وقفة مع مايجري… واقع حالنا!
غسان المفلح
ليس خطأ الاعتراف بأن مئات الملايين من الدولارات صرفت من أجل فك عزلة النظام السوري
منذ زيارة الرئيس بشار الأسد إلى باريس, بدعوة من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي, والمعارضة السورية في حالة من الانكفاء والتلعثم. ومنها من يدعم سياسات الانفتاح الغربي على دمشق ومنها العكس, منها من وجد ضالته في إصدار بيانات كل ربع عام, ومنها من انسحب من النشاط المعارض, وهناك من يحاول أن يستمر بالطريق نفسها ولكن من دون أن يجدد خطابه, ومن دون أن يبحث لماذا وصلنا إلى هنا? وأقصد “جبهة الخلاص الوطني” السورية المعارضة. من دون مزايدة وبوضوح مع الرأي العام, لابد من القول أن خطاب الجبهة لم يتمكن من الإطلال على خطاب آخر ليس موجودا داخل مفردات حقل الصراع العربي الإسرائيلي. ما فعلته الجبهة في الفترة الماضية كان خطوة متقدمة في الفعل المعارض, رغم كل ما اعتراها من سلبيات, وممارسات متنوعة من الشخصانية والانفعال والارتجال, ولكنها استطاعت نسبيا أن تحوز على اهتمام الفعاليات الدولية والإقليمية والسورية. وهذا يفترض أولا أن تقف الجبهة عند تلك المرحلة وتحاول استشراف آفاق المستقبل بطريقة لاتبتعد من موازين القوى المتحركة, وتحديد الأولويات والابتعاد عن الدخول في أي سجال مع أي طرف من أطراف المعارضة, والحوار وإن كان مطلوبا وضروريا, لكنه يحتاج إلى مقومات, لم نعرفها بعد في المعارضة السورية, لهذا نجد أن الجبهة معنية أكثر من غيرها في التحدث عن واقعها بشفافية أكثر من قبل. خطوة انسحاب “الإخوان” من الجبهة لم تكن وحدها, ولم تكن معزولة عن سياق دولي وإقليمي, باختصار شديد مطلوب من المعارضة السورية وفق هذا السياق أن تلتحق بتيار الممانعة, وما يجسده من سلوك وممارسات ووقائع تنظيمية, وأجهزة سلطوية, وثقافة مجبولة بثقافة فساد السياسة في سورية. هذا الواقع المعطى فرضته قوى التحالف الإيراني من جهة, وتصلب السياسة الإسرائيلية, والانفتاح الغربي على دمشق من جهة أخرى, رغم عدم اتضاح معالم هذا الانفتاح.
وهذا يجعل الأمر أكثر تعقيدا أمام المعارضة السورية, اذ يقول تقرير لقناة “الجزيرة” عن انسحاب “الإخوان” من الجبهة وتعليق نشاطهم المعارض, وفي برنامج جمع الأخ زهير سالم نائب المراقب العام للجماعة والدكتور محيي الدين لاذقاني”ورغم نفي الشيخ علي صدر الدين البيانوني المراقب العام للجماعة أن تكون هذه الخطوة رسالة مصالحة مع النظام السوري الذي يخطب الجميع وده هذه الأيام فإنها لا تقل عن إشارة ودية نحوه, فالإشادة بقوى الممانعة لا بد وأن تعني ضمنا إشادة بالحكم السوري المحسوب عليها والحاضن للمقاومة وقادتها وتلك حقائق لم يحل دون الإفصاح عنها صراحة غير رواسب العداء المتبقية منذ مواجهات ثمانينات القرن الماضي” إذن بالنسبة لقناة “الجزيرة” الآن كل العالم يريد خطب ود النظام في دمشق, بما فيهم “الإخوان المسلمين” كما جاء بالتقرير.
ليس خطأ أن نتبع سياسة التقاط الأنفاس, وليس خطأ ان نقول أن النظام انتصر في جولة, وليس خطأ أن يتخذ أي فصيل معارض التكتيك السياسي الذي يراه مناسبا لتوجهاته ومصالحه.
الخطأ يكمن في اعتبار هذا التكتيك هو الحق والحقيقة. وهذا أيضا يحتاج منا إلى تقويم معركتنا السلمية من أجل الديمقراطية في سورية. ونحدد بالضبط أهدافنا ووسائلنا, وهي من تفرض شكل الخطاب وأدواته وليس العكس. ليس خطأ الاعتراف بأن مئات الملايين من الدولارات صرفت من أجل فك عزلة النظام, وليس خطأ أن نقول أن استثمارات النظام ورجالاته في النمسا وحدها تقدر بمئات الملايين من اليورو, وهذا ما سيجد صداه في زيارة الرئيس بشار الأسد إلى النمسا في السابع والعشرين من الشهر الجاري. ولكن الخطأ ألا نسأل أنفسنا نحن ماذا فعلنا?
في سورية استطاع النظام وبعض مثقفي المعارضة أن يؤسسوا لمقولة أن هذا الحكم هو علماني في الوقت نفسه, وهو حامي للأقليات في سورية والمنطقة, رغم أن الموضوع ليس كذلك أبدا, ولكنه أتاح للنظام فرصة استقطاب الكثير من فعاليات الأقليات, بما فيها الكردية. في هذا الجو المشحون بضيق الأمل والفرص من أجل رؤية سورية دولة ديمقراطية على المعارضة أن تعمل. وفي ظل ميزان القوى هذا أيضا علينا أن نجد موقعا للمطلب الديمقراطي السوري. والذي يتجسد في ثلاث نقاط تشكل الحد الأدنى لكرامة الإنسان السوري للعيش كبقية شعوب الأرض, هي: إلغاء المادة الثالثة من الدستور السوري التي تنص على أن دين رئيس الدولة هو الإسلام.
والثانية إلغاء المادة الثامنة من الدستور السوري التي تنص على أن حزب “البعث” قائدا للدولة والمجتمع.
والنقطة الثالثة إجراء انتخابات رئاسية تنافسية بإشراف دولي, وليس استفتاء مقررة نتيجته سلفا.
هذا واقعنا سواء في “جبهة الخلاص” أو في “إعلان دمشق” أو في بقية أطياف المعارضة السورية.
كاتب سوري
السياسة