هكذا بدأت القمة وانتهت
رزان زيتونة
ليست القمة العربية هذا العام ككل القمم السابقة، لا يعود ذلك إلى كونها قمة مصالحة أو مخاصمة، ولا من غاب أو حضر، وبالتأكيد ليس السبب خطب الزعماء ولا قضايا البشير وغزة وعملية السلام، ولا يشكل فرقا ما توصلت أو لم تتوصل إليه القمة في بيانها الختامي ولقاءات الزعماء الجانبية.
السر كله يكمن في رائحة العطر الفرنسي الذي ظلل بدايتها وطعم الملوحة البحرية الذي سكن نهايتها.
لعل الحدث الأول لم يأت مصادفة، أن يصوت سكان جزيرة مايوت القمرية على عدم رغبتهم في أن يكونوا جزءاً من الجامعة العربية، قبل يوم واحد من انعقاد القمة. أكثر من 95% من المصوتين البالغ عددهم 124 ألفا اختاروا تحول الجزيرة إلى المقاطعة الفرنسية رقم 101، وهكذا كان أن شهدنا لقاءات تلفزيونية مع الرئيس القمري أحمد عبد الله سامبي، الذي لم يسبق للكثيرين السماع باسمه ربما، وعلمنا أن جزر القمر المنسية عربيا، تتمتع بطبيعة ساحرة، وتعد كذلك من بين الدول الأفقر في العالم والأكثر افتقارا للخدمات والبنية التحتية، وطرحت خلال التغطية الإعلامية للقمة قضية الحفاظ على سيادة واستقلال جزر الجمهورية القمرية الأربع، وعرفنا أن هناك مؤامرة إمبريالية على عروبة الجزيرة وسكان غريبي الأطوار يفضلون الهوية الغربية على العربية! ويرغبون بالخضوع للقوانين الفرنسية وعيش الحلم الفرنسي رغم استياء جيرانهم من سكان الجزر الثلاث المتبقية. انتهاء بقرار القمة الذي أكد ‘على هوية جزيرة مايوت القمرية ورفض الاحتلال الفرنسي لها’ وعدم الاعتراف بنتائج الاستفتاء المذكور، ‘ومطالبة فرنسا بمواصلة الحوار مع الحكومة القمرية للتوصل إلى حل يكفل عودة جزيرة مايوت إلى السيادة القمرية’، لكن ماذا عن أصوات القمريين الذين صوتوا في الاستفتاء؟ وماذا يشكل ذلك بالنسبة لجامعة الدول العربية؟ هل الاستفتاء مزور على قاعدة الاستفتاءات العربية أم أن من صوتوا لا يتمتعون بالنضج الكافي لاتخاذ مثل ذلك القرار؟!
مع أن نتيجة الاستفتاء ليست بمستغربة، ليس بسبب الملابسات التاريخية والثقافية للجزر المكونة للجمهورية القمرية، أو كون ربع سكان مايوت من الفرنسيين، لكن لأن ‘موسم الهجرة إلى الشمال’ لايزال في قمة صخبه وحيويته، ولأن قضايا العروبة والانتماء وسواها، لاتزال تشكل موضوعا ملحا للجماهير، أوقات الأزمات الساخنة فقط. فيما عدا ذلك، فرحلة البحث عن وطن مستمرة حتى لو كان دونها الموت، وهو الحدث الثاني الذي لم يأت مصادفة أيضا، فمازال التخطيط له مستمرا منذ عقود!
في تلك الرحلة قتل غرقا أكثر من عشرين مهاجرا وفقد أكثر من مئتين قبالة السواحل الليبية، وكأنهم أرادوا توقيع البيان الختامي للقمة بلغة واقعية وقابلة للفهم حتى لمن لا يفهم، فكان عرب المركب الغارق، يعقدون قمة أمل افترضوا أنها ستصل بهم إلى حيث الوطن.
تعتقد المنظمة الدولية للهجرة أن وجهتهم كانت إيطاليا، في بداية موسم جديد لتهريب المهاجرين غير الشرعيين في البحر الأبيض المتوسط، وضمت القمة حالمين من الجزائر والمغرب وتونس ومصر وأكراد سورية والصومال والأراضي الفلسطينية وبعض الدول الإفريقية.
لم يرحل هؤلاء احتجاجا على المذكرة الدولية لتوقيف البشير أو احتجاجا على الموقف العربي الرسمي المؤيد للبشير، ولا لأن عملية السلام تتعثر، ولم تعنيهم بالتأكيد مجريات المصالحة العربية ومآلاتها، وليس العامل الاقتصادي وحده مبررا لركوب ذاك الخطر، فالمواطن الأميركي أو الفرنسي الذي يعاني في ظل الأزمة المالية العالمية، لن يتعاقد مع مهربي البشر ويركب قاربا للهروب إلى دولة أخرى.
كانت محاولة للهروب من جامعة الدول العربية؛ من البؤس المتراكم واليأس من المصالحات الداخلية التي لا تأتي أبدا، إذ تركوا ‘العروبة’ و’القضايا’ كلها وراءهم، لأنها لم تمنحهم وطنا، ولأن استيطان وطن جديد و’جاهز’ أسهل مئة مرة من محاولة إعادة بناء ما تهدم في الأوطان الأصلية، كأرض تمنح لقمة العيش بكرامة، وتزدهر بسكانها جميعا ولأجلهم، أو هكذا كانوا يعتقدون. الأخبار تقول إن البعض وصل بالفعل إلى إيطاليا لكن تم اعتقالهم وإعادتهم إلى ليبيا، فإيجاد وطن بديل ليس بتلك السهولة.
لن يشكل ذلك فرقا؛ لن نلمح له صدى في خطابات العام القادم من القمة القادمة ولا التالية ولا التي بعدها، فلا العطر الفرنسي الذي فاح فجا في البداية ولا مذاق ملوحة البحر وأسى الأجساد التي تخاطفها في النهاية، فالحقيقة العربية لا تقبل سجالات التفاصيل عديمة الأهمية.
* كاتبة سورية