رداً على صالح دياب حول أنطولوجيا الشعر السوري: تقديس المنجز الشخصي و إلغاء الآخر
رشا عمران
مع أنني لم أكن أنوي الرد إطلاقا على اتهامات الشاعر صالح دياب لي إثر صدور انطولوجيا الشعر السوري للمرحلة الممتدة منذ عام 1980 وحتى 2008 والتي كلفتني بإعدادها الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008، غير أن تمادي صالح دياب في تشويه الحقائق عني، وإعادة نشر المقال مرة أخرى في «السفير»، وحذفه لبعض العبارات موضوع الخلاف من نسخة مقالته المرسلة إلى «السفير» «(تعالي نعمل طفلا) هي بالأساس (تعالي لنعمل طفلا بكبوت وبلا كبوت) فهل مارس رقابة على نصه أم «السفير» قررت الحذف؟»، والإساءة لي ولاسمي وتقديم حيثيات غير دقيقة عني، وتلفيق اتهامات بلا أي دليل ملموس، وتحويل الأمر إلى قضية كبرى تسيء إلى تجربته وإلى منجزه الشعري الذي يحتاج إلى وقت طويل، كحال كل أبناء جيلنا الشعري، ليصبح منجزا حقيقيا وشبه مكتمل، دفعني إلى الرد لتصحيح بعض الحقائق.
يبني صالح دياب مقاله على معلومة خاطئة يسوقها بثقة العارف دون أي تردد، يقول: (تتنكب السيدة عمران عمل انطولوجيا عن الشعر السوري، هي التي تعمل رقيبة في اتحاد الكتاب العرب. من الواضح تماما أن الشخصية التي تلبستها في عمل هذا الكتاب هي شخصية الرقيبة الأخلاقية التي تقص وتحذف. شخصية الموظفة في الاتحاد، التي تدافع عن الذوق العام السائد، وتسهر على حياء وحشمة المجتمع). أولا أنا لا أعمل رقيبة في اتحاد الكتاب ولست عضواً في هذا الاتحاد، لم أكن سابقا ولن أكون يوما، وببحث بسيط يمكن لأي كان أن يعرف أن الرقابة في الاتحاد محصورة بأعضائه حصرا، وإن كان اتهاما لي بأنني موظفة في الاتحاد، فيجب أن يعمم هذا الاتهام على كل الشعب السوري الذي يعمل في مؤسسات الدولة ودوائرها والذي لم يعرف كيف يخترع لنفسه تاريخا نضاليا سياسيا واجتماعيا ولو مزورا وكاذبا كي يحظى بشرف اللجوء السياسي والإنساني إلى دول «العالم الحر و حقوق الإنسان!!»، كما هي حال السيد صالح دياب!!
فضيحة؟
ثمة ما هو مبيت سابقا لدى صالح دياب للإساءة لي، إذ بمجرد نشر الأنطولوجيا على موقع جهة الشعر ليوم واحد فقط أرسل مقاله الى الصحافة دون ان يتاح له الوقت للاطلاع عليها بالكامل والا لكان انتبه، إن كان مطلعا على تجارب غيره من شعراء سوريا، أنه ما من قصيدة إطلاقا تحمل أي إهداء في الانطولوجيا مع أن هناك العديد من القصائد المختارة مهداة أساسا إلى آخرين. إذاً خطابه في مقاله عن حذفي لإهداء قصيدته إلى «يوسف عبدلكي وكل الذين يحبهم»، واعتباره ذلك رقابة سياسية من قبلي، كون عبدلكي معارضا للسلطة السياسية التي يحاول دياب أن يلمح الى أنني أمثلها، هو خطاب ساقط ومفضوح الغاية والنية!!
ويتهمني بأنني مارست رقابة على نصوصه، علما بأن كل من له علاقة بالكتابة يعرف أن ثمة هيئات رقابية متعددة تخضع لها كل الكتب التي ستنشر أو توزع ضمن سوريا، لا أعرف لماذا ستكون الانطولوجيا مستثناة من هذا الشرط!!! الرقابة حذفت أكثر من مقطع من قصائد عديدة منها قصيدة للشاعر خضر الأغا، علم الأغا أن الحذف أساء لقصيدته ولم يخترع فضيحة كتلك التي اخترعها صالح دياب. وقد كنت الوحيدة في سوريا التي كتبت ضد الرقابة ودفاعا عن قصيدة الأغا، حين نشرت في إحدى الصحف السورية وأثيرت حولها ضجة تناولت شخص الشاعر أكثر مما تناولت نصه، كما أنني عانيت من الرقابة بما يكفي، سواء في إلغاء مقالات لي أو رفض كتبي، حتى أنني فصلت من عملي لمدة أربع سنوات حين قمت بدعوة أدونيس إلى مهرجان الملاجة الثقافي الذي أنظمه في قريتي. لم يتنطح وقتها لا صالح دياب ولا غيره من المثقفين الحريصين على حرية الثقافة والفكر للدفاع عني أو الكتابة عن هذا الأمر، ولم أستثمر هذه القصة لأبدو كضحية للسلطة أو أسجل موقفا أنبه فيه إلى بطولاتي!! أسوق هذا الكلام لأدلل على أنني لا في حياتي الشخصية ولا العملية كنت مع الرقابة، بل كان شغل حياتي كله هو محاولة للتملص منها بشتى الوسائل والطرق، لا الخضوع لها وتكريسها!!
وعلى فرض أنني أنا من قام بعملية الحذف، أنا معدة للانطولوجيا والمختارات وبالتالي ذائقتي هي التي ستكون الحكم في الاختيار، ويحق لي كمعدة أن أختار ما أشاء من النص الذي أمامي، طالما أن ما استغنيت عنه لا يؤثر حذفه على سياق النص وعلى بنية القصيدة!! حين أصدر الشاعر السوري محمد عضيمة دواوين الشعر العربي اختار جملا من مقاطع من قصائد واستبدل مفردات بأخرى ووضع عناوين جديدة من اختراعه، لم تقم قيامة أحد ولم تثر ثائرة أي شاعر سوري أو عربي و لم يعتبر أحد أن نصه تعرض للتشويه!! كما أن صالح دياب نفسه كُلّف العام ما قبل الفائت بإعداد انطولوجيا عن الشعر السوري لتكون ضمن منشورات الجزائر عاصمة ثقافية 2007، وذائقته حذفت الكثيرين، منهم أنا، ولم يعترض أحد على هذا الأمر، لا أنا ولا غيري، حتى أن ذائقته كانت صريحة في مقاله، موضوع الرد، حين انتزع عني صفة الشاعرة طيلة المقال واكتفى بلقب السيدة رشا عمران!! ولم يعلق أحد من متبني قضيته على هذا أيضا!!
قراءة نقدية؟
ما الذي يجعل الصحافة العربية تتبنى اتهامات صالح دياب وأكاذيبه؟ هل لكونه أحد المقربين من لجنة مهرجان لوديف؟! أم هي محاولات الإساءة المتكررة للمثقفين السوريين المنشغلين بالفعل الثقافي الجدي بعيدا عن موجة البيانات، وبعيدا عن شللية المتبجحين بالمعارضة، حين يكونون خارج سوريا، والداخلين في علاقات مع السلطة بكل أشكالها داخلها!!
لن أرد على صالح دياب في تجريحه الشخصي لي، واعتباري بذائقة تقليدية وغير مؤهلة لا أدبيا ولا معرفيا لإعداد انطولوجيا كهذه، (لا أعرف ما المؤهلات التي يملكها هو وغير متوافرة عندي تتيح له أن يعد انطولوجيا عن الشعر السوري ولا يحق لي أنا ذلك)، ولن أرد على خبرية أنني أجلس في المقهى يوميا وأقضي وقتي كأي «ست بيت» لا هم لها غير الطبخ والنفخ الخ… فمن أين لي أن أعرف شيئا عن الشعر!! دون أن ينتبه إلى التناقض الذي وقع فيه حين اعتبرني في سياق المقال أطالب بالفصل الجنسي للمقاهي، أو أطالب بتحريم المقهى للنساء، ثم يعيرني بأنني أجلس في مقهى الروضة!!
أما بخصوص أنني قد أخطأت بتقدير عمره فأعتذر منه على هذا الخطأ الفادح، الذي وقع فيه هو أيضا في الانطولوجيا التي أعدها، مع أكثر من شاعر، منهم الشاعرة مرام المصري المقيمة في فرنسا، وكان سهلا عليه سؤالها عن تاريخ ميلادها وهي الصديقة المقربة منه، وهذا ما ليس واردا أن يكون بيني بينه لا في السابق ولا في اللاحق!!
أعرف أن ثمة أخطاء في الانطولوجيا، إذ ما من عمل يمكن أن يكون كاملا، لا سيما إذا كان فرديا، وبهذا الحجم، وضمن الظرف المتاح، والهامش الضيق للنفاذ من رقابة متدرجة، تبدأ في سوريا أحيانا من المدقق اللغوي، لتنتهي بالمجتمع الذي قد يمثله صاحب مكتبة أو قارئ عابر أو أي شخص كان!! على الأقل في هذه الانطولوجيا تم تجاوز الكثير من الممنوع عادة، بدءا من بعض الأسماء المختارة، وانتهاء بجرأة العديد من النصوص على اختراق المحرم: سياسيا واجتماعيا ودينيا!!
كان من الإنصاف للجهد المبذول ولمختارات الثلاثة وستين شاعراً سورياً، لو أن صالح دياب اطلع على الانطولوجيا كاملة، وقدم قراءة نقدية وافية عنها، بما لها وما عليها، لما كان وقع في مغطس تقديس المنجز الشخصي وتحريم المساس به، ولكان ساهم في التعريف بالكثير من شعراء سوريا المسكوت عن تجاربهم إعلاميا، ما دام له هذه الدالة على الصحافة العربية!! أم أنها الحالة السورية التي ترافق حتى المقيمين في الخارج، الحالة السورية التي لا تعترف بجهد السوري الآخر، ولا تعترف بالسوري المختلف، وتحاول إلغاءه بأساليب مختلفة لا تبتعد في جوهرها عن أساليب مؤسسات السلطة الثقافية والمنتمين إليها، بل يبدو في الكثير من الأحيان أنها أساليب متقابلة ومتداخلة ومتشابكة حتى الاندماج.
(شاعرة سورية)
خاص – صفحات سورية –