دبليو. س مروين يفوز بجائزة بوليتزر للشعر للمرة الثانية: الصباح أجمل من ان يكون شيئاً آخر
ترجمة وتقديم فوزي محيدلي
بعد نيله الجائزة للمرة الأولى عام 1971 عن مجموعته “حامل السلالم”، أعلنت اللجنة المشرفة على جائزة بوليتزر يوم الاثنين في 20 نيسان فوز دبليو.س مروين بالجائزة للمرة الثانية عن ديوانه “ظل النجم الكلب”. وقد وصفت اللجنة المجموعة الشعرية التي نشرت في أيلول على أنها “مجموعة من القصائد المضيئة، والتي تميل عادة للرقة والتي تركز على القوة العميقة للذاكرة”.
لمروين اكثر من عشرين ديوان شعر ومثلها تقريباً من الترجمات عن اللاتينية، الاسبانية والفرنسية. عرف هذا الشاعر البالغ الواحد والثمانين عاماً بالتزام روحي بالبوذية والدفاع عن البيئة فضلاً عن مناهضة الاستعمار.
على مدار نصف قرن من كتابة الشعر غدا مروين واحداً من اكثر شعراء اميركا اقبالاً من القراء وتقليداً لشعره بين المريدين. وهو بعد في الخامسة اعتاد كتابة ترانيم لوالده الكاهن. في الثامنة عشرة قابل عزرا باوند الذي كان يومها في المستشفى. وقد قصد مروين لاحقاً أوروبا حيث تملكه حب اللغة مما قاده للعمل كمترجم أدبي. مع توالي السنوات انتقل صوته الشعري من التزام اكثر اهتماماً بالشكل وشعر القرون الوسطى الذي كان يومها يترجمه الى شعر أكثر تميزاً بأميركانيته. وقد تعمق هذا التحول بعد سنتين قضاهما في بوسطن حيث تعرف الى كل من روبرت لويل، سيلفيا بلاث، تيدهيوز، أدريانا ريتش ودونالد هول، الذين تميزوا جميعاً بالقطع مع بلاغة الخمسينات.
شعر مروين الحالي يميل الى ان يكون اكثر علاقة بالذات، منطلقاً من معتقداته العميقة الغور. هو ليس فقط مجرد مسالم ومدافع عن البيئة بل انه مسكون بشعور حميم تجاه المنظر الطبيعي واللغة والطرق التي تنساب بها اللغة والارض احداهما تجاه الأخرى.
بالعودة الى نيله الجائزة قال مروين عبر الهاتف من منزله في هايكو بهاواي معلقاً: “جرت العادة ان يصار الى افتراض انك خططت لكل شيء مسبقاً وان كل شيء يحل في مكانه. لو كان الناس صادقين، قلة من الحدائق تأتي بنفس الشكل الذي خطط لها، هذا اذا كانت قد صممت او خططت اصلاً. الحدائق تتحول مثلما يحدث مع نمو الأطفال”.
واضاف مروين انه لطالما تطلع لأن يؤخذ على حين غرة بشيء ما مدهش وهو يقصد ان يؤخذ “بدهشة ذات تأثير كامل”. وتابع مروين انه بعد كتابة العديد من القصائد الجديدة “فجأة صرت اعتقد ان ثمة قصائد قلائل وانني اريد ان اتبين اذا ما كانت هناك من علاقة تربط بينها وأي ترتيب قد تنتظم فيه واذا ما كانت تندرج في مجموعة. لم اعد اكترث لوضع قواعد حول كيفية تشكلها اكثر من اهتمامي بما يجعل تغريدة عصفور ما كاملة او شيئاً آخر”.
[ “ظل النجم الكلب”
كتبت هذه المجموعة الشعرية دون استعمال النقاط والفواصل ومتوسلة الشعر الحر ومصائرها هي الأكثر اعتماداً على السيرة الذاتية للشاعر من بين باقي أعماله. وهي تقارب مواضيع الذاكرة ، الحكمة، والطفولة.
يقسم مروين المجموعة الى ثلاثة أقسام: الأول يدور حول الطفولة وتذكر الطفولة، “ليس من بعد، بل من الداخل” القسم الثاني أو الأوسط عبارة عن مرثيات للكلاب والقسم الثالث يدور حول الحياة اللاحقة.
اما الناقد جايسون بريدل فيقسمها هو الآخر الى اقسام ثلاثة توحي بالابتعاد بعضها عن بعض لكنها مترابطة من حيث الموضوع. القسم الأول عبارة عن استعادة الصبا؛ الثاني تأملات فكرية في الموت، والثالث خليط ملاحظات من اشياء مختلفة. تبقى الاقسام الثلاثة ذات نغمة ليركية وتحمل جميعها رسالة عامة مفادها انه حين يجلس الانسان ليتأمل في كل شيء داخل الشيخوخة، تبقى هي الشيخوخة الأهم في مسيرة الحياة. ويخلص مروين الى ان العمر تجاوز بل سما فوق الزمن. في قصيدة “صباح ساكن” يقول:
“يبدو الآن، ان ليس ثمة سوى عمر واحد
وهذا العمر لا يعرف
شيئاً عن العمر تماماً مثلما لا تعرف
العصافير شيئاً عن الهواء الذي تسبح فيه
او عن اليوم الذي يحملها عالياً
عبر أنفسها
وأنا طفل قبل ان توجد الكلمات”
أما ما يتبع القسم الأول فمجرد عرض ظواهري للذاكرة والخبرة الشعرية اللتين تتحدان لتنتج عنهما لحظات بسيطة وعميقة. في قصيدة “الصومعة” يكتب مروين عن صداقته مع معلمة اعجب بها ذات مرة، وعن عدم ديمومة تلك العلاقة.
[ الصومعة
“كانت جميلة
في معطفها المنسوج من وبر الابل
المعطف الذي بدا بلون اوراق الخريف
نزهة السير على الاقدام كانت فكرتها
أحببنا الاصغاء واحدنا الى الآخر
صوتها كان ناعماً وواثقاً
وقد سلكنا دربنا المفضل
من المرة الأولى تحسباً
لأن تكون المرة الأخيرة
ومع ان الدرب بدت طويلة
فقد مشيناها كلها صعوداً عبر الشير
الى المكان الذي اسميناه الصومعة
التي منتزهها عند طرف الشير
يطل على النهر
كانت الصومعة
بعد سر
واذ نحن عائدين
والوقت تأخر اكثر
مما توقعناه
واقعاً لا أحد أدرك
أين كنا
حتى حين أخبرتهم هي
لا أحد سمع بالصومعة
ومن ثم اين ذهبت”
وينتقل الشاعر من ثم الى القبض على الجوهر العام في قصيدة “تشابه” التي يكتب فيها “ليس لي الا ما اتذكره”. لحظات من الطفولة اشياء نتذكرها عن أشخاص عرفناهم فيشكلون ما يتردد صداه في النهاية كأمر مهم في حيواتنا. وهذه الأشياء تتميز بكونها بسيطة بشكل ملحوظ ويعززها تطليعة، شمة أو صوت.
[ عند حلول الظلام
في القسم الثاني يميل الديوان بشكل اكثر تحديداً نحو أفكار عدم الديمومة والفناء. وتؤدي قصيدة “عند حلول الظلام” دور استعارة لفعل الاحتضار:
“حين يحّل الوقت اتبع الكلب الأسود
الى داخل الظلام الذي هو عقل اليوم بكامله”
“لا استطيع رؤية شيء هناك سوى الكلب الأسود
الكلب الذي اعرف انه يتقدمني سيراً”
في قصيدة “الحلم بعودة كوا” ينتج عن التأمل في خسارة حيوان الى التأمل في عدم الديمومة:
“تطلعت في النهر
منساباًَ خلف الاشجار السامقة
وفجأة وجدتك خلفي تماماًَ
مستلقياً تراقبني
كما اعتدت لسنوات خلت
دون ان تتحرك ابداً
حين تراجعت ببطء
آملاً بلمس
فروك العنبري
عندها بقينا بلا حراك
نستمع الى خرير النهر
وتساءلت اذا
كان ذلك حلماً ما
اذا كنت انت حلماً
اذا كنا سوية حلماً
حيث لم يتحرك اي منا”
لا يمكن لواحدنا ان يعلق او ان يقول حيال هذا المقطع الشعري سوى انه يستأهل رفع ايدي متحمسة لما جاء فيه. انها لحظة كشف داخل برهة وجيزة من النص ـ المتكلم جالساً، يفكر في حيوانه الأليف متأملاً عدم ديمومته وعدم ديمومة حيوانه ـ اليس هذا ما يفترض الشعر ان يكونه؟
يبدو القسم الثالث اكثر ميلاً لان يكون مزيجاً من تأملات يومية.
انه ليس مركزاً كما هما القسمان الأولان لكنه مثلهما يتميز بارتداديته في واحدة من اقوى القصائد. في هذا القسم “يد الظل” يفكر المتكلم بمرمّم اسطح تعرف عليه ذات يوم:
“البارحة فقط وبعد كل تلك السنوات
علمت انه اصبح
فجأة اعمى فيما هو لم يزل في ستيناته
وسرعان ما توفي بعد ذلك فيما انا
كنت بعيداً ولم ادر بذلك
وبدا كأن ذلك حدث
للتو
مذ وقفنا سوية في الدرب نتحدث
حول بناء طيور الغراب لأعشاشها في المداخن
داخل المنازل الفارغة المظلمة”
مجدداً نحن ازاء الكشف الموجود داخل لحظة وجيزة، كشف آخر يؤدي الى تأمل عدم ديمومة كل الاشياء. في المآل الأخير “الكلمات البالية” تلخص كقصيدة جوهر هذا الكتاب افضل ما يكون:
“القصائد المتأخرة هي التي
اول ما اعود اليها الآن
متتبعاً املاً لا ينفك عن
الايحاء لي
منتظراًَ في مكان ما داخل الأبيات
واضح للعيان تقريباً
انها القصائد المتأخرة
المشغولة من كلمات
سارت كامل الدرب
وكانت في الهناك”
على نفس الدرب يبدو ان “ظل النجم الكلب” كديوان يؤدي بذاته دور مجموعة من القصائد المتأخرة بل الراحلة. انها مشغولة من كلمات سلكت كامل الدرب، كانت في الهناك. في عالم ينطوي على الكثير من المشاريع الشعرية صاحبة الأجندات العديدة والمعقدة. تعمل هذه المجموعة التي بين أيدينا على التأكيد والاضاءة على اهمية الشعر الجيد ومغزاه.
بعض ما قيل في مجموعة “النجم الكلب”:
“منح مروين في مجموعته الأخيرة شعر القرن الواحد والعشرين ما اعطاه ماتيس الى رسم القرن العشرين.. اعطاه جوهر الفن الذي لا يمكن اخضاعه للمزيد من الحذف. انها موهبة توحد ما بين الماضي والحاضر، موهبة من عبقرية وحب، موهبة تكرس حياة الشاعر” (ويتشينا ايغل).
“كاتب انيق، انه خطاط الوعي، اديب يدرك انه يكتب على رق من الجلد في الماء.. مروين هو وريث ايمرسون وويتمان..” (م. دبليو طوماس، الغارديان).
“نيات شعر مروين مترامية كما المحيط الحيوي للكائنات لكنها حميمة بالمقابل كما الهمسة. هو يحمل في البساطة الحلوة للغته احساساًَ بالمكان الذي تنتمي اليه الذات الذات المتهادية بين السماء والارض والعالم السفلي”. (بيتر دافيزون، اتلانتيك مانثلي).
“في ديوانه الافضل في غضون عقد يوجه مروين قصائده التكهنية والخالية من أدوات الوقف والوصل صوب ماضيه معترفاً ـ ليس لي الا ما اتذكره ـ ومقدماً للقارئ ما يمكن ان يكون مجموعته الاكثر شخصية، جوداً، وتوكيداً. وهو يتدبر الى حد ما محو الحدود بين زمن وآخر. حيث يبدو انه يتطلع الى الامام صوب الماضي او يتذكر ما قد يحدث لاحقاً”. (بابليشر ويكلي).
ويتابع الناقد في هذه المجلة، بابليشر ويكلي، “تطهر القصائد آثار الاصابة بالذبول على” الدرب الكاملة /للحياة” لكن مع الشعور ايضاً بالانتعاش والصحوة بواسطة بساطة لا يمكن تسميتها سوى الحكمة: “الصباح أكثر من جميل لأن يكون شيئاًَ آخر”. اننا ازاء قصائد بديعة حول الحب الصامد في وجه الوقت ايضاَ حول النظر صوب لحظة لن نكون فيها اكثر هرماً مما كنا عليه”.
المستقبل