صفحات سورية

جماعة الإخوان والتحالفات…!؟

null
جهاد نصره
حين تعلن جماعة الإخوان المسلمين في سورية عن تعليق نشاطها المعارض فإنها تثبت من خلال هذا الموقف السياسي أنها وحدها من بين القوى السياسية المنسجمة مع نفسها وعقيدتها على عكس الرفاق والسادة المتحالفين معها والمؤسسين بمعِّيتها لتحالفات قاعدتها الأساسية تنحصر في العداء السياسي للسلطة الحاكمة..!؟
من نافل القول: إن الجماعة من خلال هذا الموقف الذي باغت بعض الحلفاء على حين غرّة تكون قد غلَّبت العقيدة الثابتة على السياسة المتحولة فوفقاً لهذه العقيدة تؤمن جماعات الإخوان بأن كل قضية تخص المسلمين في أي مكان فهي لزوماً تخص الأمة الإسلامية التي لا حدود جغرافية لها..!؟ وهذا الاعتقاد الديني العولمي غير محسوب حسابه عند الحلفاء أصحاب الخطاب اليساري والعلماني والليبرالي فهم لم يعلموا أحداً عن حقيقة رأيهم وموقفهم في مسألة كون الشريعة الإسلامية تشكِّل مرجعية حليفهم الوحيدة من حيث أنهم مأخوذين باللغة السياسية لخطاب الإخوان المتضمن مفردات معاصرة كالدولة المدنية والديمقراطية والسواسية وقبل ذلك متكئين على تاريخية الصراع المزمن بين الإخوان والسلطة..!؟ والمعروف لكل متعاطي بالشأن العام أن الإخوان لا يساومون على أحادية المرجعية التي ستشكِّل ناظماً وحيداً لإدارة البلد والمجتمع فالقضاء بغض النظر عن آراء ومواقف حلفاءهم اليساريين والعلمانيين وغيرهم ستكون سلطة القضاء الإسلامي.. والعقوبات ستشرّع وفق ما يحدده الشرع الإسلامي….!؟ ثم إنهم ـ حلفاء الإخوان ـ لم يخبروا أحداً عن كيف ستكون أحوالهم البهّية حين ُتفرد مظلة التشريع الإسلامي هذه التي يعملون بتحالفهم السياسي هذا على نقل المجتمع السوري برمّته ليستظل في فيئها المقدس…!؟
وفي الضفة الأخرى يحدث العكس من هذا الانسجام الإخواني ففي سياسات الأنظمة العربية يبدو التناقض صارخاً بين مقاربات قادة الأنظمة الحاكمة لبعض القضايا الإقليمية وبين مقارباتهم لمجمل قضايا مجتمعاتهم الوطنية..!؟ فكما يرى ويطبِّل فطاحل التحليل والتزمير فإن عند بعض القادة العرب نظرة سياسية ( ثاقبة ) يدلَّل عليها إصرارهم العنيد على متابعة مسك الملفات الإقليمية من ذات المنظور بالرغم من كل الضغوطات والتهديدات المباشرة..!؟ ويرى أولئك أن هؤلاء القادة الذين لعبوا على عامل الزمن، ومارسوا تكتيكاً مساوماً في بعض الملفات، وقدموا تنازلات ملموسة في مواضع حساسة، نجحوا في فكفكة الأخطار والضغوطات التي هدَّدت استمرار أنظمتهم حتى وصل الأمر مع بعض المطبِّلين إلى اعتبار أنه لم يكن ممكناً سقوط إدارة بوش وحزبه وجماعة المحافظين الجدد في الانتخابات لولا الانتكاسات والهزائم التي تعرّضوا لها من جراء السياسات ( الثاقبة ) لبعض القادة العرب وهذا السقوط برأيهم هو مقدمة لسقوط أمريكا ذاتها الله أكبر…!؟
ثم ولكن، يقول كثيرون آخرون: كيف تكون الأمور عند هؤلاء القادة على هذا النحو من الوعي المبكر، والنظر الثاقب، والتكتكة الذكية، والمساومات الفهلوية، في كل ما خصَّ السياسات الخارجية ويكون بالضد منها حينما يتعلق الأمر بالداخل الوطني..!؟ فهذه هي قضايا المجتمعات العربية ظلَّت تراوح مكانها وتزداد عقماً واستحالة إن كان على صعيد التنمية المستدامة، أم حجم البطالة المتصاعد عاماً بعد عام، أم استمرار تغيِّيب القانون والقضاء واستنسابيتهما، أم تغيِّيب المشاركة السياسية، أم غياب قوانين لا يستقيم معها أي حديث عن توفر بنية دولة كما يعرفها العالم المعاصر، أم استمرار غياب قانون منظِّم للعمل بالشأن العام ولوجود مشرعن للأحزاب السياسية، أم نسف كل إمكانية لوجود منظمات مجتمعية مدنية وحقوقية وغيرها، أم استمرار منهجية إعلامية إلحاقية انتقائية، أم غير ذلك من الإشكاليات الكبرى التي تتراكم ويجري حلحلة ما تيّسر منها عند الضرورة بمنهجية أمنية عنفية أو في أحسن الأحوال من خلال بعض التنازلات المتواضعة وغير الجوهرية..!؟
إن واقع العرب الراهن بأنظمة حكمهم أولاً، وبمعارضاتهم وتحالفات معارضاتهم ثانياً، يشي بأن كل أمورهم وقضاياهم مرشّحة لمزيدٍ من التفاقم يوماً بعد يوم ومرحلة بعد مرحلة..!؟ ويكفي لتلمس هذه الأحوال ملاحظة النسب المرتفعة والمتضخّمة للحالات الجنائية في المجتمعات العربية بدءاً من جرائم السرقات الفردية والمنظّمة ومروراً بالفساد الذي أصبح سلوكاً علنياً وثقافة مجتمعية وانتهاءً بظاهرة الانتحار المتعدد الأشكال..!؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى