بيانات وتقاريرصفحات سورية

لا يفسد الاختلاف للديمقراطيين قضية!

null
افتتاحية النداء
في أية عملية انتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية، تكون الصعوبة الكبيرة الأولى هي وحدة الديمقراطيين، التي من أجلها لا بدّ للذين يلتزمون بهذا الهدف النبيل أن لا يملّوا ولا يكلّوا في متابعة طريق الحوار والمراجعة، ولا يستسلموا للعجز ويستسهلوا إلقاء اللوم على النظام.. أو شركائهم في القضية.
ونحن السوريين الذين استطاع بعضنا تحقيق خطوة انعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق في1/12/2007، أصبحنا أكثر ثقة بقدرتنا على تحقيق هذه الوحدة. فلم يكن هذا المجلس إلاّ عمليّة تدريبية شاقة على الممارسة الديمقراطية، نستطيع استخلاص النتائج والدروس منها، لنبني على ما نراه إيجابياً ونستبعد ما نراه سلبياً، وننطلق نحو درجة أعلى على هذا السلّم الإجباري، ونتوصل إلى أوسع بنية وطنية للحوار من أجل إبداع المخارج إلى فضاء الحرية والدولة الوطنية الديمقراطية.
العبرة الأولى مما حدث قبل المجلس وفيه وبعده، هي وجوب التأسيس على مبدأ أنه لا ينبغي للاختلاف أن يفسد للديمقراطيين قضية، بل إن الاختلاف هو مصدر غناها وديناميكيتها، ومحطّ ثقة الشعب فيها بعد ذلك. وحين نصّ البيان الختامي على وجود تيارات قومية ويسارية وليبرالية وإسلامية ديمقراطية في إطار الإعلان والحركة الوطنية الديمقراطية في سوريا عموماً، كان يشير إلى اختلاف مكونات هذه الحركة كما إلى وحدتها التي يجب ألاّ تتوقف عند حدّ وتعتبر نفسها اكتملت.
هنالك سقف لهذه الوحدة، لا بدّ من تحديده بوضوح، لأنه أساسها. ومع أنه مرن يقبل الاختلاف في تفهمه هنا وهناك، إلاّ أنه محدد الارتفاع عموماً، في كلّ لحظة تاريخية تمر فيها البلاد. ومن الخطأ الفادح تجاهل هذا السقف والتهرّب من مناقشته، كما أن من الخطأ الفادح أيضاً تجاوز هذا السقف اعتباطاً إلى فوق حتى لا ينهار على أصحابه، أو شدّه إلى تحت حتى لا يضطر من يستظلون به إلى الانحناء والركوع. والأهم هنا دائماً هو المصارحة والبحث على أساس مصلحة عملية الانتقال وتحقيق المكاسب لها.
ويبدو أن قوة العادة وطول الركود والقمع المستمر استطاعت تكوين جملة من السلوكيات غير الصحية، تتحكم أحياناً في العمل المعارض، كما استطاع وجهها الآخر أن يتحكم في سلوك أهل النظام. فإذا كان المناضلون من أجل الحرية جادّين في ملاحقة قضيتهم، لابدّ من أن يعيدوا النظر في أدواتهم، ويلتفتوا إلى الناس الذين هم الغاية والهدف. ومن لا يشعر بنفسه القدرة على اختراق عاداته القديمة، عليه أن يلجأ إلى الشباب يسألهم تقديم آليات أحدث للاختلاف والاتفاق والعمل، أو ليغيّر اختصاصه إن استطاع.
لقد انعقد المجلس الوطني ومر على ذلك أكثر من ستة عشر شهراً، وحقق النظام الأمني غايته بالقمع والاستفراد، ولاحق أعضاء المجلس وسجن اثني عشر من قياداته. وكان ينبغي أن يكون الرد الأول هو التمسّك بعرى الوحدة ومسألة الحريات والتنسيق فيما يمكن التنسيق فيه. ولم يفتِ الأوان على ذلك.
وعلى الرغم من أن إعلان دمشق أعلن منذ البداية أنه لا يحتكر العمل المعارض في سوريا ولا يغلقه على أحد، وهذا ما اتفق عليه جميع من صاغوا وثائقه وصادقوا عليها، فإن البعض استراح إلى أخذ خطوةٍ بعيداً عنه، والبعض الآخر إلى أخذ خطوة عميقاً في داخله، والنتيجة شرخ يزداد عمقاً من خلال الامتناع عن معالجته.
ولو كان البديل هو المزيد من العمل بطرق أخرى قد تنفع في تنويع أشكال الحركة، لقلنا عسى أن يكون خيراً، وبحثنا عمّا يمكن أن يتناسب مع الوقائع الجديدة، لكننا لا نتلمّس من هذا شيئاً.
لقد انبثق البيان الختامي للمجلس الوطني بعد مناقشات طويلة واستطاع في صياغته الأخيرة أن يحوز توافق الجميع، بعد أن اعتُبر بناءً على الوثائق الأساسية السابقة، وعلى التجربة العملية اللاحقة لها؛ فلماذا لا يكون أساساً للحوار في لحظتنا الجديدة، وتكون تجربة المجلس نفسها موضوعاً للمناقشة وتفكيك ما تعقّد فيها؟!
أو لماذا لا يعطي المختلفون وقتاً وحيّزاً كافياً للحوار والتوافق والتنسيق على ما يمكن الاتفاق عليه، ونحن واثقون أنه سيكون جوهر ما يريده الجميع، سواء اعتبروه هدفاً مركزياً أو سابقاً أو جوهرياً أو واحداً.. أو ما يشاؤون؟!
أمّا من لا يجد في نفسه القدرة على الحوار البنّاء، وتمنعه قوة العادة أو شدّة الإخلاص لبرنامجه- كاملاً- أو التعلّق بما يجعله مختلفاً، عن تحمّل صعوبة الحوار ومرارة الصبر في ممارسته، فيستطيع أن يبتعد خطوة نسبية، من دون أن يساهم بعمليات التحريض والتشجيع الصاخبة في تأخير وعرقلة ما أصبح بالغ الأهمية لحالتنا.. قبل أن يملّ شعبنا ويغرق في المزيد من اليأس والإحباط!
وهذا ينبع كله من الحرص على ألاّ نصل إلى ذلك، ومن الإحساس بوحدة القضية والمصير.. ومن التواضع أمام الهدف الكبير!
موقع النداء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى