وهندسة هذه المناظر السيئة المقفرة.
وضحكة ماريو أو ضحكة رأسه ترحب بأشباح شبابنا، الحلم الذي لا يسمّى
وغير المجدي للجرأة.
وأحيانا أعتقد أنني أرى دراجة نارية سوداء
كحمار يبتعد عبر أراضي ساكاتيكاس وكواويلا، على حافة الحلم
ومن دون أن أتوصل الى فهم معناه، أفهم على رغم ذلك موسيقاه:
أغنية وداع بهيجة.
أم لعلها الإيماءات الثمينة التي تقول لنا وداعا، من دون ضغينة أو مرارة،
في سلام مع مجانيتها المطلقة ومع أنفسنا ذاتها.
إنها التحديات الصغيرة العديمة الفائدة – أو أنها السنوات والعادة
التي سمحت بجعلنا نظنها عديمة الفائدة – من يحيوننا،
من يقدمون الينا إشارات غامضة بإيديهم، في منتصف الليل،
على جانب من الطريق، كأبنائنا الأعزاء المهجورين،
الذين يتربّون وحدهم في هذه الصحارى الكلسية،
كذلك البريق الذي اخترقنا يوما وكنا قد نسيناه.
وأحلم أحيانا أن ماريو يأتي بدراجته النارية السوداء
في منتصف الكابوس ونأخذ في التوجه شمالا،
في اتجاه القرى الشبحية حيث تقطن السحالي والذباب.
وبينما يحملني الحلم من قارة إلى أخرى
عبر حمام من نجوم باردة وخفيفة،
أرى الدراجة النارية السوداء، كحمار من كوكب آخر
يشقّ أرض كواويلا نصفين.
حمار من كوكب آخر
هو الرغبة الجامحة لجهلنا،
لكنه أملنا وجرأتنا كذلك.
جرأة لا اسم لها ولا طائل وراءها، هذا من المؤكد تماما، لكنها
تعاود الرجوع في هوامش الحلم الأكثر نأيا،
في تجزيئات الحلم الأخير،
في الطريق المغوي والغامض
للحمير والشعراء.
ترجمة: أحمد يماني