تسويق خدام
حسين الشيخ
حين تم اعلان ميثاق التحالف الوطني لتحرير سورية في فبراير 1982 مع البعث العراقي وناصريين وشخصيات أخرى علمانية انطلاقا من بغداد، وكان هدفه في ذلك الحين اسقاط النظام في سورية. باغتت حينها جماعة الأخوان المسلمين تنظيمها بذلك من حيث أنها كانت تنفي وتنفي أي محادثات في هذا الاطار التحالفي كما أشار محمد جمال باروت في مقال لافت. وتم تبرير التحالف آنذاك بجواز التحالف مع كافر مساعد وهو هنا فصائل التحالف على كافر محارب وهو هنا السلطة.
وبعد مرور ما يقارب الربع قرن على ذلك التحالف ظهر إلى الوجود ما سمي بـ جبهة الخلاص الوطني، أيضا تحالف الأخوان المسلمين مع ممثل منشق عن حزب البعث السوري وشخصيات أخرى من مختلف المشارب، أيضا هدف هذه الجبهة هو اسقاط النظام في سورية، وكان لا بد من تبرير هذا التحالف الجديد، وخصوصا أن جماعة الأخوان المسلمين قد ارتبطت بتحالف آخر لم يجف حبر التوقيع عليه بعد، هو اعلان دمشق.
وسيتم التبرير، بتحميل المسؤولية لقوى المعارضة الأخرى والتي لم تتحرك في هذا الوقت الاستثنائي والحرج، وكان لا بد لجماعة الأخوان المسلمين بصفتها مركز الثقل في المعارضة السورية أن تتحرك لتدارك هذا النقص والتقصير.وسيتم تقديم البيانوني كرجل القرارات الصعبة، رجل المرحلة الاستثنائي، بالاضافة بالطبع إلى الاستعانة بالنص القرأني لتبرير قبول توبة الكافر.
ما الذي يحمله خدام إلى الأخوان المسلمين الذين لا ينفكون عن الاشارة إلى قوتهم ومركزيتهم في قوى المعارضة، عبد الحليم خدام الذي يعرف امكانياتهم تماما فقد عمل كنائب للرئيس السوري لفترة طويلة.
هذه الجماعة التي تتصور نفسها بأنها جزء حيوي وأساسي في التيار الاسلامي في سورية، ولذا فان أية انتخابات حرة ستجري سيحصلون بالتأكيد على الأكثرية كما حصل مؤخرا في فلسطين ومصر، اذن هم يحملون العدد والقوة والتواجد في الشارع السوري، وهم بالتأكيد الأكثر تنظيما بين كل فصائل المعارضة السورية، والفصيل الوحيد الذي يتمتع بديمقراطية داخلية كما أشار الطاهر ابراهيم في مقاله: لماذا البيانوني الذي نشر في موقع أخبار الشرق.
ولعلنا نستطيع ايجاز النقاط التي أوردها الأخوان المسلمون في تبرير انشاء جبهة الخلاص الوطني والتحالف مع خدام بالتالية:
– يسجل على المعارضة السورية أنها لم تستطع تنسيق حركتها (اتفاقا أو توافقا) مع حركة المعارضة اللبنانية ولا أن تستفيد من الظرف الهش الذي آل اليه أمر النظام ولا سيما بعد اغتيال الحريري ( مقال زهير سالم المنشور في النهار).
– المعارضة السورية ظلت تدور في تكرارية الخطاب والمطالبات.
– اعلان دمشق لم يستتبع أي بعد سياسي على أرض الواقع ولأن البيانوني” موسوعة سياسية تضم صفحاتها تاريخ سورية الحافل وما حواه من أحداث عصفت خلال النصف الثاني من القرن العشرين” حسب الطاهر ابراهيم ولأنه وجد جماعة المعارضة في الداخل لم تتقدم حطوة نحو الأمام في تفعيل اعلان دمشق فبدأ بحثه عن اتجاه آخر دون أن ينفض يده نهائيا من جماعة اعلان دمشق (لاحظ انه لم ينفض يده نهائيا بعد).
– الأخوان المسلمين هي ” الجماعة الوحيدة التي بقيت متماسكة بعض الشيء رغم كل حملات القمع التي تعرضت لها، ورغم أنها تعرضت لانشقاق ولكنها كانت تعمل بكفاءة حتى في أشد الحالات استثنائية مما جعل الجماعة تتداول الرأي، ميتعدة عن حالة فرض الآراء ما مكنها من التعامل مع المستجدات بشكل يومي فلا يصدر بيان أو موقف قبل أن يعرض على مراجعه ويتم التداول بشأنه. وهذا ما لم يكن متوافرا لباقي فصائل المعارضة.
– لأن خدام يعرف بشكل وثيق القوة التي تتمتع بها الجماعة نتيجة عمله مع حافظ الأسد، ولأنه يعرف امكانيات فصائل المعارضة الأخرى المتواضعة.
– وبما أن الأخوان المسلمين هم مركز الثقل في المعارضة لذلك انحاز خدام اليهم فهم الجماعة الوحيدة المؤهلة للاطاحة بالنظام الحالي.
ولكن كيف حاول الأخوان المسلمون تسويق عبد الحليم. ان اعتراضات جوهرية مثل اعتراض رياض الترك بأن: “خدام شارك في جميع جرائم النظام ولم يتبرأ حتى الآن مما ارتكبه في عهد حافظ الأسد.” ان مثل هذه الاعتراضات الجوهرية تصبح برأي زهير سالم في مقاله في جريدة النهار بأنها: ” بعض الاعتراضات ذات الطابع الشخصي الذي لا يزال البعض يتمسكون بها بالنسبة لماضي عبد الحليم خدام ودوره في تركيبة النظام.” عبد الحليم خدام الذي لم يمل من الدفاع عن النظام طيلة حوالي 40 سنة سيتم اختزالها بطريقة هزلية إلى أنها اعتراضات ذات طابع شخصي، لا ندري لريما كانت هناك ثارات شخصية بين شخصيات مثل رياض الترك وهيثم مناع وبين عبد الحليم خدام ونحن لا نعرف عنها شيئا.
وبما أن عبد الحليم خدام جاء تائبا توبة نصوحة فمن المروءة أن نرحب بمن تاب ونعفو عنه، وهنا يتم الأستشهاد بآية قرأنية للتدليل على رجاحة هذا الراي. ولا بد من التطرق إلى الملايين التي يملكها عبد الحليم خدام كمصدر محتمل للتمويل (وهنا ألا يبدو مشروعا التساؤل عن مصدر هذه الثروة الضخمة) ولكن يتم القفز عن ذلك بمنتهى اليسر والانتقال إلى التاكيد على أنه يمثل قوى من البعث والسلطة وله امتداد داخلي. رياض الترك تساءل حينها: “أين تحركه وأين امتداداته؟” ويبدو التساؤل محقا للغاية حتى نصل إلى ما يبدو أنه الأهم بأن خدام ارسل عام 2003 رسالة إلى البيانوني حسب تصريح الأخير لرويتر بأنه يفكر بمغادرة سورية ليلتحق بالمعارضة فان ذلك سيزيل الكثير من اشارات الاستفهام حسب تعبير الطاهر ابراهيم.
اذن الحق كل الحق على المعارضة بمختلف تياراتها في الداخل، فهي كانت غير قادرة على الفعل ، الحق عليها لأنها تتعرض للقمع اليومي، كان لابد أن تضحي بكل كوادرها لكي تنال الرضا والقبول، والحق على المعارضة لأنها لم تنسق مع قوى المعارضة اللبنانية والتي يتفضل أحد قادتها بدعوة الولايات المتحدة الأميركية لغزو سورية. في حين أن كوادر الأخوان المسلمين المنظمين جيدا ينتظرون الفرصة السانحة لتحريك شوارع كل المدن السورية، وأعوان وأزلام عبد الحليم خدام يحضرون العدة للاستيلاء على الاذاعة السورية.
مركز الثفل في المعارضة السورية يتحد مع عبد الحليم خدام ناسج العلاقات الماهر، السياسي الذي لا تشوبه شائبة، والذي تربطه علاقات متينة مع قوى المعارضة اللبنانية، هم الذين سيحددون مستقبل سورية الديمقراطي القادم. ولا سيما حين نقرأ تصريح البيانوني لرويتر: ” أن النظام السوري سينهار دون حماية دولية.” و ” لأن الحركات الأخرى مثل العلمانيين والقوميين قد فشلت فشلا ذريعا فلا بد للناس من أن يتطلعوا إلى حلول أخرى وهذا ما يفسر اتجاههم نحو الاسلاميين.”.
لا بد اذن من جبهة الخلاص الوطني، هذا الفارس القادم على فرس من نار ليخلص الناس من الظلم، ولاسيما أن الشعب السوري حسب رأي الطاهر ابراهيم: ” مازال يجهل الأسلوب الناجع لطرد نظام البعث من السلطة، ولكنه مازال يتطلع إلى من يقوم بذلك.”
لذلك سيتم اسداء النصح لقادة المعارضة السورية أن يتقاعدوا في جزر الباهاما ولاسيما أن التمويل متوفر بسخاء، ولعل أصغر بليونيرة في العالم ستتبرع لكل النساء السوريات الذين اعتقلوا برحلات إلى أوروبا للتسوق. وستكون الخاتمة حسب رأي الشيخ امام: حيجيبوا الديب من ديله، ويشبعوا كل جعان، ياسلام لام ياسلام.
خاص – صفحات سورية –