إعلان دمشق وأوهام المعارضة
محمد زكريا السقال
بداية لابد من تأكيد التأييد لإعلان دمشق والانخراط في سياق التفاعل مع الحركة الوطنية السورية ، رغم الكثير من العثرات والهواجس التي تنتاب الإعلان ، شرط أن يحقق الإعلان مساحة إبداء الرأي ورفع السوط والاعتراض والتحفظ مجسدا روح الديمقراطية في سياق نضاله لإحراز التغيير والظفر بالحريات السياسية وسيادة العدالة والقانون ، بما يعني كف تدخل الأجهزة الأمنية ورهاباتها المسلطة على رقاب شعبنا .
نؤكد ذلك من اجل تناول الإعلان والإرباكات التي خلقها عقد المجلس الوطني لإعلان دمشق عند بعض القوى ، التي من الواضح إن نتائج المجلس زادت من أزمتها بدل أن تبادر لدراسة النتائج التي أحرزها المؤتمر ، والظروف التي تعيشها ، بما يعني أن تتحرك لأخذ زمام المبادرة من جديد والانطلاق للدفاع عن وجهات نظرها وسياساتها ، بدل الانكفاء وتبادل التهم ولي عنق العملية السياسية لتصبح المعركة بين الأطراف المعنية بالتوافق وتقريب وجهات النظر ، من أجل الانطلاق لتحقيق أهدافها .
نعي تماما في سياق تناولنا لإعلان دمشق ، أنه لم يولد بظروف صحية ونعي أيضا التشويهات التي تلتف على الأدوات المولدة له جراء الوضع الاستثنائي المزمن الذي تعيشه سوريا وما قاسته القوى الوطنية من تنكيل وعذاب في المعتقلات والسجون ، ويكفي أن نقول إن المتغيرات التي حصلت والحركة الوطنية تدك في الأقبية والزنازين ، تشكل كما لايمكن استيعابه قياسا لسرعة تطور الأحداث والتراكمات الحاصلة كما أن القفزة النوعية للمركز الرأسمالي الذي استفردا بالعالم يستبيحه ويرتب إلحاقه ودمجه بسوقه وشركاته ، وانبطاح النظام العربي ، ولعبه رأس حربة لهذا المركز في تطويع المنطقة ، جعل آفاق تحقيق إنفراجات وآفاق للجماهير العربية عملية ميئوس منها .
ضمن هذه الظروف والمناخ الغير طبيعي وإنساني، يسجل لقوى الحركة الوطنية السورية الحيوية والنشاط في ابتكار مهام تمدين المجتمع و إبداع مهمة التغيير الديمقراطي .
، هذه المهمة التي إذا ما قدر لها أن تتحقق ، وضمن رؤية الإجماع الوطني التي حددها إطار إعلان دمشق الذي شمل مجمل القوى والشرائح والجمعيات والشخصيات الوطنية ، وهي الحفاظ على السيادة الوطنية وعدم الأستقواء بالخارج ، ستكون الكفيلة لإشاعة مناخ ، أقل ما يقال به أنه سيعيد الاعتبار للإنسان وللعقل ، المصان والمحمي بالقانون ، بما يساعد على قراءة هذه المتغيرات بطريقة أفضل والتوصل لحلول أقل خسارة وكلفة .
ندرك بداهة أن الخلل السياسي والوهم السياسي يشكل مادة للحوار والجدل وتفنيد الآراء على أرضية وطنية بعيدا عن منطق التخوين والاتهام ، هذا المنطق الذي يشكل ألف باء الأسبتداد والقمع الذي لا يريد لنا وحدة ويتربص خلافاتنا ويقمع مناضلينا .
فحيث يتوهم البعض الديمقراطية من الخارج ، غير مدركين ما ينتظر المنطقة من مشروع يستهدف ثرواتها ويعمل على تفتيتها وإثارة فتنها ، بالقدر الذي يظن الأخر أنه على مسافة من بناء دكتاتورية بروليتاريته المزعومة ، أو يتوهم أخر إننا على أبواب القدس وتحرير فلسطين قضية أيام ، لست من الذين لا يحلمون ، ولكن بالعمل السياسي هناك واقع يكسر ويلوي عنق الجميع بحقائقه ، والتي أقل ما يقال فيها إننا لا نمتلك زمام أمرنا وقرارنا بالحياة الكريمة ولا حتى بالعلاج عند ما نمرض ، لهذا فان استعادة كرامة الناس وحريتهم يشكل شرطا أساسيا للبدء بنقاش كل قضايانا وأمراضنا ، هل هذا المنطق لا يستدعي الحذر والخوف ، نعم ولكن بالقدر الذي تكون به ، هواجس السيادة والاستقلال والوحدة الوطنية حاضرة وممسوك بها ، بالقدر الذي يتحدد الطريق وضوحا وتبيان الحفر والعثرات لتجاوزها ، لذا من الضروري بل من الملح أن تنفض قوى دمشق للتغيير الديمقراطي الوهم
والمبالغة بتفكيرها ، والذي يعم كل قواها ، القوى التي تتوهم نصرة الخارج ودعمه ، وقوى اليسار الذي مازال يتسلح بإديولوجيا صنميه جامدة وغير مدركة للواقع ، لسنا ضد اليسار ، ولكن ماهو اليسار وكيف تتجلى محاكاته للواقع ، هل يعتقد اليسار أنه كلما أكثر من الصراخ عن الطبقات والمستغلين ،انه أصبح أكثر يسارية ، وهل مازال اليسار يتوهم أنه ممثل لطبقات مشوه ، وغير ناضجة ، وغير مبلورة ، وهل المفيد لليسار أن يناضل من أجل تحسين شروط عمله وأدائه بين عماله الغير مبالين والمشوهين ، أم وقوفه على الأطلال مستشرفا أبواب أمجاد الفكر الستاليني ليطلق القصائد السريالية ، وهل يدرك اليسار أهمية تكوين الوعي الاشتراكي وظروف انعكاسه والسوق الذي يجب أن تكون حاضنته .
إننا نجد بأن إعلان دمشق حدد نقطة قادرة على تشكيل توافق وطني وتفعيل وحدة وطنية وهي مسألة الديمقراطية ضمن السيادة الوطنية واستقلالها ، وهي شرط أساسي لنا على اختلاف أفكارنا وتوجهاتنا لتحقيق أهدافنا ، هي جد مهمة وملحة للذين يريدون إنضاج مشروعهم القومي ، وللذين يريدون تحرير الجولان وفلسطين وأنا منهم ، وللذين يريدون بناء الاشتراكية وتحقيق العدالة الاجتماعية ،كما أنها للذين يريدون فتح البلد للسوق العالمي وتحقيق انفتاح اقتصادي ، وهنا يجب كبح اندفاعهم ومحاربة غلوائهم .
هذا ما نريده من الديمقراطية التي ستحقق لنا مناخا لعرض وشرح أفكارنا وتحشيد أصحاب المصلحة في تحقيقها .
لهذا وعلى الرغم من كل الأزمات التي سببها نظام الأمن الذي يعاني منذ سنوات أزمة خانقة ، تجلت بإدارته لمجمل الأوراق التي يمسك بها من أجل استمرار سيطرته ونهبه للبلد كان على الحركة الوطنية أن تتحرك لتحقيق التغيير الديمقراطي ضمن .
الخطر الذي يطال السيادة الوطنية جراء سياسة النظام ، الغير حريص على الوحدة الوطنية والتي بدأت عوامل تفككها تطفوا على السطح ، مستفيدة من الأجواء التي تعتمل في المنطقة نتيجة ارتهان النظام العربي وعجزه وهزيمته.
إن وعي أهمية برنامج وطني ديمقراطي يحقق الوحدة الوطنية ويحصنها ، ويفتح ملفاتها ويعمل على فضح الوضع الشاذ الفاسد الذي تعيشه البلد . هي الهدف الذي يجب أن يجهد الجميع لإنضاجه، للتوصل لبرنامج عمل ميداني يعمل على شق الطريق لمجمل الشرائح الاجتماعية وهمومها ومصالحها ، والتجاوزات التي تمارس عليها .
من هنا نجد أن الأنعكسات التي صدرت عن قوى الإعلان عقب انفضاض المؤتمر مثيرة للدهشة وتعكس أوهاما خطيرة على مسار العمل الوطني الديمقراطي ،إن التسرع بالتشكيك من قبل الأطراف التي لم تفز بالانتخابات ، وحماقة التصريحات المضادة ، وخرق المسائل العالقة التي كان من الممكن أن تشكل برنامج معارضة ضمن الإعلان .
ألم يكن من الممكن آن تخرج القوى من المؤتمر وتعلن أنها ستناضل ضمن الإعلان ببرنامج يشدد على الخطر الخارجي ، ويطالب بموقف واضح وصريح من بعض الأطراف المعارضة ، ويدين هذا التصريح ويفند خطورته ، ويسعى عند الاستعصاء بالدعوة لمؤتمر طارئ لا نعرف إذا كان ذلك ممكنا ، نعتقد انه ممكن ، وإلا ماذا يعني تجميد عضوية ونقاشات حول الرجوع ،هذا يعني إنه ببعض الروتوشات للإعلان يمكن الرجوع ، بمعنى أخر لاشيء استراتيجي ، لاخيانة في الموضوع ولا اتهام .
كل ذلك يحدد إننا مازلنا نتهجى الدرس الديمقراطي .
لاضير في ذلك فالطريق طويل .
برلين / 15 / 1 / 2008