صفحات الناس

البيان الانتخابي لمرشح دمشق عام 1962

null

د.بشير العظمة – 01/05/2008

الإخوة في كلنا شركاء من خلال تصفح أوراق قديمة أحتفظ بها ، وقع في يدي بيان انتخابي لوالدي الدكتور بشير العظمة (1910 – 1992) خطه عند ترشيح نفسه في عام 1962 عن مدينة دمشق

لانتخابات المجلس النيابي، فقرأتها قراءة جديدة بعد مضي ما يقارب النصف قرن ؟

لم يفز والدي في ذلك الحين بمقعد برلماني استنادا لبرنامجه هذا، وراعني أن ما جاء في بيانه ما يزال صالحا كمنهاج عمل لمرشح سوري معاصر مخلص و مستنير لمقعد مماثل، ذلك بالرغم من شكوكي حول امكانية فوز مرشحي الافتراضي هذا في الانتخابات الافتراضية تلك للكثير من الأسباب التي لم تمكن والدي في ذلك الحين من الفوز بمقعد برلماني ؟

بشار العظمة

البيان الانتخابي لمرشح دمشق

الدكتور بشير العظمة

أيها الإخوة المواطنون :

في غمرة حمى الانتخابات وكسب الأصوات واصطراع الرأي في معركة البناء والتطوير ، يجدر بنا أن نتداول الرأي في أوضاعنا وآمالنا ومستقبل أولادنا .

إن تاريخ سورية وموقعها الجغرافي ووعي شعبها الاجتماعي والسياسي جعلها في مركز قيادي فريد. وعليه فان قيام حكم عربي مثالي في هذه البقعة من ارض العروبة ضمان لتطوير المجتمعات العربية وتأكيد لقدرة العربي اللامتناهية على التطور في الإنشاء والتعمير ، والمساهمة في دفع ركب الإنسانية الصاعد .

وطبيعي أن تختلف وجهات النظر في اختيار الطريق الأقصر لتحقيق أهدافنا القومية والاجتماعية. فان ولادة الجمهورية العربية السورية مرة جديدة وتجارب الماضي القريب والبعيد، تضعنا مرة أخرى أمام مسئولياتنا جميعا كمواطنين. كما وان الظروف الاستثنائية التي نجتازها في هذه المرحلة تفرض علينا ضرورة التعاون والتفاهم والتكاتف، وتحرم علينا أن نتهم الناس ونصنفهم إلى فئات أخيارا وأشرارا، وطنيين وخائنين، تقدميين ورجعيين.

نحن متفقون جميعا على اختلاف مذاهبنا وعقائدنا على نقاط محددة يفرضها علينا العلم والمنطق والواقع، ونحن قادرون على تحقيق هذه الأهداف إذا كان رائدنا العمل البعيد عن تحقيق مكاسب شخصية أو حزبية أو طبقية.

وإذا اردت تعداد نقاط التلاقي في هذه الاهداف فاني اجملها بما يلي :

1- نحن مؤمنون جميعا ان لا قوة للعروبة الا بتضامن وتعاون اقطارها المتحررة توطئة لتحقيق وحدتها الاقتصادية والسياسية .

2- الاشتراكية سبيلنا الاكيد وطريقنا المختصرة للتحرر من التبعية الاقتصادية والسياسية واللحاق بركب الامم المتطورة .

ان الاستعمار بأشكاله العديدة ، واسرائيل حربة في جنب الوطن العربي ، يريد لنا البقاء سوقا لمنتجاته ، ومصدر خامات لصناعاته .

عن طريق الاشتراكية سنحقق تصنيع خاماتنا ، ونرتفع بمستوى العيش لجميع المواطنين ، ونزيل الفوارق الطبقية ونؤكد وحدة اهداف الصف الوطني .واني لعلى مثل اليقين بانا سنتفق على شكل الاشتركية التي نستهدفها ، وسيتم تحديد شكل هذه الاشتراكية وحدود المحتوى الاشتراكي بعد ان نبلغ في التصنيع والتطوير الاجتماعي درجة تسمح لنا بان نتكلم بالمعنى الاشتراكي الصحيح .

3- لا يمكن لمعركة التطوير والتصنيع ان تحقق اهدافها الا في ظل الحرية التي تطلق الفكر الانساني المبدع وتعبيْ قوى الشعب المؤمن بقضيته من اجل تحقيق اهدافه . والديمقراطية في مفهومها التاريخي العربي الاصيل والتي لا تخشى قول الحق وتسمح لاصطراع الفكر في النور بدل الظلام وتعمل لاقرار العدل والطمأنينة في نفوس الحاكمين والمحكومين كلها ضرورات لا بد وان تتوفر لتعمل النفس الانسانية العربية وتكسب معركة البقاء وزيادة الانتاج .

والخلاصة اهدافنا البعيدة على الصعيد القومي وحدة عربية ، وفي الاقتصاد اشتراكية وعدالة وفي الحكم حرية وديمقراطية .

ايها المواطنون !!!!!!

تلك هي آمالنا وهذا هو السبيل لتحقيق وجودنا على ارضنا العربية احرارا عاملين ومتطورين ونحو الافضل دوما .

الامل الواسع والهدف البعيد لا يجوز ان يحجب عنا او يصرفنا عن ادراك واقعنا المتخلف .

اقتصادنا لا يزال زراعيا ومتخلفا ايضا ، الايمان العلمي غير مكتمل والمهارة الفنية غير موفورة – ومصادر الثروة تحت الارض وفوقها لا تزال غيرمستثمرة وعليه ففي ظروفنا المادية الحالية لا بد من كسب جميع الفئات وجميع الطبقات والافادة من جميع الطاقات والامكانيات ضمن خطة منسقة ومتكاملة تستهدف توجيه الدخل القومي الخاص والعام من اجل كسب معركة الانتاج . محتفظين بطابعنا الانساني الحر ، ومثلنا الروحية التاريخية العميقة الجذور في نفوسنا ، معركة اثبات وجودنا اولا وصلاحنا للبقاء على الارض حيث نعيش .

وعليه فاني ارى بان المرحلة الحاضرة من بناء جمهوريتنا تفرض علينا الشعار التالي : استقرار اولا ، وحرية وبناء ثانيا .

الاستقرار ضرورة وطنية ملحة وعاجلة ففي جو القلق ، وفقدان القيادات وفي غمرة التيارات الفكرية وصراع المصالح الطبقية والفردية ، لا بد ان يتولى قيادة السفينة في الفترة الحاضرة الاخصائييون الواعون للصورة الكاملة لمشاكلنا ، اناس لهم الجرأة على قول الحق وتقبل النقد والاعتراف بالخطأ .

المرحلة الحاضرة تحتاج للوسط تحتاج للمعتدلين ، لا يمين ولا يسار . دعونا نحقق في المرحلة الحاضرة اهدافا متواضعة ولكنها تمثل مطالب الكثرة الساحقة من المواطنين : تنمية اقتصادية مع عدالة في التوزيع ، وخدمات تستهدف ضمان الحد الادنى للكرامة الانسانية لاصحاب الدخل المحدود واليكم الخطوط العريضة لمعاني هذه الكلمات :

اولا – في الانتاج :

ان صناعتنا التي لا تزال تحبو على الارض ، تمزقها خلافات المكاسب وتوزيعها بين ارباب العمل وبين العمال . ولنا ان نتساءل اين المصلحة الوطنية في كل ذلك …… واين هي مصالح ملايين المستهلكين …..

لا بد من اقامة تناسق وتكافل وتكامل بين الصناعة والزراعة فلا يهجر ملايين الفلاحين الحقل نحو المدينة نحو الربح ونحو البطالة والتشرد .

لا بد من اقامة الحد العادل للارباح والاجور في حدود المصلحة الاقتصادية الوطنية العليا مع ضمان العيش الشريف للعاملين في الصناعة وحماية صغار المستهلكين في المدينة وفي الريف .

ان معركة البناء في ظل الحرية ، وبعيدا عن التبعية الاقتصادية او السياسية ، يفرض علينا دعم رؤوس الاموال الوطنية ، واشاعة الطمأنينة في نفوس صغار المدخرين وكبارهم ، في نفوس العاملين في المصنع وفي الارض .

ولا يعني هذا ابدا انا نريد ان نترك لرؤوس الاموال حريات مخربة لخطة الانماء.

وتوجيه الدولة ورقابتها المحكمة ، والضرائب التصاعدية ، والمشاركة العمالية في الارباح والادارة كلها ضمانات تمنع انزلاق رأس المال الوطني ليصبح محتكرا ومستثمرا ومستغلا .

والاصلاح الزراعي لا بد وان نتلافى عيوبه ليحقق بالفعل الثورة الاجتماعية والانتاجية وذلك باشاعة روح التعاون والارشاد ، وتيسير الامكانيات العلمية والفنية للارتفاع بمستوى دخل الزراعة والفلاح .

ان موقع البلد السوري جغرافيا ، وطبيعة الانسان العربي السوري تاريخيا ، تجعل من التجارة والوساطة ومبادلة السلع مصدرا هاما للدخل القومي .

وعليه لا بد من ان نحقق التناسق والتكامل بين الصناعة ايضا والزراعة والتجارة والوساطة .

لا بد للدولة كناظم ومشرف ومراقب لهذا النشاط الاقتصادي من ان تمنع الاحتكار والاستغلال بضريبة الدخل التصاعدية وبالرقابة على الاستيراد والتصدير . وجدير بنا ان نؤكد على ان جميع هذه الحقوق والحريات التي نريد ان يتمتع بها جميع الفرقاء تلزمهم جميعا بحدود لا يمكن ولا يجوز ان ينحرف معها نشاطهم عن تحقيق اهداف معركة البناء الوطني .

ودور الدولة الايجابي في دفع عجلة الانتاج يتعاظم ويتسع ، فلا بد اذن من ان نبدأ باقامة جهاز صالح للاضطلاع بهذه المسئوليات الجسام فاصلاح جهاز الدولة واشاعة روح المسئولية والاندفاع في الرؤساء والمرؤوسين ضرورة تفرضها ظروف التعبئة مع الحرية التي نريد . وستبقى السياسة في معناها الواقعي قيام تفاهم ووفاق بين الحاكمين على الاهداف والوسائل .

ثانيا في الخدمات :

لا يجوز للدولة ان تتوسع في الاتفاق من اجل الخدمات الا في الحدود التي تسمح بها مواردنا القومية ، وبشكل لا يخفف او يهدد من قوة اندفاعنا في معركة البناء والانتاج وعليه فاني سأعدد بعض الشعارات في الحدود التي اشرت اليها .

في التعليم :

لا حياة لشعب جاهل في عصر الذرة والصاروخ ولا بد من تطوير اهداف التعليم واساليبه ليتجاوب مع حاجاتنا المتزايدة لتوفير الاخصائيين في الانشاء والتعمير . كما علينا ان نسعى لتعبئة الجيل الجديد روحيا وفنيا لربح المعركة ومنع البطالة بين شبابه الجامعي .

وفي الصحة :

توفر الدولة للعاجزين عن شراء الطب والدواء خدمة طبية ذات مستوى لائق فلا يجوز ان يموت انسان بالمرض وقد عجز عن شراء الطب والدواء .

وفي الاسكان :

بيوت يدخلها النور تنشئها او تراقب انشاءها الدولة بقروض طويلة الآجال وسياسة الاسكان عظيمة الاثر في تقريب وتخفيض الفوارق بينها . وعليه فان البزخ والانفاق من اجل انشاء القصور لا يحل مشكلة الاسكان بل يزيد من الفوارق الاجتماعية ويجمد رؤوس الاموال بل يدفع بها بعيدا عن ميدان الانتاج لتصبح اداة للاستثمار والاستغلال ورفع الاجور .

واخيرا ايها المواطنون ….. يشهد الله اني حاولت جاهدا فيما قرأتم من كلمات ان اسلط النور على زوايا من تفكيري فعرضت عليكم آمالي البعيدة والصورة التي اريدها لمجتمع اولادي واولادكم ، كما قررت معكم ان تمسكنا بالحرية والديمقراطية مع تصميمنا على التطور من اجل معركة البقاء كل ذلك يفرض علينا حلولا تنسجم مع واقعنا وتحقق من آمالنا ما تستطيع ان تفعل ، وكلما تغيرت ظروفنا امتدت واتسعت آفاق الامل في نفوسنا .

فاذا وفقنا في تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي في ظل العدالة والحرية ، فان جمهوريتنا العربية السورية ستبقى كما كانت دائما منارة في خضم صراع المبادىْ والمذاهب العالمية لتهدي العرب ، كل العرب وفي كل اقطار العرب من اجل تأكيد قدرتهم على التحرر والتطور والبقاء .

واخيرا يقيني بأن كلامي هذا سيتجاوب مع مشاعر ومنطق الاكثرية الساحقة منكم. وانه في الواقع استلهمت في تقريره ضميري، وصارحتكم جميعا بما اعتقد، وفي هذا راحة لنفسي وعزاء وحسبي من هذه المعركة انها اتاحت لي فرصة ايضاح افكاري والانسجام مع نفسي والله من وراء القصد وسلام الله عليكم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى