ايران عقدة عقد اوباما
محمد ابراهيم
مع خروج الرئيس الاميركي الجديد باراك اوباما في جولته العالمية الاولى، وإفصاحه عن مجموعة من المواقف الخاصة بالسياسة الخارجية الاميركية، اتضح اكثر فاكثر ان سياسته الايرانية تشكل “عقدة العقد”.
ففي براغ ربط اوباما بين الاستمرار في مشروع الدرع الصاروخية التي ستنشر في تشيكيا وبولونيا باستمرار المشروع النووي الايراني وقدرات طهران الصاروخية.
ومع انه يجيب بذلك بطريق غير مباشر على المطلب الروسي إلغاء المشروع او الاشراف المشترك عليه، فانه وضع طهران في قلب العلاقات الروسية – الاميركية.
موسكو التي تهدد بان مشروع الدرع الاميركية في اوروبا يهدد باطلاق سباق تسلح جديد، بات امامها خيار (اميركي) بالتعاون لوضع نهاية لما تعتبره واشنطن التهديد الابرز، ربما مع تصاعد القدرات الباليستية الكورية الشمالية.
في المقابل كان لافتا تركيز اوباما في اعلان استراتيجيته الجديدة حيال افغانستان، الدور الذي يتصوره لـ”الجيران”، والمقصود بذلك، طهران اولا.
واذا اردنا تلخيص الاستراتيجية الجديدة يمكن القول انها مفاجئة من ناحية مقدار القوة التي تخصصها الادارة الجديدة لإحراز التغيير المطلوب في معطيات المعركة هناك. فمن الناحية العسكرية، ليست هناك خطط لزيادات جوهرية في الجنود، والتركيز الابرز هو على تدريب القوات الافغانية، وخصوصا الشرطة، وعلى البرامج المدنية. مما يعني ان اوباما، الذي لا يتوقع الكثير من شركائه في الحلف الاطلسي، يعني ما يقوله عندما يركز على الجيران.
لكنه لا يبدو مفهوما كيف سيتمكن الرئيس الاميركي من ممارسة سياستين متناقضتين في الوقت نفسه: سياسة عزل ايران بعون روسي وسياسة “النصر” في افغانستان بعون ايراني. الا اذا كان صحيحا ما ينسبه اليه بعض المحللين من انه يعرض صفقة على احد الطرفين يبادر اليها على حساب الآخر.
المجال الثالث الذي سيكون مفتوحا على العقدة الايرانية هو بالتأكيد، سياسة الحكومة الاسرائيلية الجديدة. فهذه الحكومة تعرف ان لا شيء لديها تقدمه للفلسطينيين، وهي لا تستطيع ان تدخل في لعبة المسارات العربية بمعنى التلويح او الانخراط في المسار السوري للخلاص من تبعات المسار الفلسطيني.
الحكومة الاسرائيلية الجديدة توحي منذ الآن انها بصدد ممارسة تغيير الاولويات في اتجاه ايران. وبهذا المعنى فانها “ترمي” ايران في وجه الولايات المتحدة، مثلما يرمي اوباما في وجهها سياسة “الدولتين لشعبين”، اسرائيل وفلسطين.
تركيز حكومة نتنياهو على الخطر الايراني ينقلها من حكومة معزولة الى الناطق باسم الشعب الاسرائيلي وقواه السياسية مجتمعة، باعتبار ان الخطر النووي الايراني هو ابرز خطر تواجهه اسرائيل منذ تأسيسها.
وبهذا المعنى سيكون نتنياهو في موقع ابتزاز الرئيس الاميركي بجعل الخيار العسكري الاسرائيلي في وجه المشروع النووي الايراني ورقة مطروحة دوما للمساومة كلما اشتدت الضغوط الاميركية في ميدان التنازلات المطلوبة من اسرائيل فلسطينيا.
والحقيقة ان الأمر يتجاوز مجرد الابتزاز الى توافق اسرائيلي على ان الاولويات قد انقلبت وانه في سلم الخطوات التي تضمن سلامة الكيان يأتي التخلص من القدرات النووية الايرانية وليس السلام مع العرب.
اوباما الذي اختار تركيا للاطلالة على العالم الاسلامي، بغصن الزيتون، كان يلوح بطريق غير مباشر لايران بانه يملك قاعدة “اسلامية” راسخة في حال تدهورت العلاقات لمصلحة تقديم المواجهة مع طهران على عروض الانفتاح التي لا تلاقي الصدى المطلوب.
والامر لا يتعلق فقط بالنموذج وانما بتقديم القوة الموازنة المقنعة لطهران، بعدما لم يعد في العالم العربي ما يستطيع ان يشكل هذه القوة، بعد المسلسل التاريخي لانهيار مواقع القوة العربية.
لا تستطيع ايران ان تتجاهل عروض التوازنات الاقليمية الجدية متى اصبحت سياسة اميركية رسمية، بسهولة تصديها لعنتريات الادارة الاميركية السابقة التي كانت واقفة على “رمال اقليمية” متحركة.
اوباما، المؤمن فعلا، بحظر انتشار الاسلحة النووية، وصولا الى نزع السلاح النووي، اراد من استعادة هذه الشعارات ان يقدم مخرجا لائقا لطهران التي يمكن ان تنعطف بسياساتها النووية في عالم يتجه الى… نزع الاسلحة.
اما اذا اعتبرت طهران ان سياستها الخارجية تبدأ وتنتهي عند المشروع النووي، فعندها تبدو كل “الخطوات” الاميركية هي في اتجاه اعطاء الاولوية لعزل ايران، من جديد.
النهار