صفحات الناس

تفخيخ الخبز

null

سعاد جروس

بدأت أزمة الخبز بالتفجر في المنطقة من مصر إلى اليمن حتى الأردن ولبنان وسوريا… ووضعت المواطن العربي على حافة المجاعة. المفاجئ بالأمر, أنه حتى دول مثل السعودية وقطر لم تنج من هذه الأزمة مع فارق في الاتساع والعمق والخطورة

فالأزمة في مصر واليمن تهدد بقيام ثورة جياع, وهو ما تعول عليه سياسات بعض الدول الكبرى لتغيير الأنظمة في المنطقة. وفي تقارير إعلامية غربية عديدة, تم التلميح إلى إمكان نجاح ثورات الجياع, فيما فشلت الثورات المخملية بتحقيقه. خصوصا أن تعميم نموذجها مني بالفشل, فنجاحها في أوكرانيا لم يضمن نجاحها في مصر أثناء الانتخابات الرئاسية.

غير أن الأمر مختلف فيما يخص لقمة العيش, فأولى الإرهاصات بدأت بأعمال عنف في طوابير الانتظار أمام الأفران في مصر واليمن, ومع استمرار الأزمة, باتت الضائقة مرشحة لظهور حركات سياسية تفخخ الرغيف لتحقيق أهدافها في تغيير الأنظمة في الدول النامية, وهو ما تعول عليه السياسات الدولية من خلال خططها الاقتصادية, إذا صدقت التوقعات وصحت نظريات التآمر الدولي, إلا أن ما تخشى منه تلك السياسات, بحسب ما يكتب في الصحافة الغربية ألا تأتي النتائج بما تشتهي رياح المؤامرات. وكي لا نتهم بحيازة عقل مؤامراتي لا بد من ذكر بعض مما أوردته الصحف الغربية.

فبحسب تحقيق نشر في موقع «آي بى اس», أشار خبراء دوليون الى أن «الدعم الذي تقدمه أوروبا والولايات المتحدة لقطاعها الزراعي, والذي يكلفها مليار دولار يومياً, إنما يسهم في قلة الإنتاج الغذائي وغلاء أسعاره ودمار صغار المزارعين في البلدان النامية». وقال مدير المنظمة غير الحكومية الألمانية «فوود ووتش» ثيلو بودو قال «إن هذه الدول أرغمت البلدان النامية, عبر المنظمات الدولية, على إلغاء الرسوم الجمركية والحواجز التجارية, مما أجبرها على استيراد الغذاء المدعوم من الدول الصناعية». وتبلورت التداعيات الاقتصادية لمثل هذه السياسات بزيادة البطالة والفقر بين المزارعين في افريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية, مما ترتب عليه شح الغذاء جراء خسارة المزارعين وسائل الإنتاج.

في تقرير لليونسكو صدر منتصف الشهر الماضي, دعت لجنة من 400 خبير إلى إحداث ثورة في قطاع الزراعة تفادياً لانفجار اجتماعي متوقع في مختلف أرجاء العالم جراء غلاء أسعار الغذاء. وكان لافتا في التقرير الأرقام التي تشير إلى تراجع حصة الزراعة في الناتج الوطني في بعض الدول الآسيوية, فعلى سبيل المثال, تراجعت الزراعة في الصين من 28,7€ في الفترة ما بين 1981­1985 إلى 8,7 € في الفترة ما بين 2001­2006, مقابل ارتفاع حصة الصناعة إلى 49,1€ والتي كانت 26 في المائة خلال الفترة ذاتها. وفى الهند, انخفض نصيب الزراعة من 18,4€ إلى 6,2€ مقابل ارتفاع نسبة مساهمة الصناعة والخدمات في الناتج الوطني, وهو ما تكرر بنسب مشابهة في بلدان أخرى كاندونيسيا.

وبما أن العولمة جعلت العالم قرية صغيرة, كما يتشدق أرباب العولمة, سوريا أيضا بلد آسيوي في هذه القرية الصغيرة, فتلك الانعكاسات لا بد من أن ترتد عليها, وكما هو ملاحظ, فإن التدهور الزراعي الناجم عن أسباب عديدة لا يقابله نمو في الصناعة, إذ لم يُبقِ الفساد بالتعاضد والتكافل مع سياسات اقتصادية خبط عشواء, ما يحمي المواطن €فرج الله كربه€ من مجاعة مرتقبة, والأيام المقبلة لا محالة سترفع شعاراً من أقوال جبران خليل جبران: «ويل لأمة تأكل مما لا تزرع, وتلبس مما لا تنسج». ورفعه عالياً ليس بهدف تغيير السياسات الاقتصادية والعمل على ضمان الأمن الغذائي وحماية الزراعة والمزارع, وإنما تعبير عن عض الأصابع ندماً, على التسرع للإمساك بذيل العولمة بذريعة «إذا جن ربعك, عقلك لا ينفعك» فالربع في منطقتنا النفطية هجروا المراعي والإبل, وحولوا بلادهم إلى سوبر ماركت عولمي, ونحن حسدناهم ولحقنا بهم, وأهملنا الزراعة بكل نفس مطمئنة, فتركنا مساحات واسعة تتصحر وتعاني العطش, وتخلينا عن المزارع ليغرق وحيدا في المهن الأكثر شقاء وتعباً والأقل مردوداً, ووجهنا الشباب الى قطاع التسويق والترويج وإدارة الأعمال والعلاقات العامة, فهي أنظف من مهنة الزراعة وأكثر وجاهة ومحاكاة لمظاهر العصر التجاري, لتقف سوريا التي تفاخر بأمنها الغذائي في صف الدول المرشحة للجوع, وقول وزير المالية «إن سوريا بلد لديه أمنه الغذائي على الرغم من تأثره بارتفاع الأسعار وعلى الرغم من الضغوط التي تمارس عليه… وأن هناك قراراً سياسياً بعدم الاقتراب من الخبز وسيظل مدعوماً, ولن يزيد سعره قرشاً واحداً حتى مع ارتفاع أسعار القمح والمشتقات النفطية», ليس نكتة الموسم, لأن سعر الخبز الحكومي لن يتأثر, لكن ذلك لن يمنع من تفاقم أزمة الخبز, فالمشكلة ليست محصورة داخل الحدود, والخبز والقمح السوري المدعوم بات يُهرِّب مثله مثل المازوت عبر الحدود, والخبز كونه أرخص من العلف يستخدم طعاماً للحيوانات, وبالتالي فإن هكذا تصريحات «مسؤولة» جداً لن تمنع منافسة الحيوان للإنسان على لقمة العيش, والمشكلة أن الإنسان يتعيش أيضاً على الحيوان. وحتى الإجراءات الرادعة كتوزيع الخبز على دفتر العائلة لن تفيد كثيرا, كونها معالجات اسعافية لأوبئة عولمية عابرة للحدود أمراضها مستعصية, بعدما فتحنا حدود السوق من دون ضمانات وقائية للأمن الغذائي, وهي حكماً ليست تأكيدات كلامية ووعود خلبية حين تغيب مساءلة الحكومة عن الخطط الموضوعة لدعم وتشجيع قطاع الزراعة وحماية المزارعين والمنتج الزراعي وعن نصيب الزراعة من الاستثمار الذي تستميت حكومتنا الحالمة لاستجرارها من الخارج, قياساً إلى حصة السياحة وقطاع العقارات والخدمات التي تشهد ازدهارا كاذباً, وعن خططها للحد من الفساد والتهريب والتلاعب بقوت الشعب, غير مسألة رفع الدعم الذي تهدد به على الطالعة والنازلة وتتسبب في إفلات عنان الأسعار!!

ماذا تفعل الحكومة لنزع فتيل الخبز المفخخ؟ هل ستتركه ليتفجر بالجميع فترتاح وتُريّح, أم ستمنع صناعة الخبز, وتنصح شعبها المرفه بأكل توست شبورة أميركانا «الطازج من المعمل إلى موائدنا», ريثما تمر العاصفة!!

سعاد جروس

الكفاح العربي 3/5/2008

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى