صفحات الناس

موسم جديد لمحاكم قديمة

null

هيئة تحرير موقع الرأي

ينطلق هذا الموسم في الأيام القليلة القادمة . هكذا تشير كافة التقارير . ينطلق أمام محكمة الجنايات في قصر العدل بدمشق . حيث تبدأ محاكمة معتقلي إعلان دمشق الذين اعتقلوا بسبب انتمائهم للإعلان ومشاركتهم بانعقاد مجلسه الوطني في 1 / 12 / 2007 ، وانتخاب بعضهم في الهيئات المركزية للإعلان في قيادة المجلس وفي الأمانة العامة .

يبدو أن لا جديد في هذا الموسم التجريمي من المواسم المتكررة لضرب المعارضة الوطنية الديمقراطية وإسكات صوتها . فلائحة الاتهام – وكما جرت العادة – أقرتها النيابة العامة وتبنتها كما جاءت تماماً بالتقارير الأمنية المصاغة هنا من قبل ضباط إدارة المخابرات العامة ( أمن الدولة ) دون زيادة أو نقصان . وهي تهم أصبحت ثوباً موحداً مفصلاً لمن تريد السلطة أن تنكل به ، وبالتالي فإن الأحكام الجاهزة ليست أكثر من ” ستاندرد ” أمنية تتقيد بها محاكم القضاء العادي – بكل أسف – لا تختلف كثيراً عن مجازر الأحكام التي تصدرها المحاكم الاستثنائية الخاصة سيئة السمعة .

ورغم تأكد السلطة من عدم جدوى هذه المسرحيات القضائية في تحسين صورتها أمام الرأي العام في الداخل والخارج ، وفي قمع المعارضة والقضاء على الرأي الآخر ( بسبب تسخيرها المتكرر للمؤسسات القضائية من أجل مآربها السياسية ، أو على الأصح غير السياسية ) ، إلا أنها تستمر على نفس النهج ونفس الأسلوب ، لتثبت من جديد أن التغيير ليس له مكان في قاموسها ، وأن كرهها له لا يوازيه إلا حبها للتسلط الذي ينال من منعة البلاد ، ويجعل سورية شعباً ووطناً ومقدرات مريضة واهنة سهلة التناول وقابلة للاختراق . ودون أن تتحسس المخاطر الكبيرة التي يجرها هذا الأسلوب على سمعة القضاء السوري وثقة الشعب به ، بل على سمعة سورية الوطن مجتمعاً ودولة ومؤسسات .

منذ وقت مبكر من عمر العهد الجديد في عام 2001 بدأ الموسم الأول بمحاكمة سجناء ” ربيع دمشق ” . ومنذ ذلك الوقت ونحن نسمع نفس اللغة الاتهامية ونفس القرارات التجريمية بتكرار معروف لمواد قانونية تستعمل عشوائياً وبغير محلها وخارج الأطر والمفاهيم القانونية . وها هو الدكتور عارف دليلة أحد أهم رموز ذلك الحراك يقضي عامه السابع خلف القضبان . ويعود إلى المكان نفسه رياض سيف من جديد في إطار الحملة الأخيرة . تلاه موسم محاكمات نشطاء إعلان بيروت دمشق – دمشق بيروت الذي أدى إلى سجن ميشيل كيلو وأنور البني ومحمود عيسى وآخرين بأحكام متفاوتة . وبين هذا وذاك استمرت عمليات التنكيل لأسباب مختلفة ، ذهب ضحيتها كمال اللبواني وفائق المير وغيرهما ضمن حملات فردية ، حتى جاء الموسم الحالي لمحاكمة معتقلي إعلان دمشق . ناهيك عن محكمة أمن الدولة العليا وأحكامها القراقوشية التي لم تتوقف خلال هذه الفترة بحق المواطنين الأكراد وذوي الاتجاهات الإسلامية عموماً .

أربعة عشر معتقلاً على خلفية الانتماء لإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي ، أربعة عشر مناضلاً من اتجاهات فكرية وسياسية مختلفة ومن سائر المحافظات السورية ، جمعهم الهم العام المشترك والمسؤولية الوطنية من أجل التغيير الديمقراطي وفق الأسس والقواعد والأساليب التي وضعها إعلان دمشق . أربعة عشر وجهاً وطنياً سوف يواجهون نفس القائمة من التهم المفبركة والجاهزة مثل : تشكيل تنظيم سري لتغيير النظام بالقوة ، ونشر أنباء كاذبة توهن عزيمة الأمة ، والاعتداء على هيبة الدولة والتحريض الطائفي .

من المؤكد أن المعالجة المنطقية والواقعية لهذه التهم لن تجدي نفعاً . وكذلك المرافعات القانونية التي تقدمها هيئة الدفاع ، لتثبت انتفاء العنصر الجرمي فيما قام به أعضاء المجلس الوطني لإعلان دمشق . لكن ذلك لن يمنع من بروز التساؤل المرير :

أي خزي في أن تتهم الدكتورة فداء الحوراني بوهن عزيمة الأمة وهي عضو في الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي وابنة بيت قومي عريق بعروبته والنضال من أجلها ! وأن يتهم وطني كبير كرياض سيف بالتحريض الطائفي وهو رجل معروف بفكره ونهجه وأساليب عمله ! وكيف تستقيم تهم العنف الموجهة لفنانين ومثقفين مثل طلال أبو دان وأكرم البني وفايز سارة وعلي العبدالله والآخرين جميعاً ؟ !

من المؤكد أن السلطة نفسها وأدواتها من مؤسسات وأفراد لا يعتقدون بانطباق لائحة الاتهام الأمنية على المتهمين . وهم لا يريدون من الناس أن تصدق ذلك ، بل أن تبني على الشيء مقتضاه ، وتتصرف وفق واقع الحال . أي أن تستجيب لرسالة التهديد والوعيد المستبطنة .

وبوضوح فإن هذه الأحكام ليست للمعتقلين بل للذين لم يعتقلوا بعد . وتتجاوز مراميها حدود المعارضة لتطال الشعب كله ، في إشارة إلى ما يمكن أن يواجهه أي تحرك من أجل الحقوق المسلوبة . سواء كانت هذه الحقوق سياسية أم اقتصادية أم ثقافية أو غير ذلك . والمطلوب شيء واحد : بقاء القديم على قدمه . فاستمرار السلطة يقتضي ذلك . وتزداد هذه الأهداف إلحاحاً في الظروف القادمة التي تتدهور فيها أكثر فأكثر الأوضاع المعيشية للشعب السوري ، ويستمر الفساد المستشري والنهب المنظم لثروات الدولة والمجتمع ، وتتفاقم الأزمة الشاملة التي تلف البلاد ولا تبدو في الأفق معالم انفراج لها .

القمع ثم القمع ثم القمع ، هذا ما يعرفه الاستبداد . ويبدو أنه لا يريد أن يعرف شيئاً آخر . وهو بذلك لن يحصد إلا العاصفة لأنه لا يعمل إلا على زراعة الريح . . .

شكراً لكل من يساند معتقلينا وقضيتهم العادلة بكلمة حرة أو بموقف تضامني شجاع .

شكراً لجمعيات ومنظمات ولجان حقوق الإنسان السورية والعربية والعالمية التي تقف إلى جانبهم ، وتعمل على التخفيف من معاناتهم .

شكراً لهذه القافلة الجديدة من الأحرار التي تثبت أن سورية حية ولا شيء بقادر على قتل إرادة الحياة والنهوض فيها ، حتى ولو تحولت إلى سجن كبير .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى