علي كنعان في برزخ الجنون : استحضار زمن وأصدقاء ومدينة
رشاد أبوشاور
كلّما مررت بمحاذاة جامعة دمشق، تجدني ألتفت يمينا، أو يسارا، بحسب اتجاهي في المرور، لأشبع نظري بمكان أثير علي نفوس كثيرين ممّن درسوا في تلك الجامعة، أو ترددوا علي ندواتها،وأمسياتها، بصحبة صديق، أو أستاذ من أولئك الذين كانوا يعلموننا، وفي ذات الوقت هم طلاّب يدرسون في الجامعة، كما كان يحدث معي.
ذلك المكان هو (بوفيه) جامعة دمشق، المنفصل عن المبني، والذي يقع علي يمين المدخل، وأمامه حديقة صغيرة دائريّة، هي المدخل المرحّب الأخضر الواعد،والذي يدور حوله العشّاق الجامعيون وهم يفتحون كتبا بين أيديهم، لا ليقرأوا معا، ولكن ليضللوا العزّال، والفضوليين.
البوفيه، وهذا ما فاجأني، لم يعد بوفيه !..إنه حاليّا مبني لفرع البنك العقاري السوري!
عاتبت نفسي: تستحّق أن يحدث التغيير،وتخسر زيارة المكان الذي التقيت فيه بشعراء الجامعة الذين جمعتك بهم صداقة حميمة: فوّاز عيد (الفلسطيني)،ممدوح عدوان، علي كنعان، فايز خضوّر السوريّون، كريم كاصد (العراقي)، تيسير السبول (الأردني)…
كان البوفيه موئلاً لعشّاق الشعر، الذين يحضرون خصيصا لسماع نجوم الشعر الشباب ـ آنذاك ـ في بوفيه الجامعة، الذي ترفع طاولاته عصرا، ليتحوّل المكان ساحةً دائريّة مسرحيّة، يتناوب الشعراء علي الوقوف في وسطها، بينما الحضور يتحلّقون حول الدائرة منتشين بالشعر،ونظرات العيون التي تفصح عمّا تخفيه القلوب.
ربّما كان ممدوح عدوان هو الذي ابتكر (الحركة) في الساحة، لميله المبكّر للتمثيل والمسرح.
صديقي فوّاز عيد هو الذي طالما اصطحبني معه، وشجّعني علي الخروج من ترددي، فأنا كنت في المرحلة الثانويّة، وكنت أشعر بالحرج من اقتحام أبواب الجامعة، والاحتكاك بالطلاّب والطالبات!
رحل فوّاز عيد، وممدوح عدوان، وقبلهما بسنوات رحل تيسير السبول رحيلاً تراجيديا، ورحل صديقهم جميعا الروائي هاني الراهب الذي لمع وهو طالب في الجامعة بروايته (المهزومون) التي فازت بجائزة مجلّة (الآداب) عام 61…
قبل أيّام، وجدتني أتملّي المبني، واللافتة التي تعلن عن البنك العقاري السوري، ولا أدري كم طالت وقفتي علي الرصيف.
انثالت في نفسي ذكريات، ومقاطع من قصائد ما زالت الذاكرة تحفظها، للراحلين الأعزّاء… وإذ عدت إلي عمّان، ألفيتني من جديد، أعود لقراءة قصائد (برزخ الجنون) لعلي كنعان.
في جلسة جمعتني والشاعر العراقي الصديق حميد سعيد، وكان قد فرغ من قراءة هذا العمل الشعري الذي يعلن العودة ( القويّة) لعلي كنعان، بعد سنوات من الصمت، قال حميد: هذا أجمل عمل شعري لعلي كنعان… وافقته علي رأيه، وأضفت: علي كنعان من قلّة قليلة من الشعراء الذين يمضون قدما، يطوّرون قولهم الشعري، مع تقدمهم في العمر، يعني هو لا ينضب، ولكنه ينبجس شعرا رقراقا صافيا، بعد احتباس.
وأضيف: أحسب أن السّر هو في كون علي كنعان طفلاً!.. في جنبيه روح طفل، مخيلة طفل، رغبات طفل، براءة طفل…
الطفليّة عند علي كنعان هي في الأساس: براءةً، ودهشةً، وحنين، وتعلّق بالمرأة التي يمحضها حبّه الملتاع، المرأة الميناء الذي يختتم به الرحيل والضرب في الآفاق.
علي كنعان في (برزخ الجنون)، يتنقّل بين المرأة، وجنين البطولة والمذبحة، ويستعيد الأصدقاء الذين رحلوا، أولئك الذين جعلوا ليل دمشق شعرا وياسميناً، تبشيرا بالوحدة الآتية، وفلسطين التي لا بدّ أن تعود…
أيام الرومانسيّة انطوت، مخلّفةً الفواجع والحسرات، ولذا يأخذنا علي كنعان معه في رحلة الوجع والغربة والفقدان، وهو يخاطب المرأة التي يفترض أنها تمنحه الأمان، والميناء:
خلّي فتاك ساكنا تحت الشغاف
خليّه في غلائل الحلم
وفي هواجس الأرق
أليس طقسا رائعا أن تبحري معه
كما التحام الشمع واللهب؟
هذه هي رحلة المحبين في الزمن العربي الكسيح، إنها رحلة احتراق، لا أمان فيها، متعتها هي الاحتراق، وهذه المتعة حاجة، وخيار واع، يعطي في الختام معني، ضوءا يبقي. أمّا وقد بلغ الشاعر هذا العمر الذي سفحه في ( الغربة)، فإنه يناجي الصبا، والطفولة:
يا طيوف الصبا، يا غيوم الطفولة
كيف ننسي أياديك في ضحوة السابعة؟
ونحن اليتامي، طيور العزاء،
نحتمي بالمثاني
وسورة ياسين
والفتح..والمائدة
ولا شيء يخفي مباهجنا الساطعة
ولا خوف من شبح أو غراب
لكن الطفولة ضاعت، صوّحتها النكبات، والمصائب، جماعيّة، وفرديّةً، لذا يخاطب الشاعر حبيبته، وللشعراء دائما حبيبات هاجرات، أو موهومات مستحيلات، متخيلات:
ولا تسألي النهر عن سر أوجاعه
في عصور الجليد
ولا كيف أذوي بصحبة موتي
وأنت هنالك أحجية سادرة
وراء اختلاط الرؤي والظنون
وليس لقلبي حمي أو ملاذ
سوي أيكة الياسمين
وأيكة الياسمين في دمشق، دمشق التي كان يلتقي في وارف ياسمينها في زمن الصبا والجامعة مع شعراء فتنوا البنات، وضوّعوا الأيام بعطر الشباب، والأمنيات، والوعود…
علي كنعان يكتب شعره في زمن البنك العقاري، والبترودولار ـ لا بترول العرب للعرب، والشعارات الشجاعة..الضائعة ـ! والاحتلال، والموت في العراق، وفلسطين، ولبنان..وغربته الشخصيّة كمواطن عربي، وشاعر عربي!
يختتم قصيدة (إشارة خضراء) بـ:
ولا تتركيني سمكا ذاهلاً
في قرار الشباك
من هي هذه التي ستنقذه من الشباك التي اقتنصته، وارتهنته فريسة، بعد أن كان حلمه وسع السماء؟!.
إنها أكثر من أن تكون امرأة، إنها الحريّة التي وعد نفسه بها، هو وجيله العربي، (جيل القدر) كما وصفه في روايته مطاع صفدي، الجيل الذي سيبدع مصيره، ولا يسقط في الشباك!
أعراس جنين، قصيدة في مقاطع خمسة، تبدأ بمدخل مسرحي:
خففي إيقاعك الجارح
يا طير الأنين
وتهادي بين رفّات المناديل
ارفعي ألوية الفجر المدمّي
زغردات وشموعا
في دروب الغاشية
أنت في حضرة نيسان جنين
هكذا يبدأ نشيد جنين، بصور تتوالي مستحضرةً المشهد (الجنيني) الدامي، مشهد الإبادة، والبطولة، والصمت العربي المتواطيء علي فلسطين، وكّل مذابح شعبها:
في بلاط قريش وأتباعها
هللوا لجيوش الموالي
وإن كان قادتها من فلول التتار
وسوي الروم خلفنا..ألف روم
الشعر ليس ندبا متفجعاعلي المذبحة، تعاطفا رخوا آنيّا، ولكنه رؤية، وموقف. نعم الشعر موقف، وإلاّ ما الفرق بين شعر يمدح، وشعر يرفع راية العدل، والوضوح، والصدق، والفضح،والهجاء لكّل ما هو قبيح ؟!
علي كنعان لا ييأس، فالشعر بشارة. الشعر يمنح أملاً. الشعر يأخذ المتلقي إلي مستقبل أجمل، لا بالوهم، ولكن بالتعلّق بالحريّة، والامتلاء بالشعور بالكرامة في وجه عسف المحتلين الغزاة، والمتواطئين المحليين.
المشهد في الختام هو علي حقيقته، أم نسينا (محمود طوالبة) بطل جنين ورفاقه أبناء المخيّم البسيط الذي أذاق جيش الاحتلال خسائر فادحة؟!
مدرعة، قلعة، زاحفة
وأسطورة،
من نجيع فتي
وذاكرة عاصفة
حجر نيزك في يد
لا تخاف
أمة تسترّد صباها
وتدخل فصل القطاف
تبدأ القصيد ـ النشيد، بتفاصيل المشهد الثقيل الوطء علي النفس، كما هو في الحقيقة، وتنتهي بالأمل، فالأمة التي تقاوم تتجدد، تخرج من زمن الخنوع، وتبدأ فصل القطاف، بدم الشهداء، بالبطولات، بخوض معركة غير متكافئة سلاحا، ولكن التفوّق فيها للإرادة…
افتقاد الأصدقاء، والرجوعيات!
كأنما تطلع القصيدة مع الأنفاس، فالأصدقاء الذين رحلوا هم العمر كلّه، بهجته، ربيعه، أحلامه، حماسته للحياة ونهله منها…
وعلي كنعان افتقد صديقين شاعرين، كانا ملء السمع والبصر. امتزج شعرهما بياسمين الشام، وطفولتها في آخر الخمسينات ـ كان تعداد سكّان الشام آنذاك حوالي ثلاثمئة وسبعين ألف مواطن فقط! ـ وبدء هبوب رياح الحداثة الأدبيّة، والفنيّة، وامتلاء النفوس والعقول بالأماني الدانيّة: الوحدة العربيّة، والأمل باقتراب فجر فلسطين، ووعود الاشتراكيّة، والعدالة، والخروج من زمن التخلّف.
علي كنعان خسر فوّاز عيد، صديق الجامعة، وما بعدها، وممدوح عدوان صديق الجامعة وما بعدها أيضا…
رحل الذين أحبهم
وبقيت مثل السيف فردا
هذا ما يردده علي كنعان، مع جدّه الشاعر العربي، ولكنه، وهو ابن القرن العشرين، وبداية القرن الحادي والعشرين، يقول شجنه، ولوعة فراقه للأحباب، بالتفعيلة ابنة البحر الشعري العربي، بروح زمنه، ورؤيته هو، فهو لا يعيش في عباءة جدّه:
طالت الغيبة
واسترخي علي مائدة النجوي
جدار من جليد
آن أن تخرج من شرنقة الخوف
إلي ميعادك الشعري
يا فواز عيد
الغيبة طالت، وستطول، ويا صاحبي..لا تلاقيا!، ففي هذه الدنيا انتهت الرحلة، وما بقي سوي انتظار ما يخبئه ما وراء الموت.
ليس لعلي كنعان سوي الحسرات ـ وأنا مثله، وكثيرون ـ والذكريات ليست صدي السنين، ولكنها النار تتأجج في الحشا، فلا بهجة، ولا شعر، ولا وحدة عربيّة،ولا فلسطين، ولا حريّة، ولا خبز، ولا كرامة، ولا ياسمين!
لم تخن يوما فلسطين
فهل خانتك حمّي ليلها المنقوع
في بحبوحة العرس الجديد؟!
فواز عيد الشاعر الفلسطيني رحل في عز الشباب، أنشد لفلسطين، وما خان، ولا نقص حبّه، ولا إيمانه، وها هي فلسطينه في بحبوحة العرس الجديد ( تمدّد علي موائد السمسرة) فالعرس ليس لأبنائها، ولا لحريّتها، ولكنه عرس بيع جسدها علي مائدة التنازلات!
الشعر لا يخون، والشاعر يرحل ويبقي شعره، وبه تنشد الأجيال حبها لوطنها.
يخاطب علي كنعان صديقه:
ما الذي تخفيه هذي الكأس يا فوّاز
من ذكري أميرات الندي
ما بين أبهي..والقصيم؟!
((عمتي تبغاك..)) أو تبغيك
لا تحفل !
يظّل الفتح والضّم
هنا..في لغة الليل
وناموس الهوي النجدي
أشهي
كان فوّاز قد عمل معلما في تلك المناطق لسنوات، وعلي كنعان يمر علي تلك الفترة من حياة صديقه، يداعبه، يستعيد بعض تفاصيل حياته التي مضت…
وعلي المستوحش بعد فقدان الأصدقاء، يخاطب فوّاز عيد في مقطع يبدأ بمطلع قصيدة من قصائد فوّاز:
عم صباحا، يا صديقي
عم مساءً أيها الناي الشجّي
ضاقت الدنيا بنا
ضاق الفضاء
آن أن تفسح لي شبرين…
كم يسعدني يا صاح
أن يغرب نجمي في جوارك
فاسترح في مهدك الطيني
لا تأسف علي شيء سوي الشعر
وخّل الحور ينشدن لنا:
جادك الغيث…
أفل زمان الوصل في (أندلس ) علي كنعان، وفوّاز عيد، وممدوح عدوان، الأندلس العربي المأمول، أندلس الوطن العربي الواحد الكبير بقيمته وقيمه، ووعوده… وأنا أستعيد هاتين القصيدتين، قصيدتي: فوّاز عيد، والحصان الخشبي المهداة لممدوح عدوان، والتي هي عنه وله، تساءلت عن سر قوّة تأثيرهما في نفسي…
إنه الشعر في القصيدتين، وحضور روح الشاعرين في نسيج القصيدتين، وغزارة الشجن، وثقل الوجع، بل الفاجعة الأبعد من البكاء علي صديقين عزيزين متميزين…
هؤلاء الثلاثة شعراء عرب، المتفجّع، والمتفجّع عليهما، وهم عاشوا، وعايشوا، وباؤوا بالخيبات، وإن لم يقنطوا، أو ينتكسوا، رغم ثقل تلك الخيبات.
الشعر هنا ليس مجرّد مراثٍ هي قيام بواجب تجاه أصدقاء، ففي الشعر أمكنة، وأزمنة، وفي الخلفيّة أحداث عصفت، واقتلعت، ودمّرت، وشباب اكتهلوا في زمن الهزائم، وماتوا موجوعين حزاني.
ضاقت الساعة
هكذا يبدأ قصيدة (الحصان الخشبي) المهداة لممدوح عدوان، وهي قصيدة تتكوّن من مقاطع، أو (حركات)، فيها سيرة ممدوح التي تبدأ من بلدته (دير ماما) علي الساحل السوري، وفيها صخب حياة ممدوح الريفي الذي اقتحم المدينة، دمشق، حين وفدها طالبا في الجامعة، بـ(عدوانيّة ) مستفزة، هي قناع يتحدّي به خجله، وتواضع نشأته، وتشاوف المدينة عليه، تلك المدينة التي منحته العلم في الجامعة، والنجوميّة في الصحافة منذ كان في الجامعة، ثمّ الشهرة الطاغية المجتاحة لفضاء الشام الثقافي، الشام مدينة الياسمين السمحة التي أحبها ممدوح، وعاش فيها حتي رحيله.
ضاقت الساعة
ساخ الليل في حمّي سكون الأرصفة
حقبة غادرها عشّاقها
الحقبة التي غادرها عشّاقها، اختتمت بالموت الفاجع لشعراء في أوج شبابهم وعطائهم، فوّاز عيد انفجر دماغه، وممدوح افترسه السرطان، وصوّح بشجرة عمره الخضراء، أسكت صخب حضوره، وحيويته…
هذا المطلع في القصيدة التي عنوانها الفرعي: سهرة خّاصة مع ممدوح عدوان، يحيلنا إلي المسرح، وممدوح تميّز دائما بحضور مسرحي، بدأه بالإلقاء، وتوّجه بالكتابة للمسرح، حتي يمكن اعتباره أغزر مسرحيي سوريّة المعاصرين.
بعد المدخل الذي يبدو هادئا، ينتقل علي كنعان، في المقطع الثاني ليرسم خصيصة من سلوكيات ممدوح:
ليس من عادته أن يخلف الموعد
أو ينسي أحبّاء السهر
ربّما راح يزور الوالدة
ربّما طاف به سرب ظباء
وما نعرفه أن الوالدة رحلت منذ زمن، وأن ممدوحا رثاها رثاء المتفجّع في مجموعة كتبها لأجلها (أمّي تطارد قاتلها)…
أمّا سرب الحسان الذي ربّما طاف به، فهو سرب:
يعشق الشعر علي بحّة ناي
كّل هذا لم يحدث، فالشاعر راح لزيارة الأم التي رحلت، ولذا يتوقّع الشاعر:
ربّما استوقفه ظل غراب
والغراب حين ينعب، يكون الفأل السيء عند الريفيين، وعلي كنعان وممدوح ريفيّان، والصورة ذكيّة: ظل غراب، فالظّل يسقط من حالق، من فوق…
في مقطع متفجّع تعلو النبرة، ويتغيّر إيقاع القصيدة، وهو ما يجسّد الحالة النفسيّة للشاعر:
رئتاك يا ممدوح، أم كبدي
حضنت جلال السّر في نيسان؟
القوم يحتربون في شبر من الزبد
والشعر فوق الدّر والمرجان
وتكون صيحة استغاثة الحي بالميّت:
قف يا أخي جنبي وخذ بيدي
غصّت دروب الليل بالغيلان
كيف أبكيك ؟! وما زلت هنا
في شهقة الروح
وفي دفء العناق
لم تغب عنّا ولم ترحل
هذه القصيدة الأطول لعلي كنعان، الممتدّة علي عشرين صفحة، يمكن أن تمسرح، وتقدّم لا ممدوح عدوان وحده، ولكن جيل (الجسر)، أو (جيل القدر)، وفجائعه:
نحن جيل الجسر
فرسان الطواحين..وأحيانا ضحاياها
لم نكن يوما لنقتات جراح الناس
جيل الجسر، هم جيل جسر خليل حاوي، الذين أنشد لهم:
يعبرون الجسر في الصبح خفافا
أضلعي امتدت لهم جسرا وطيد
يعبرون الجسر من مستنقع الشرق
إلي الشرق الجديد
هم لم يعبروا، هم (فرسان الطواحين) الدونكيشوتات، الذين لم ينتصروا، ولكنهم الجيل الشريف الذي لم يخن ولم يقتت من جراح الناس…
في هذه القصيدة يستعيد الشاعر أصوات: السيّاب، خليل حاوي، نزار قبّاني، خليل خوري الشاعر السوري الذي مات قهرا في بغداد بعد أن بدأ زمن حصارها، والاستفراد بها…
يعود علي كنعان إلي المعرّي، وابن الرومي، الذي من أشهر أبياته:
إنّ للّحظ كيمياء إذا ما
مسّ كلبا أحاله إنسانا
علي كنعان، يعود بعد سنوات غياب امتدّت طويلاً. بدأ عودته بمجموعته: (نخلة اسمها فاطمة)، ثمّ بهذه المجموعة (برزخ الجنون)، ومن بعد بـ(أبجديّة الينابيع ).
هذه المجموعات الثلاث يمكن اعتبارها عملاً شعريّا واحدا، هو تتويج لرحلة هذا الشاعر الذي أينعت موهبته بعد صمت، وتشرّد، لأنها موهبة أصيلة، مثقّفة، منتمية الي الحياة والإنسان…
علي كنعان لم ييأس، وهو يعبر برزخ الجنون، فالجنون الذي يرفعه علي كنعان، هو الجنون الذي يعصف بكّل هذا الخراب الذي يجتاح بلاد العرب، ويتلف حياتهم…
03/05/2008
القدس العربي