ديموقراطية سوريا واستقلال لبنان في قراءات المثقفين الأكراد السوريين
اعداد: جهاد صالح
(الإستقلال الواجب إعادة بنائه في لبنان قد يكون أحد الشروط الأساسية لقيام الديمقراطية في سوريا)
الشهيد سمير قصير
منذ السبعينات حاول نظام الأسد أن يجعل بيروت حديقة خلفية له، يفعل بها مايشاء،لكن هذه العبثية المجنونة تحطمت وتلاشت في ربيع 2005 وانهارت المؤسسة الأمنية البوليسية ببساطة تحت صرخات أصوات الحرية والإستقلال.
الفرحة بانتفاضة الإستقلال التي ما زالت مستمرة، تجاوزت الهوية اللبنانية الوطنية إلى ما وراء الحدود ووصلت حتى أقصى شمال شرقي سوريا حيث المنطقة الكوردية، حين أظهر الناس البسطاء والنخب المثقفة والنشطاء السياسييون الكورد تعبيرات جميلة في ذلك سواء في كتاباتهم أو جلساتهم أو دردشاتهم اليومية، ذلك الحب الجميل لبيروت وشعبها وحريتها، والتي هي لوحة متكاملة لانتفاضة الإستقلال التي أتت متقاطعة في الزمان والمكان والتراجيديا والشخوص مع انتفاضات الحرية والديمقراطية في عموم الوطن السوري، فكان هناك ربيع دمشق 2000، ومن ثم مظاهرة اليوم العالمي لحقوق الانسان 2002 التي قادها حزب يكيتي الكردي في سوريا، والتي تعتبر أول مظاهرة في وجه الاستبداد، وغيرها من المظاهرات التي تلتها والتي تكاملت في كينونتها السياسية والزمنية إلى انتفاضة قامشلوالسلمية 12آذار 2004، وسقوط 45 شهيدا كورديا برصاص المخابرات والبوليس السوري، ولكن استمرت المظاهرات والإعتصامات حتى يومنا رغم العنف والقمع والقتل والتنكيل.
جاء ربيع بيروت في آذار 2005، وكأن الإرادة الإلهية قد اختارت الوطنين سوريا ولبنان كأرض للإنتفاضات ولربيع يحمل معه الورد المخضّب بلون دم الشهداء، وما زالت الانتفاضة مستمرة في كلا البلدين ومتلازمتين في المصير والهدف والقدر.. فحرية لبنان واستقلالها ستحمل مع الريح كرنفالات لدى السوريين لأجل أن يزهر ربيعهم المكلل بالقيود والأصفاد وثقافات القمع والإغتيال والصلب والمعتقلات، حرية حمراء تنحني بكبريائها أمام الوطن المقدس، وليتحول الماضي الأ ليم وحاضره إلى ديمقراطية تصون الإنسان وحرياته، ليحل مكان السجن الكبير دولة سوريا المدنية الديمقراطية.
سوريا ولبنان توأمان لتربة خصبة لاتزرع فيها سوى شتلات الحرية والإستقلال والديمقراطية التي هي خبز ونبيذ وملح سيداوي جراحات الأيام المظلمة.
فماذا في حقائب المثقفين الكورد السوريين حول الديمقراطية والربيع والحرية.
حنيف يوسف: ناشط وسجين سياسي سابق
كان من المفترض أن لا يحتاج الأمر إلى حادث إغتيال سياسي لشخصية سياسية مؤثرة بوزن رفيق الحريري، كي تتحرك غالبية المجتمع اللبناني ضد الوجود العسكري السوري الذي امتد لثلاثة عقود، ومع ذلك حدث ما حدث وكان للتحرك الدولي والعربي المتزامن والمساند للقوى المعارضة “الموالية بفعل الخوف قبل ذلك ” الدور المهم في نجاح تحرك المعارضة وانسحاب القوات السورية مجبَرة من دون زوال النفوذ السوري في لبنان من خلال القوى الحليفة الأبدية بدءاً من حزب الله وحركة أمل وبعض اليسار القومجي، وصولاً إلى مردة سليمان فرنجية و”الرفيق المناضل” عاصم قانصوه.
إن ديمقراطية سوريا ستكون لها تأثير كبير على استقلال لبنان وقبل ذلك خلاصاً للملايين من جحيم القمع والبؤس والخوف وأشكال الفساد والإنتهازية في سوريا ذاتها، والعكس صحيح أيضاً. لذلك يحاول النظام جاهداً ومعه حلفاؤه اللبنانيون لعرقلة مسار التحولات الديمقراطية أو إمكانيات ذلك.
ربحان رمضان: كاتب وناشط
إن لبنان لم يصبح “اكثر استقلالية” بعد خروج النظام السوري من لبنان (لأن النظام السوري دخل إلى لبنان بقرار اميركي، وخرج من لبنان بقرار اميركي). بل إن لبنان ـ الدولة أصبح أكثر تبعية لأميركا. أما لبنان الشعبي فأصبح “أكثر استقلالية“.
من المؤسف جدا جدا أن ما يسمى المعارضة السورية هي في خبر كان عن كل ذلك، وهي تتلهى بالقشور وليس بجوهر الأمور.
الشعب السوري المظلوم سيبقى احتياطيا كامنا للقوى التحررية اللبنانية والفلسطينية والعربية، أما النظام فقد كان وسيبقى احتياطا أميركيا ـ سريا – ولا شك أن الايرانيين، بالتنسيق مع المخابرات الروسية، قد فتحوا الآن “بازارا” كبيرا لشراء الضباط السوريين.
برأيي أن حلقة الصراع المركزية لجميع الفرق هي الصراع مع اميركا والصهيونية العالمية، وبالتأكيد ستبقى أميركا دولة غير صديقة لشعوب الشرق، وغير صديقة للحركة الكردية التي يجب عليها أن تفرق بين عدو، وصديق.. وبهذا سيكون مصير الأكراد مرتبط بمسألة: مع من تقف حركتهم السياسية.
” في قديم الزمان، حينما هاجم الرومانيون قرطاجة واشتبك الجيشان الفينيقي ـ القرطاجي مع الجيش الروماني في معركة زاما (201ق.م.) جند الأمازيغ فرسانهم الأشاوس وقاتلوا إلى جانب الرومان. وكان لهم، أي للأمازيغ ، الفضل الأول في سحق الجيش القرطاجي. ثم دمرت قرطاجة وبيع اهلها للنخاسين اليهود، الذين باعوهم عبيدا. ولكن… بعد أن “ارتاح” الرومان من قرطاجة، عمدوا إلى المملكة النوميدية الأمازيغية (أي: البربرية)، فمزقوها واستعبدوها مثلما فعلوا بأهل قرطاجة. وأصبحت كلمة بربري (barbar) في جميع القواميس الغربية تعني “المتوحش” أو “غير المتمدن”. واذا عمدت بعض القيادات الكردية المقررة، وسارت مع اميركا واسرائيل، فحتى لو بإعجوبة خارقة انتصرت اميركا بعد 100 سنة، وبعد سقوط 100 مليون عربي، فإن الاكراد لن يكون مصيرهم أفضل من مصير العرب اليوم، أو مصير الأمازيغ بعد قرطاجة“.
فبالرغم من تسلط السلطة السورية القوية على الشعبين السوري واللبناني، وقمع أجهزتها للأفراد والجماعات في كلا البلدين إلا أنه يجب أن لا ننسى بأن العدو الأساسي هو أميركا والصهيونية العالمية عدوة شعوب المنطقة.
أحب أن ألفت النظر إلى أنه ومنذ دخول الجيش السوري إلى لبنان عام 1976 أصدر البارتي اليساري الكردي، والذي تحول إسمه فيما بعد إلى حزب الإتحاد الشعبي الكردي في سوريا بيانا ً أدان فيه الغزو السوري للبنان، ووقف إلى جانب قواه الوطنية ضد ممارسات القمع والاستبداد التي مارستها أجهزته الأمنية بحق اللبنانيين خلال سنوات تواجده على الأراضي اللبنانية بحجة ردع المعتدي اللبناني على اللبناني،، حتى أصبح الكره ( وللأسف) يغلي في النفوس ضد كل من هو سوري.
لقد شارك تنظيم حزبنا في لبنان الشعب اللبناني محنته وساهم في القرار السياسي من خلال تواجده في المجلس الوطني للحركة الوطنية اللبنانية التي كان يقودها الزعيم الوطني كمال جنبلاط آنذاك. إن الحركة الوطنية الكردية تطمح، وتناضل من أجل الديمقراطية في سوريا لأنها مفتاح الحل للكثير من القضايا لوطنية العالقة.
واعتقد أن لو أن حدث أي تغيير باتجاه الديمقراطية سيستفيد منه وبالتأكيد السوريون قبل غيرهم، وستحل قضية الكرد (التي هي قضية وطنية بامتياز) في الاعتراف بهم كشعب وقومية ثانية في سوريا ضمن الدستور والقوانين التي توضع للبلاد، وسيفرج عن المعتقلين السياسيين وتلغى قوانين العسف وخاصة قانون الطوارئ السئ الصيت.
سيؤدي التغيير المرتقب الى استقلال لبنان وسيادته وحريته، وستتوقف عملية تصدير مشاكل البلد إلى الخارج..
مشعل التمو: كاتب وناشط
مفردة الربيع لدينا نحن السوريين، تثير الكثير من الهواجس والدلالات، وعادة الربيع يحل بعد الشتاء، وقد يكون الشتاء قارصا، ذو عواصف وكوارث وانهيارات ثلجية وأرضية، أو يكون معتدلا بأمطار خفيفة، ونحن في سوريا لا زال شتاءنا موحلا، ومغبرا، فلا هو ممطر ولا هو مثلج، بل عواصف رملية وانهيارات مجتمعية، فالقمع وهدر الإنسان بات لازمة حيوية لديمومة النظام الأمني، ونهب البشر والحجر وتغييب العقل وتخريب الوطن، مرتكز نظام البعث وملحقاته من سائر الأوبئة والسرطانات التي حلت علينا بامتياز المشروعية الثورية وتداعياتها، ولعل ما نعانيه كشعب سوري بعامة، وكشعب كوردي بخاصة، من مختلف سياسات البعث الأمنية، القمعية منها والصهرية، تجعل من بحثنا عن الحرية والديمقراطية هاجسا وحيدا، نسعى بإمكاناتنا البسيطة أن نصل إليه، رغم الكلفة الباهظة التي ندفعها كمثقفين وكتعبيرات سورية، تعمل على إنهاء الاستبداد وبناء دولة مدنية، تعددية وتعاقدية وتداولية.
حقيقة معاناتنا كسوريين وككورد من سياسة النظام الأمني واليات تعامله مع المجتمع، جعلتنا نحس بألم اللبنانيين، خاصة وهم الذين كان لديهم دائما فسحة وفضاء حر وديمقراطي، يمارسون فيه إنسانيتهم، فإذا كنا نتحسر على هامش الحرية في خمسينيات القرن المنصرم، فكيف لبنان وشعبه، فقد جربوا ما نتشربه يوميا، عل بعضهم يحس بألمنا وما نعانيه. . الدولة الأمنية التي شيدها العقل الأمني في سوريا، أباحت الإنسان وحولته إلى رقم وتابع، خانع ومستكين، تشرب بالخوف وتعلم بالرعب والبطش، فأصبحت ثقافة الخوف، علم يتوارثه الأجيال، وهذا العلم الذي أراد النظام تكريسه في لبنان بعد أن نجح في تعليب سوريا المواطن والوطن، أسقطته انتفاضة الاستقلال، وان بقيت ركائزه، لكن جاءت الدلالة بان أغلبية اللبنانيين، يرفضون الخنوع وثقافة الخوف، وكم ذكرتني انتفاضة اللبنانيين بانتفاضة الشعب الكوردي في آذار 2004، فالقاسم هو رفض الظلم والقمع وهدر الحريات وكسر حاجز الخوف، والفارق هو في لبنان كان هناك قيادة سياسية استطاعت رسم معالم طريق الحرية، بينما لم يكن لدى الكورد قيادة سياسية ولا إمكانات ذاتية ولا نقاط ارتكاز إقليمية ودولية.
ورغم التداعيات الكثيرة والمختلفة، لكني اعتقد بان المسار طويل، والوصول إليه، لا بد أن يمر بصيرورة ما قاله وما امن به سمير قصير، فلا اعتقد بان لبنان قد ينعم بالأمن والحرية والديمقراطية ودولة ذات سيادة، بمعزل عن سوريا ديمقراطية وتعددية، فمن الضرورة فهم العقل المدير للبلدين وكيف يفكر وماذا يفعل، وعلى ماذا تأسس؟ وما هي ركائز ديمومته، بمعنى هناك نظام امني، استبدادي، لا يرى لبنان ولا سوريا، بل مجرد مزارع ومداجن، رئيسة وخلفية، ويؤمن بان له مطلق الحق في البيع والشراء، وعلى هذا الإطلاق يبني إستراتيجيته وسياسته، ومن يعتقد بان استقلال لبنان ممكن بدون نظام ديمقراطي في سوريا، وليسمح لي السيد حسن نصر الله باقتباس كلمته.. “واهم واهم واهم“..
نديم يوسف: شاعر وناشط
بداية يجب معرفة حقيقة الفكر الشمولي الموجود والمتعشش في رأس أسياد جمهورية المخابرات والقائم على الغاء الآخر واغتياله ونفيه وتشريده دون ذنب، فقط لأنه أراد أن يكون حراً عزيزاً في زمن الشعارات البعثية المتعفنة منذ حوالي نصف قرن التي جلبت كل الآلام والويلات للنسيج السوري الجميل وعلى الشعبين السوري واللبناني. بل على كل الأحرار في العالم أن يفضح اساليب وسياسة النظام البعثي والتي طبخها مع النظام الملالي الدموي في طهران. ومن هذا المنطلق أقول لا ربيع في بيروت في وقت دفن واحترق واغتصب ربيع دمشق وثورة الياسمين على يد أشرس وأقبح ديكتاتورية في تاريخنا الحديث وايضاً لا سلم ولا ديمقراطية في لبنان قبل اخلاء الشعب السوري من سجون البعث. ومن هنا يجب على عاصمة الكلمة الحرة – بيروت – أن تحافظ على صورتها الجميلة التي هي صورة حقيقية للعيش المشترك وتعتبر نموذجاً رائعاً في شرقنا الأسود وأن تقرأ جيداً معاناة الانسان السوري بكورده وعربه وذلك لسد الطريق أمام الحاقدين على الشعبين السوري واللبناني.
فرحات علي: ناشط وسجين سياسي سابق
لا يمكن النظر إلى مجريات الأحداث في كلا البلدين بمعزل عن الآخر، وخاصة في الفترة التي سبقت الانتفاضتين الآذاريتين المتواليتين، في ظل حكم نظام واحد في كلا البلدين إضافة إلى روابط عديدة وعلى أكثر من صعيد بين الشعبين عبر التاريخ. وإن انتفاضة آذار2004 في قامشلو بسوريا حققت الكثير مما كان متوقعا وتعدت في تأثيراتها إلى خارج الحدود، وإن كسر جدار الخوف السلطوي لدى الشعب الكوردي انعكس على الواقع في لبنان.
وكانت للجريمة الإرهابية التي أودت بحياة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري محرك أساسي لانتفاضة آذار 2005 في لبنان وقيام انتفاضة الاستقلال والتي كانت من إحدى نتائجها الهامة أنها نجحت في إخراج الجيش السوري ومخابراته. إن رسالة الرابع عشر من آذار الشعبية كانت واضحة تماما في مطالبتها بمتابعة النضال والسير نحو التغيير مما يحتم على ثورة الحرية والربيع البيروتي الانتقال إلى نظام يتخذ من الديمقراطية والحريات عنوانا بديلا من النظام المقبور السيئ الصيت والسمعة. وهذا بالتأكيد سيكون له الأثر الكبير على الداخل السوري عموما وقد يتبادل الشعبين الأدوار.
سيروان قجو: شاعر وناشط ومراسل تلفزيوني
عندما كنا نرى الشباب والشابات اللبنانيين وهم يخرجون إلى ساحة الحرية وبيدهم الأعلام اللبنانية وقت إنتفاضة الإستقلال، كنا نمنّي النفس نحن الكورد بأن نرى مثل ذلك اليوم في ساحاتنا وشوارعنا لأننا نعاني مثلهم وربما أكثر من وطأة الجلاد، لذا أعتقد أن ربيع بيروت هو ربيع لدمشق وقامشلو.
كان سمير قصير محقاً عندما طرح هذا الفكر، لذا قامت يد الغدر والقمع بإسكات صوته و إغتيال كلمته. لكن ورغم ذلك ما زلنا وسنظل نردد هذه الجملة إلى أن تحظى كلٍ من لبنان وسوريا بحريتهما وإستقلالهما.
شيرزاد عادل اليزيدي: كاتب وناشط
لا شك أن انتفاضة الاستقلال اللبنانية في 14 آذار ( مارس ) 2005 شكلت ولا تزال مصدر الهام وتحفيز لكافة شعوب المنطقة المغلوبة على أمرها وفي مقدمها الشعب السوري بعربه وأكراده، الذي يتقاسم مع الشعب اللبناني منذ أكثر من ثلاثة عقود الألم والمعاناة،عبر دفعهما وبالدم ضريبة استمرار النظام التوتاليتاري في سدة السلطة في دمشق الذي ما آنفك يمعن عبر سياساته السلطوية القمعية المبرمجة في تدمير المجتمعين السوري واللبناني، ومحاولة مسخهما عبر إفراغهما من كافة قابليات التطور والازدهار والإبداع والسعي إلى حياة حرة سوية بعيدا عن أكاذيب البعثيين والخمينيين وهذياناتهم المضجرة والممجوجة عن “المعارك الوجودية” و”الوعود الصادقة” و”الانتصارات الإلهية” و”الحروب المفتوحة”… فالحال أن ذاك المشهد المليوني الحضاري الرائع لجماهير 14 آذار التي صنعت التاريخ في ذلك اليوم المفصلي المشهود من عام 2005 عندما دقت المسمار الأخير في نعش الاحتلال البعثي السوري للبنان، متحدية الخوف وبطش المخابرات السورية وملحقاتها اللبنانية. نقول أن ذلك المشهد الخلاب حتى بالمعايير البصرية الجمالية البحتة لازال عالقا وحاضرا بقوة في ذاكرة ووعي كل أحرار المنطقة والعالم.
والراهن أن 14 آذار بمعانيها القيمية العميقة هي ما يحول دون انزلاق لبنان إلى هاوية الحرب الأهلية – الإقليمية مجددا رغم المحاولات الحثيثة والمستميتة لجر اللبنانيين إليها منذ جريمة اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري وحتى يومنا هذا من قبل دمشق وطهران عبر أدواتهما المحلية في قوى 8 آذار مضافا إليها “المتفاهم” ميشال عون ( مع الاعتذار من حازم صاغية ). فما أحوج اللبنانيين في ظل هذه الظروف العصيبة التي تعصف بهم إلى التمسك أكثر فأكثر بروحية 14 آذار وقيمها الحضارية الراقية في مواجهة همجية المشروع الإيراني – السوري وظلاميته. إذ لامناص أمام اللبنانيين حيال هذه الهجمة السورية – الإيرانية الشرسة عليهم وعلى وطنهم إلا العمل على تكريس ثقافة 14 آذار والمضي في تمثلها بوصفها ثقافة الحياة و الحرية والتعددية والجمال، لمقارعة “ثقافة” الموت والتبعية والأحادية والظلام التي يرفع لواءها السيد حسن نصرالله، ويعمل مع صحبه من قوى 8 آذار على نشرها وتعميمها في لبنان وصولا إلى افتعال حرب أهلية جديدة، بما يؤدي إلى وأد التجربة الديموقراطية الاستقلالية التي دشنتها انتفاضة 14 آذار 2005. ويقينا أن لبنان البلد الوديع والجميل بتنوعه وتعدديته وإشعاعه الحضاري، لن يكتب له الخروج من دوامة القتل والتعطيل والتدمير الممنهج على يد نظام دمشق، إلا بعد زوال الفاشية البعثية في سورية وقيام نظام ديموقراطي تعددي فيها، بما يقود إلى حل وتسوية كافة المشكلات والعقد المتفجرة المستعصية التي كرسها وعمقها الاستبداد البعثي المديد إن في الداخل أوفي الخارج، وعلى رأسها القضية الكردية في سورية عبر حلها سلميا وديموقراطيا، وبما يدشن علاقات صحية ومميزة فعلا، وليس قولا فقط تقوم على التكافؤ والتكامل والتفاعل الخلاق بين البلدين الجارين أو الشقيقين إن شئت (سورية ولبنان) بعيدا عن شعارات البعث الفاشي المبتذلة حول “الأخوة القومية” و”وحدة المصير” و”شعب واحد في بلدين” و”سوا ربينا” وغيرها من انشائيات كاذبة ومنافقة لطالما استخدمت كغطاء للامعان في احتلال لبنان واستباحته وتدميره وتفكيك نسيجه الوطني والاجتماعي، بما يكرسه كبلد قاصر وتابع عاجز عن إدارة نفسه وتدبر شؤونه وأموره، ما يجعله في حاجة إلى رعاية الأخ البعثي الأكبر ووصايته. فقصارى القول أن زوال النظام التسلطي البعثي لصالح قيام نظام ديموقراطي في سورية هو الشرط الشارط لضمان استقلال لبنان واستقراره وصون تجربته الديموقراطية الناشئة بعد انتفاضة الاستقلال في 14 آذار، والتي ما آنفكت تعمل دمشق على تخريبها وتدميرها ليس انتقاما من لبنان واللبنانيين فحسب، بل وهذا الأهم لمنع السوريين من الاقتداء باللبنانيين في الانتفاض في وجه الاستبداد والتسلط وحكم العصابات المخابراتية، وللحؤول دون استلهامهم روحية 14 آذار التي هي وحدها قادرة على كسر جدار الخوف الرهيب في سورية وتحطيمه.
جان كورد: كاتب وناشط
الربط التاريخي المحكم من سائر النواحي الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية بين كل من سوريا ولبنان فرضا عليهما جملة من الشروط للاستمرار في حياة مشتركة على أساس الاحترام المتبادل، ولذلك فإن قيام نظام ديموقراطي سوري سيؤثر بشكل مباشر في الحياة اليومية اللبنانية، مثلما هو التأثير السلبي لوجود نظام غير ديموقراطي في سوريا، ونحن ندرك تماما الأخطار الكبيرة التي حدقت بسوريا وأضرت باقتصادها أثناء الحرب اللبنانية في القرن الماضي.
طبعا لايتم استقلال بلد ما دون ثورة استقلال أو بدون انسحاب القوات الأجنبية، وعدم انتصار ربيع دمشق الذي كان وللأسف أقصر ربيع في الحياة قد أساء إلى الوضع اللبناني أيضا باندحاره أمام الابتزاز السياسي الرسمي للنظام الحاكم، ولكن على العكس أيضا فإن انتصار الاستقلال اللبناني وازدهار ربيعه الوطني سيعود بالفائدة الكبرى على الشعب السوري، فقد كان لبنان ولايزال ملجأ لأحرار سوريا، والكلمة الجريئة السورية كانت في الماضي تجد في لبنان دائما مكانا للنشر، ولذا فإن لبنان كله مراقب سوريا ومعرض لخنق حرياته أيضا، ولقد رأينا كيف انطلقت الرصاصات الغادرة باتجاه حملة أفكار الحرية والاستقلال والربيع الحقيقي وتفجرت العربات التي كانت تحمل الرافضين للاستبداد وللكبت والتدخل الخارجي.
ولكن الشيء الذي لا أفهمه جيدا حتى الآن هو: كيف يتحالف بعض اليساريين اللبنانيين الذين يعشقون الحرية إلى هذه الدرجة مع من يصر على جعل لبنان أتونا مستمرا للحرب على اسرائيل في حين يرفض أن تطلق رصاصة واحدة ضدها من بلدان الجوار العربي لاسرائيل؟
وكيف يتحالف يساريون حداثيون وديموقراطيون مع سماويين محتكرين للرسالة الالهية وكأنهم خلفاء الله في الأرض، والخليفة يكون لغائب أو ميت، ولايزالون يؤمنون بأن “الإمام معصوم عن الخطأ”؟ هذا لا أفهمه حقيقة.
بشار العيسى : ناشط وفنان تشكيلي
منذ زمن طويل كانت بيروت تغلي على هدير صامت مثل ضجيج البحر، الأحياء والأزقة والناس العاديين كانوا قد ضاقوا بالاحتلال السوري المتخلف والفظ، نقول السوري لأن الكتلة الشعبية اللبنانية لم تؤطر دماغها بدوغما سياسية فلم تر في وجود الجنود وحواجز الجيش السوري وتصرفاتهم فضلا عن تدخل الجهاز الأمني السوري فيما يخص حياة الناس بأدق تفاصيلها بما في ذلك الشؤون اليومية ومن طلق وأخلاء والفصل في المنازعات غير تعبير الاحتلال السوري، تعبيرا عن قطيعة نفسية مع ما حاولت نخب لبنانية سياسية، بمسمى الحركة الوطنية اللبنانية، الترويج له على مدى سنين بأنه حضور وطني تقدمي للشقيقة سوريا لمساعدة لبنان.
هذه الإشكالية التاريخية التي ارتاحت لأحجيتها النخب السورية- اللبنانية (الوطنية) بين قوسين فوتت على البلدين ثلاثة عقود من التخلف عن إنجاز مهمة وطنية لم تكن تستقيم وشكل وحجم التدمير الذي تم في البلدين لمصلحة سلطة سورية فاسدة وقوى لبنانية مرتبطة بفتات موائد الطغاة على جانبي الحدود بين البلدين، نعم لقد تأخر الجميع، بل تخلفوا في الاعتراف بأن هناك احتلالا سوريا للبنان لأسباب ذات علاقة بالشجاعة السياسية و الأخلاقية.
لم يستسهل الوطني اللبناني القول باحتلال بلد عربي كما أغمض الوطني السوري عينيه بالتقية وحتى لا يدان من الحركة الوطنية اللبنانية بالفجور والعمل لمصلحة إسرائيل.
في سنين الحرب الأهلية اللبنانية وقعت أخطاء وحدثت تجاوزات وشـرّعت أفكار وسياسات تبين بعد السنين الطوال هول وحجم هذه الأخطاء ومفاعيل تلك السياسات والاعتداءات التي وقعت بحق جماعات وأفراد ودمرت عقول وفسخت روابط، والدليل أننا اليوم نرى تحالفات و تخندقات مشتركة لقوى وتعبيرات سياسية وطوائفية كانت فيما مضى في خنادق متواجهة تكفر إحداها الأخرى بالرصاص الحي والسواطير والأعمال الإرهابية التي طالت أبرياء خارج خنادقها.
منذ العام 1976 والسجون السورية على عديدها واتساعها ملآى بالوطنيين السوريين المعارضين لسلطة الأسد ونظامه لأنهم أدانوا احتلاله للبنان، انتفض الشارع السوري وقمعت نخبه، أعتقل الشيوعيون والإخوان المسلمين بالآلاف، فكانت مجزرة سجن تدمر الرهيبة سنة 1980 وتم تدمير مدينة حماة 1982 على رؤوس أهلها العزل كخاتمة لمسيرة دموية لسائر المدن السورية التي انتفضت على نظام الأسد الأب والتي أشعل شرارتها الاجتياح السوري للبنان 1976*.
منذ العام 1979 فوض بعض من الأخوة اللبنانيين على مختلف مشاربهم ومعتقداتهم وبعضا من اليسار الفلسطيني نفسه وكالات الدفاع عن النظام السوري باعتبار سوريا قلعة العروبة والتقدم ومنذ ذلك التاريخ والشعب السوري محكوم عليه بالحجر والوصاية يتحمل جرائم السلطة ونفاق الأخوة العروبيين.
في سنوات جمر المعارضة السورية في السجون والمنافي والملاحقات على مدى عقدين من السنين أحتلت فنادق شيراتون ومريديان وعنجر وقرداحة والأحياء الراقية في دمشق، بيوتات، ودارات مضيئة، لزعماء الحركة الوطنية اللبنانية وطوائفها على اختلاف مللهم ونحلهم، فضلا عن شيعة أهل البيت وآل المر والفرنجية وأيلي حبيقة جزار صبرا وشاتيلا حليف الحلف الثلاثي في صيغته الخدامية.
وفي الوقت الذي كانت الأجهزة الأمنية السورية تقضم الأرض شارعا فشارعا وتحتل الإرادات اللبنانية واحدة تلو الأخرى كانت البندقية السورية تنتقل من كتف فصيل لبناني إلى أخر. يومها لم يكن غازي كنعان و لم يكن رستم غزالة و كان بشار الأسد يومها صغيرا على ما يجري. بل كان محمد غانم وناجي جميل وعبد الحليم خدام وحافظ الأسد وحكمت الشهابي ورفعت الاسد، وهم الذين قتلوا كمال جنبلاط ليستفردوا بالساحة الوطنية اللبنانية، وهم اللذين أعطوا للاحتلال السوري في لبنان شرعيته الإقليمية برهانات دولية وهم الذين أشرفوا على تدميربيروت بين شرقية وغربية، وهم اللذين زرعوا الغربية بالمتفجرات والسيارات المفخخة والشرقية بالقصف المركز، وهم الذين أقاموا في طرابلس، المتاريس بين العلويين والسنة وهم الذين دفعوا أسعد حردان لاغتيال عميد الدفاع في حزبه “محمد سليم” ليوظف الشهادة القومية السورية في توكيل حزب الله بالرعاية الإيرانية مهمة البديل عن الولاء اللبناني. بعدما كانوا قد دمروا كفاحية الشعب السوري إلى درجة التجمد الكيفي.
واليوم، وبيروت تتقدم سائر البقاع اللبنانية في الاحتفال بذكرى انتفاضة استقلاله إثر المجزرة التي أودت بحياة نخبة من قياداته السياسية والإعلامية يتلمس الشعب اللبناني حجم جراحه، وانتفاضته تحاصر من النظام السوري وقوى الردة اللبنانية المرتبطة بها عضويا،يذهب تفكيري، إلى الشهيد “جبران تويني”، إذ لولا أسبقيته وشجاعته السياسية وطموحه الاستقلالي العنيد بالقطع مع ذلّ الاحتلال، لما انتبه الأخوة اللبنانيون الديمقراطيون التقدميون إلى أهمية ودور شقيقهم الشعب السوري ومعارضته الوطنية، وإن متأخرا فخير مما ألا تكون أبدا، يوم فتحت جريدة النهار صفحاتها ـ مشكورة ـ للصوت السوري المعارض على ضعفه، ولولاها لما تمّ لشجاعة الشهيد سمير قصير في أن تتألق في ملاقاة الرؤية المشتركة لتوأمة المسارين السوري اللبناني إلى الحرية، ضد الطغيان والنظام الاستبدادي الحاكم في سوريا ولبنان.
تحت الاحتلال السوري أصبح لبنان مختبرا تدجين القوى الديمقراطية السورية واللبنانية والفلسطينية، إليه هرب النظام السوري بمشاكله المتأزمة سلطويا لترويجها في السوق الإقليمية عبر وكالات محلية بالمفرق.
لقد تم في الخفاء والعلن ترويض الكتلة الشعبية اللبنانية ونخبها الوطنية على جرعات التماثل في الأوضاع على طرفي الحدود، بدأت بإعادة إنتاج المؤسسة الأمنية اللبنانية على شاكلة شقيقتها السورية ولم تنته بإعادة إنتاج جديدة للمجتمع اللبناني بعمليات التجنيس الخبيثة لتنفيس الضغط الداخلي إلى مرتع استخباراتي خارجي، لبنان ساحته ومتنفسه، وإشاعة الفساد والرشوة المنظمة برعاية جهاز الأمن والاستطلاع للوصول إلى تفريغ لبنان من شخصيته التاريخية المتميزة ببقايا ديكقراطية عصية على الإلغاء، ووأد مؤسسات المجتمع المدني بالاستعاضة عنها بصيغ كاريكاتورية مثل “المجلس الأعلى”، وبتعبير أدق كان الهدف هو إشاعة نموذج “شارل أيوب” و”وئام وهاب” و”أسعد حردان” في طول البلاد وعرضها، إلى أن خرجت الصرخة من وليد جنبلاط ومجلس المطارنة الموارنة ومن ثم الرئيس الحريري في صدى حشد وتعبئة “جبران تويني” وجريدة “النهار” للأسف توقفت هذه المحاولة في حدود استخدام البعض الثقافي كأتباع ووسائل ضغط إعلانية لم ترتق إلى علاقة استراتيجية سياسية مع المعارضة السورية بعمق سياسي في معركة واحدة تبدأ من “عين ديوار” على الدجلة ولا تنتهي إلا في راس الناقورة.
تعاطت النخب السورية بدورها، لانعدام شجاعة سياسية، بخطأ كبير وعقلية نفعية متواضعة الطموح على حجم مساحة صفحة جريدة النهار، مع “الاحتلال السوري للبنان” بمصطلحات رمادية بنصف الإيمان: التدخل السوري، الوجود السوري، إعادة تنظيم العلاقة السورية اللبنانية لما فيه مصلحة البلدين.
في الثمانينات والتسعينات وأيام طائف المعازل، وطائف الطوائف ضاع الصوت السوري في تهافت الوكيل اللبناني على الوليمة السورية التي عليها أعيد صياغة لبنان طائفيا بمرجعيات طائفية رجعية متخلفة شرعت وأطلقت من جديد يد النظام السوري في لبنان بالوكالة العربية الدولية التي تفتحت في خفر الباطن في حرب تحرير الكويت. صنفت الطائفة الشيعية دون غيرها، بمباركة الجميع، المستهان للمهمة الوطنية الوهمية التي لم تحتل إلا الإرادة اللبنانية وصادر تلك السورية لمهمة قومية مزيفةـ
نسأل هل كل شيء كان على ما يرام قبل التمديد للحود واغتيال الرئيس الحريري؟ هل كانت المشكلة تنحصر في عدم تنفيذ الطائف بهذا الشكل أو ذاك، كما يتفاصح بعض الأخوة اللبنانيين؟ أم في الذي أدى إلى أن يأتي اتفاق الطائف بالشكل الذي شرعن الاحتلال والإرادة السورية العليا في لبنان؟
للأسف يتباكى اليوم وكل يوم، البعض من القيادات اللبنانية لغاية لم ينزل الله بها من سلطان، من وقت لآخر على عروبة حافظ الأسد وتابعه خدام ومن ثم على نزاهة وحكمة غازي كنعان والوطني المخلص حكمت الشهابي، في حين يحمل كل من هؤلاء ملفا جرميا كبيرا بحق الشعبين اللبناني والسوري. أنهك شعبه ودمر اقتصاده وأهلك تعبيراته السياسية.
من غير المفهوم إصرار البعض اللبناني أن يستوعب الشعب السوري سيئات ومخاطر سلطته في خطيئة التمديد للحود وفي جريمة اغتيال الرئيس الحريري أو حصر جرائم الأجهزة الأمنية اللبنانية السورية في عدم تطبيق الطائف بالشكل المزبوط؟
واليوم ينظر السوريون باستغراب، إلى الوجبات السريعة التي تحاول بها قوى 14 آذار صياغة تحالفها مع القوى الوطنية السورية في صيغ انتقائية كما يحدث مع السيد “مأمون الحمصي” و”مكتب إعلان دمشق في بيروت” بطريقة لا تخدم الرجل ولا انتفاضة 14 شباط / آذار. إن الشكلية التي يتم بها استخدام اسم المعارضة السورية في مهزلة الدعاوية الإعلانية على غرار ما تفعله الأنظمة، لن تنقل الماء إلا إلى طاحونة السلطة السورية لأكثر من سبب وعلة، وبالتأكيد لا تخدم العمل الوطني السوري، تلك الاحتفالية الوقتية بالمعارضة كما يحدث مع السيد خدام، و”جبهة الخلاص” الضيف الدائم على قناة المستقبل أو الاستعراض/المحرقة، في حشر السيد “مأمون الحمصي” من واشنطن، في برنامج “قناة المستقبل” عن مسالة ترسيم الحدود في “مزارع شبعا” بين متخصصين لبنانيين، بطريقة لا تستقيم والنباهة توحي باستخدام المعارضة السورية بالآلية التي يتصرف بها النظام السوري في أتباعه في لبنان.
أن عملية استكمال استقلال لبنان واستنهاض ربيع بيروت، لا يكون إلا بالبناء على موقف استراتيجي يقوم على المشترك العام لمصلحة الشعبين السوري/ اللبناني. إذ بغير هذا البناء لا يمكن لرهانات تكتيكية المواجهة مع سلطة من وزن تلك السورية لحجم مصالحها في لبنان ولحجم وتنوع القوى اللبنانية المرتبطة مصلحيا وعقائديا مع النظام السوري. ولن يتم ذلك بدون إنجاز نهضة وطنية سورية لا تستطيع المعارضة السورية وحدها ولا تستطيع بضع مقالات في جريدة النهار أو ظهور وجوه مهترئة شعبيا على تلفزيون المستقبل. إن ما تحتاجه هذه العملية هو أن تضع قوى 14 آذار قدراتها الدولية والعربية، المالية واللوجستية في معركة استنهاض الشارع الوطني السوري لضرب النظام السوري في كعب أخيله، الساحة السورية وبغير هذا لن نرى غير الصراخ في الغابة. أن مسالة إقامة علاقات وروابط حقيقية مع الكتلة الشعبية السورية** تكتسب أهمية استراتيجية في عملية إنقاذ الساحة الوطنية في لبنان. كما أنه بدون تحرير الساحة اللبنانية لن تتم بنجاح عملية محاصرة النظام السوري بالشعب السوري.
لقد حان الوقت لنا جميعا، أن نتعلم من درس التاريخ، في أن السياسة لا تنجز بالشعارات اللفظية، وحتى تتحول السياسة إلى قوة مادية يلزمها حاضنة شعبية مجتمعية تنقلها من اللسان إلى الشارع، من القول إلى الحركة، من الوجدان إلى الميدان، ولا يتم هذا الأمر بغير البناء الأسس المنطقية لعمل كهذا، وأول هذه الأسس احترام عقل الناس ومشاعرهم. وإذا بقينا هكذا في الحركة الوطنية السورية مع التواضع في حجمها وقدرتها، كما في قوى الأغلبية اللبنانية ندور من حول قدور الطبخ القديمة فلن نأكل لحما بل سنجلد بالسياط مرة تلو الأخرى.
لا بد لممثلي الشعبين من الاعتراف الصريح ببعضهما، خارج حسابات الربح والخسارة والتبعية والاستخدام، والأجندات الوقتية الخاصة، لا بد من الاعتراف بأن هناك مشكلة تاريخية سورية/ لبنانيةمنذ استقلال البلدين، وان هناك صراعات وقوى على الساحتين وهناك مصالح ورؤى تتقاطع وتتفارق في أكثر من نقطة ومرحلة ولكن المشترك العام هو أهمية وضرورة بناء مداميك نهضة تقطع مع الاستبداد بإعادة المجتمعين إلى فسحة الديمقراطية بالمؤسسات لذا نقول بوجود معركة مشتركة بين قوى الشعبين لموجهة استراتيجية مع النظام السوري وهي لن تنتهي بالمحكمة لأنها لم تبدأ بالمحكمة واغتيال الرئيس الحريري، ولقطع الطريق على القوى المرتبطة به على أكثر من صعيد وهي قوى ليست بغير أهمية سواء في سوريا أم في لبنان.
أن العلاقة الشعبية السورية اللبنانية تعاني من خلل مزمن وتشوهات انعدام الثقة والريبة والنفعية وقيم الربح السريع لأسواق غير متكاملة، فالشعبان السوري واللبناني بحاجة إلى عملية إعادة التعارف و التصالح بعد كل هذي السنين المتأزمة والملوثة بعلاقة كانت تسير على رأسها بممثلين لا يمثلون إلا قلة على طرفي الحدود غيبت الكتلة الشعبية من ذوي المصالح اليومية على طرفي حدود الدولتين، خاصة وان العلاقة السورية اللبنانية لم تكن أبدا على ما يرام مثلما يريد قوله المفوض السياسي الدوغمائي. يعاني الشعبان والبلدان تاريخيا، من خلل في العلاقة بين المزاج العام السوري واللبناني، وهي ليست خصومات المهربين، بل توضعت دائما في تناقض المصالح بين برجوازيتين ونخب بلدين تفصل ساعة زمنية واحدة بين عاصمتيهما، وهي تصل إلى حساسية شعبية بين مجتمعين يرى أحدهما نفسه، تاريخيا، بوابة الغرب على الشرق. والآخر يرى في ذاته قلعة الشرق بوجه الغرب.
بدون مراجعة نقدية صحيحة وكاملة لا تقوم سياسات صحيحة على أنقاض تلك التي تشوهت في خزان النظام السوري. بدون إعادة تقييم للعلاقة الشعبية اللبنانية السورية، لا يمكن إرساء مداميك علاقة سليمة تشكل رافعة للعمل الوطني السوري ومن ثم اللبناني، من غير الارتكاز على نهوض الكتلة الشعبية السورية لن يكون هناك ديمقراطية في سورية وبالتالي لن تكون هناك ديمقراطية ولا حرية متحررة من استطالات النظام السوري الناخرة في جسد الدولة والمجتمع اللبناني. لا تستنهض الكتل الشعبية بالخطابات الحماسية ولا بردود الأفعال، ولا بفتات المال في صيغة مكاتب معارضة سياحية بطريقة الشقق المفروشة..
– صحافي وناشط سوري