صفحات ثقافية

الخوف من الموت

null
سامر أبو هوّاش
“ليس أنني أخشى الموت، كل ما في الأمر أنني لا أريد
أن أكون موجوداً عندما يحدث” (وودي ألن)

بعض الناس يقولون بالفعل إنهم لا يخشون الموت (الشجعان أو بالغو الجبن). بعضهم يذهبون أبعد من ذلك: إنهم توّاقون إلى الموت (السئمون). أو: أشعر أنني ميت أصلاً (اليائسون). أو أسوأ عبارة على الإطلاق: كلنا سنموت (المنطقيون + السئمون + البلداء). أو: لا أريد أن أموت عجوزاً (الشباب). أو: أريد أن أموت على فراشي (العجائز). أو: لا أريد أن أموت على الفراش (الشباب مرة أخرى). أو: إذا متّ (لاعبو القمار)… أو: أجمل طريقة للموت هي… (العبثيون أو الساخرون).
نبدو مشغولين بالتساوي، وربما بالتوازي، في تعريف الموت (الموت هو…) وفي تعريف أسوأ طريقة للموت.
أخشى الموت بالسرطان.
أيّ سرطان؟ سرطان المثانة، مثلاً، سرطان اللثة؟
هل هناك “سرطان القلب”، كأن يقال: المسكين أصيب بسرطان في قلبه، ثم انتقل سريعاً إلى جلده. أو: لو اكتشفوا بسرعة السرطان في قلبه لما وصل إلى مثانته. حرام.
أولئك الذين ينجون من الموت يجب إبعادهم فوراً عن المجتمع، على الأقلّ حتى لا يصدعوا رؤوسنا بما لم يختبروه من تجربة الموت. زياد رحباني ألمح بفطنته المعتادة إلى ذلك في “العقل زينة”: “ما في شي اسمو كنت متت… ع شوي كنت متت”. لم يكن الرجل يتحدث عن الموت أو الحرب، بل عن الرطانة، التي، لمن يختبرها، تستطيع أحياناً أن تكون أشدّ قسوة من الموت.
حلمت أنني متّ. يا للضجر!
حتى لو رويتَ لي أنكَ حلمتَ بأنكَ تتفجّر أشلاء، ثم ولدتَ من جديد، ثم تفجّرتَ أشلاء من جديد، فلن تتحرّك مشاعري، لأنك واقف قبالتي الآن بلحمك ودمك.
لماذا كلما قال أحدهم عبارة: إن أجمل طريقة للموت هي أن يموت الإنسان في نومه، يريد أن يشعرنا بأنه أول من اكتشف ذلك؟
لِمَ لا يدرك الجميع: الحديث عن الموت في حدّ ذاته أثريّ.
الذي يقول ذلك عن نفسه، ألا يقصد في حقيقة الأمر أنه مرتعب من الموت خلال كل الأوقات الأخرى التي لا يكون فيها نائماً؟
الذي يقول ذلك عن سواه: ألا يخجل من نفسه كونه يحسد إنساناً آخر على طريقة مفارقته الحياة؟
لا علاقة بين الموت ونشرات الأخبار. لا يمكنك أن تقول إن أسوأ طريقة للموت هي الحريق لأنك شاهدتَ للتوّ حادثاً مأسوياً في الأخبار يتعلق بهذا الأمر. ماذا عن الموت في الماء، وهي طريقة معاكسة تماماً للموت حرقاً؟
إذا قلتَ على سبيل المثال لا الحصر إن أسوأ طريقة للموت هي سقوط المصعد بك، فيجب ألاّ تفترض بذلك أنك حصلت على تعويذة من الموت بسقوط المصعد بك.
الذين يقولون: أسوأ طريقة للموت هي حادثة الطيران، يبرّرون ذلك بالقول: لأنه لا يمكنك أن تفعل شيئاً أو أن تهرب إلى أيّ مكان. هذا الرهاب كان يجب أن ينتهي تماماً بعد الحادي عشر من أيلول، فحالة الذين لم يستطيعوا الهرب إلى أيّ مكان، “أفضل” بكثير (فقط على سبيل المقارنة بين شناعتين) من حالة الذين استطاعوا الهرب… بالقفز من النافذة.
صدمتُ، فعلاً، عصفوراً بسيارتي. ولبرهة من الزمن فحسب تمكنتُ من رؤية الذهول على وجهه.
لماذا يجري عرض أخبار الذين يموتون بعد أن يلتهمهم حيوان مفترس ما في البرّ أو البحر، في أخبار المنوّعات والطرائف السريعة؟ هل أننا اعتدنا على التهام الحيوانات إلى درجة أننا ما عدنا نصدّق أن حيواناً يستطيع التهامنا؟
بصراحة، لم أحزن على العصفور الذي كاد أن يتسبّب بمقتلي.
يعرّف الكاتب المسرحي البريطاني توم ستوبارد الموت، ليس عبر ما هو بل عبر ما ليس هو: “الموت ليس رومنطيقياً. والموت ليس لعبة ستنتهي عما قريب. الموت ليس أيّ شيء. الموت ليس. إنه غياب الحضور، لا أكثر… الزمن اللامتناهي من اللا عودة. فجوة لا تستطيع أن تراها، وحين تهبّ الريح عبرها، فإنها لا تصدر صوتاً” ¶
النهار الثقافي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى