صفحات سورية

الاستقلال الذي يُشتهي ولا يأتي

null


عمار ديوب

شكلت مرحلة الاستقلال عن الاستعمار مرحلة فاصلة في تاريخ الشعوب المتأخرة /المتخلفة.حيث بدأت تسارع الخطى نحو دولة حديثة.إلا أن دولتنا السورية التي تربعت على عرشها البرجوازية التقليدية لم تستطع السير بالاستقلال نحو مستويات مجتمعية كلية. فجاء الاستقلال-هامشياً- سياسياً وليس اقتصادياً أو قومياً.وبالتالي وبمجرد الاستقلال.
لم يُعمل من أجل تنفيذ الاستحقاقات.وقبل ذلك أيضاً،حيث كانت القومية بالضد من العثمانية ومن ثم بالضد من الفرنسة وبالحالتين من أجل تحقيق مصالح أعيان دمشق تحديداً. ولم تكن من أجل دولة عربية موحدة.وبالتالي الاستقلال أتى قطرياً ولم يكن له أبعاد قومية.وفلسطين كانت قد أصبحت تقريباً مستعمرة صهيونية والفلاحين الذين بذلوا الغالي والرخيص خدمة لأعيان المدن أو في الثورات كان نصيبهم بعد الاستقلال كما قبل الاستقلال.وبالتالي حزمت الطبقة التقليدية أمرها وذهبت نحو الموت حين لم تستجب للمهمات التاريخية الملقاة على عاتقها(في سورية ومصر والعراق والجزائر).

بالمقابل صعدت قوى جديدة إلى السياسة حتى قبل موت البرجوازية الكبيرة وتمثلت بصفة خاصة في البرلمان الذي غزتّه القوى القومية والشيوعية عام 1954 في الانتخابات البرلمانية في سوريا. ومع هذا الصعود على أرضية التشدد في المسألة القومية والوحدة العربية وفي استعادة فلسطين وإنصاف الفلاحين كان لا بد للتاريخ أن ينصف هؤلاء.وهو ما كان بعد لأي وتعرج امتد من 1946 إلى 1963 وتوطد حينئذ ولكنه لم يستمر كذلك إلّا إلى عام 1970 وحينها تمت عملية تصفية كل المعارضين الجادين وبناء الدولة الأمنية الشمولية.هذا الوضع ترافق معه تحوّل في الاقتصاد والتعليم والتضييق المستمر في الحريات ،بما يخدم مصالح الطبقة المسيطرة..

ولكن ومن جهة أخرى صفّيت أحلام الدولة العربية أو قضية استرجاع فلسطين .وبالتالي انتقلنا إلى الدولة القطرية كما حال السعودية ولبنان والمغرب وتونس لا أكثر ولا أقل خدمة لطبقة صاعدة ما تنفك تستفيد من أرث 1963 وتبني عليه وتمعن في تصفيته بالتدريج عبر ما يسمى باليات النهب والفساد والشراكة مع تجار المدن.

إذن، كل صخب الخمسينيات والستينيات لم يُحدث استقلال فعلي في الاقتصاد فبقي الاقتصاد متخلف وهامشي وكذلك البنية الاجتماعية.وهو ما سمح لاحقاً بالعودة التدريجية إلى الارتباط الاقتصادي بالاقتصاد العالمي والذي تسارع في بداية العقد الأخير ولم يؤخر ذلك إلّا إصلاحات 1963 والدعم السوفييتي وكذلك السعودي بعد حرب 1973 . وأخيراً وليس آخراً الشروط الأمريكية بما يحوّل النظام السوري إلى أداة مطواعة وبوظائف تحت الطلب.ونزع أية اعتبارات إقليمية كانت له سابقاً والخضوع إلى مفهوم الفوضى الخلاقة وتشكيل نظام سياسي طائفي علني وصريح ووفقاً للتوزع المذهبي في سوريا.

لا مناص من القول أنه : بتراكم السنوات،فقدنا الوطنية الشعبية حيث أصبحت محتكرة لصالح السلطة والايدولوجيا وكذلك القومية وتمت عملية الانكفاء على إصلاحات التأميم والإصلاح الزراعي والتعليم العام وما سمي الاشتراكية إلى المشاريع الصناعية والتجارية الخاصة وتراجع ملكيات الفلاحين الفقراء لصالح الأثرياء وتتم عملية خصخصة التعليم بدون توقف وكذلك بما يخص المؤسسات الصحية وغيرها.

ونستطيع القول: من الاستقلال الذي كان عزيزاً على قلوب السوريين لم يبقى إلا الاحتفال السنوي الذي تقيمه السلطة وأما في وجدان الناس فقد أصبح أمراً لا يثير أية عواطف،وإن كان يُستغل للقيام ببعض الرحل والنزهات للتمتع بالربيع والطبيعة والوصول إلى مناطق غير مسموح الوصول إليها في بقية أيام السنة.وبالتالي وبتأميم السياسة والاقتصاد والثقافة والاستقلال كذكرى ، لم يبقى للبشر إلا البحث عن الطعام والعمل والتعليم والثروة. وباعتبار الطعام يشهد قلةً لا محدودة وفقراً مدقعاً للأغلبية الشعبية والعمل نادرةٌ فرصه والتعليم من سيء إلى أسؤ وعلى كل المستويات والثروة أصبحت بحكم المؤممة ولكن ليس لصالح الدولة بل لصالح طبقة جديدة صاعدة ،وقد صعدت عن طريق الدولة،حيث الأخيرة مصدرة الثروة والطبقة الجديدة . ومن مصلحتها التعامل مع السوق العالمية والانخراط من موقع الوسيط التجاري لا غير .فإن سوريا تكاد أن تكون أصبحت بلا استقلال،لا سياسي ولا اقتصادي .وبغياب ذلك تشهد سوريا مشروعاً أصولياً وطائفياً يتغذى برؤى ليبرالية دينية وتبرير دائم من قبل بعض المثقفين السياسيين الليبراليين؛ ثأراً من سلطة شمولية ما تنفك تدير ظهرها للاستقلال وللشعب وللاستحقاقات الداخلية ووجهها للانخراط في السوق العالمية.

وإذ كان المشروع الأمريكي الصهيوني يحاول تدعيم سيطرته فإن دوام هذه السيطرة مرتبط برؤية سياسية ،تطيح بكل ما له علاقة بالدولة الوطنية التسلطية وباعتبار الأخيرة لا علاقة لها بأي سلطة شرعية شعبية فإن دولنا واستقلالنا يكون على قاب قوسين أو أدنى من السقوط.وبالتالي فشلت البرجوازية التقليدية المحافظة في الحفاظ على الاستقلال ولم تشيّده البرجوازية الصغيرة على أرض صناعية أو شعبية أو سياسية ووصلت إلى أن أصبحت كبيرة وعند ذاك وصلنا إلى فقدان الاستقلال من جديد،وهو يكاد يرى بالعين المجردة ، إن بقيت أوضاعنا على ما هي عليه.

ربما نحتفل هذا العام بذكرى استقلال ما،. ولكننا بالتأكيد لن نكون مستقلين وربما كما جرى في العراق وكما لا يزال في فلسطين وما نراه من أنظمة عربية أخرى سيكون مصيرنا. وبالتالي وبعد أن أضعنا شيئاً يشبه الاستقلال، سنضيّع بالتأكيد ذكرى الاستقلال . وعندها ستكون سوريا أمام حقيقة مؤلمة وهي العمل من اجل الاستقلال الذي يشتهي ولا يأتي.

الحوار المتمدن

2008 / 4 / 17

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى