عارنا
حسام عيتاني
ثلاثة اسماء مثلت العالم العربي في الاستطلاع الذي تجريه مجلتا «بروسبكت» و«فورين بوليسي»كل ثلاث سنوات لأول مئة مثقف عام: عمرو خالد ويوسف القرضاوي وسري نسيبة.
وفيما يحافظ سري نسيبة على موقعه في اللائحة وكذلك على السؤال المحيط به عن مستوى تمثيله للمثقف العربي العام والمساهمات السياسية والفكرية التي تقدم بها ويمكن تسجيلها في خانة تبيح الادعاء بتميز ما له، فإن عمرو خالد ويوسف القرضاوي احتلا مكان السيد علي السيستاني.
في الكم، يجوز القول ان موقع المثقف العربي بين نظرائه العالميين تقدم من اثنين قبل ثلاثة اعوام الى ثلاثة في العام الحالي. في النوع، المسألة ليست أقل من عارٍ على الثقافة والسياسة والاجتماع في العالم العربي.
ليس من يجادل في المعيار الذي اعتمدته المجلتان، وهو مستوى التأثير والانتشار بين الجمهور المهتم بالشؤون الثقافية (مع شرط اساس هو ان يكون المرشح على قيد الحياة)، فخالد هو «الواعظ التلفزيوني» الاوسع استقبالا بين جمهور الشباب العربي والمسلم، أما القرضاي فيحمل رسالة الاعتدال والتسامح في برنامجه التلفزيوني الاسبوعي، بحسب التعريفين اللذين قدمتهما «بروسبكت» و«فورين بوليسي».
لنا هنا ملاحظة امرين. اولهما ان الرجلين لا تتخطى قيمتهما الثقافية او الفكرية ما يمتلكه أي رجل دين متوسط الاطلاع، والثاني انهما يستخدمان التلفزيون وسيلة لنشر «ثقافتهما». وبينما يفصح الاول عن ضحالة وضآلة ما يمكن ان يوضع في حيز الثقافة العربية الراهنة، يشير الثاني الى الاهمية الحاسمة للعلاقات العامة وتحكم النزعة الاستهلاكية ـ الاسلامية المشتركة في الحياة الثقافية العربية.
وقبل استطلاع المجلتين البريطانية والاميركية، كتب وقيل الكثير عن خالد والقرضاوي، في الصحف ووسائل الاعلام العربية والاجنبية. واذا كان المجال هنا لا يكفي لرصد جوانب «الاعتدال» في رسائل القرضاوي او ملامح «الانعتاق» الذي يدعو خالد اليه، فان في تصدر هذين الشخصين (الى جانب سري نسيبة) لممثلي العالم العربي في الثقافة العالمية، حتى لو وصف المدرجون فيها «بالعامين»، ما يستدعي النظر العميق.
قد لا تكون اللائحة نموذجا لما يرغب المرء في رؤيته من اسماء. فبعض المثقفين العامين من الاوروبيين والاميركيين، لا يصح أخذهم كعينات مشرقة عن اهتمامات متابعي الشؤون العامة في بلادهم. المعيار المعتمد، أي الانتشار والتأثير، يحيل حكما الى نوع من التركيز على النجوم واهمال الانتاج الثقافي، بما يجعل النتائج تجنح الى التسطيح والى معاداة «النخبوية».
لكن أن يأتي يوسف القرضاوي وعمرو خالد بعد علي السيستاني ويتشبث سري نسيبة بترشيحه غير المبرر او المفهوم، ففي الامر اكثر من سؤال حول العدة المعرفية التي يحملها العرب والمسلمون في القرن الحادي والعشرين هذا، او بالاحرى العدة التي يتصور العرب انهم يحملون، حيث لا يعود من المجدي في هذا المقام التفريق بين الواقع والوهم.
ويتعين هنا التأكيد ان الاعتراض في المقام الاول، ليس على ان الاسلام هو ما ينشر الواعظين التلفزيونيين، اطلاقا، بل على ذلك التسليع للاسلام بجعله ملائما للخطابات الشعبوية (وغير المزعجة في الوقت ذاته لسلطات الاستبداد والقمع العربية) من جهة القرضاوي، وللنزعة الساعية الى الاحتفاظ بمتع العصر ولذّاته من دون الشعور بعقد الذنب او الاثم، من جهة خالد. ليصبح الخطاب الاسلامي على يدي هذين الرجلين دفعا للشبان نحو العدمية السياسية والمغامرة العسكرية وفي الوقت ذاته، تبرئتهم من مسؤولياتهم الاجتماعيـة والاخلاقية بايجاد اعذار لتضافر الاستهلاك مع عدد من التيارات السلفية.
الارجح ان القرضاوي وخالد لا يباليان كثيرا بهذا النوع من التشخيص. لكن دعونا نعود الى العبارة التي اشتقها الكاتب الابرز في الشؤون الاعلامية (الميديائية) مارشال ماكلوهان والقائلة ان «الوسيط هو الرسالة». ان التلفزيون من الاهمية في صناعة الرأي العام بمكان بحيث لا يهمل تفصيلا يدخل في تكوين المزاج العام الا ويستغله، للحفاظ على دوره. و«الوسيط»، التلفزيون بحسب تعبير ماكلوهان، يفرض على البيئة التي تحمله قيمه الخاصة وهذه استهلاكية بالدرجة الاولى، بغض النظر عن السلعة المعروضة على المشاهد ـ المستهلك.
يمكن هنا الانتقال الى رأي آخر لعالم الاجتماع بيار بورديو الذي يصح اختصاره بأن كل ما يعرضه التلفزيون يصب في نهاية المطاف في خدمته كوسيلة للهيمنة السياسية والاجتماعية، أدرك القرضاوي وخالد ذلك ام لم يدركا.
لائحة المثقفين العامين في المجلتين الغربيتين، تحمل في ما تحمل عار الثقافة العربية في واحد من اقتم عصور انحطاطها.