صفحات سورية

الأسد في حديث تنشره «الشرق الأوسط» إذا كنا نتحدث عن المسار السوري فليس لأحد علاقة به.. لا حزب الله ولا حماس ولا إيران

null
غوردن هارير
أكد الرئيس السوري بشار الأسد أن حماس وحزب الله لن يهاجما إسرائيل عبر سورية، مشيرا إلى أنه توصل في المفاوضات المباشرة مع إسرائيل بوساطة تركيا إلى مرحلة أقرب إلى الاتفاق مما كان عليه الحال أيام مفاوضات والده مع رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها إيهود باراك والرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون عام 2000. وقال في حديث نشرته «الشرق الأوسط»: «أعطينا الأتراك خريطة بها نقاط قليلة على خط 1967 وكان من المفترض أن يوافق الإسرائيليون على هذه النقاط»، مشيرا إلى أنه سمع من رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، أن أولمرت كان مستعدا لرد مرتفعات الجولان كلها. وفي الحديث أكد الرئيس الأسد أنه «لا علاقة لحماس أو حزب الله أو إيران بالمسار السوري. وعندما تتحدث فقط عن ستين كيلو مترا أو خمسة وستين كيلو مترا، وهي الحدود السورية، فلا يمكن أن تتحدث عن حماس وحزب الله. فهما لن يهاجما إسرائيل من خلال سورية على أية حال».
قال الرئيس السوري بشار الأسد، في مقابلة، أمس، إن بلاده كانت قريبة جدا من التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل نهاية العام الماضي، إلا أن نشوب الحرب على قطاع غزة بدد كل شيء. وقال الأسد في حديث نشرته «الشرق الأوسط» إنه كان يتحدث هاتفيا إلى رئيس وزراء تركيا طيب أردوغان، حينما كان رئيس وزراء إسرائيل السابق إيهود أولمرت هناك يتناول معه العشاء». وأكد الرئيس بشار أنه توصل إلى مرحلة أقرب إلى الاتفاق مما كانت عليه الحال أيام مفاوضات والده مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك والرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون عام 2000.
وحول احتمال قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل تعيشان بسلام قال الأسد «إنه مثل الحديث عن القرار 242، حيث كان موجودا لمدة 42 عاما، وما زال ساريا. ولذا، فإن الأمر مماثل لحل الدولتين». وعن احتمال عقد لقاء قمة مع نظيره الأميركي باراك أوباما قال الأسد «سمعنا أنه قادم إلى المنطقة، شخص ما قال لي إنه سوف يأتي.. وأوضح أنه لا يريد عقد قمة لمجرد التقاط الصور، وأضاف «لو كانت مناسبة لالتقاط الصور، يمكننا القيام بذلك غدا.. لكن الأمر مرتبط بالأهداف التي تريد تحقيقها وهذا أمر مهم».
ودافع الأسد عن حزب الله، وقال إن الحزب اللبناني لا يحمل شيئا ضد مصر أو المصريين، وقال «فما هو هدف حزب الله من القيام بذلك؟ إن حزب الله ليس لديه غاية من القيام بذلك، وقد نفى ذلك.. وقالوا إنهم لا يحملون شيئا ضد مصر أو المصريين. وبشأن توقعاته لمحكمة الحريري قال الأسد «ليس لدينا أي توقعات، لكن الأمر لا بد وأن يتم بحرفية. وإذا ما تم التعامل مع الأمر بحرفية فسوف ينتهي بصورة جيدة، وهذا هو ما نتوقعه».
وحول ما إذا كان سيقبل نتائج المحكمة قال «هناك اتفاق بين هذه المحكمة والحكومة اللبنانية. وإذا ما كان الأمر يتعلق بسورية فلا بد من عقد اتفاق مماثل لأن لدينا قانوننا الخاص». فإلى نص الحوار

* لقد قلتم في مقابلة أخيرة إنه في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2008 كنتم أقرب إلى إبرام معاهدة مع إسرائيل. وقد حدث ذلك قبل أن يتولى باراك أوباما رئاسة الولايات المتحدة وقبل الانتخابات في إسرائيل، التي أفرزت حكومة يمينية. فهل يمكن لكم أن تطلعونا على المزيد من المباحثات وهل تعتقدون أن استمرارها ممكن؟ ـ لقد كانت المباحثات غير مباشرة بغرض استشفاف النوايا لدى الطرف الآخر، لأنه بعد ثماني سنوات من الشلل في عملية السلام، وبعد الحرب على لبنان والهجمات على سورية، لم تكن هناك ثقة على الإطلاق. وبالطبع بعد الفشل في تسعينات القرن الماضي، الذي تلا عشرة أو تسعة أعوام من المباحثات، لم تعد لدينا ثقة في الطرف الآخر. ولذا، كانت المباحثات تدور حول جس نبض الطرف الآخر فيما يتعلق بمرتفعات الجولان وخط 1967. وقد أعطينا الأتراك خريطة بها نقاط قليلة على هذا الخط وكان من المفترض أن يوافق الإسرائيليون على هذه النقاط. وبالطبع، كما سمعنا من رئيس الوزراء التركي أردوغان، كان أولمرت مستعدا لرد مرتفعات الجولان كلها، ويعني ذلك أنه لم تكن هناك مشكلة فيما يتعلق بهذه النقاط.
* هل قرر أولمرت ذلك قبل بدء المحادثات؟
ـ نعم، لقد كان ذلك قول أولمرت لأردوغان، لأن موقفنا كان يتلخص في أنه عندما يقولون إنهم مستعدون لإرجاع مرتفعات الجولان، فإننا سوف نكون مستعدين للتحرك في بدء مفاوضات السلام. ولذا قال ذلك، وفي النهاية كنا قريبين من التوصل إلى اتفاق، وكان الأمر يدور حول بعض العبارات والمصطلحات التي تحدد ما إذا كانت هذه النقاط سوف تكون على الخط أم سوف تتم دراستها ومناقشتها.
* لذا، فقد كان الأمر متعلقا بترسيم الحدود؟
ـ تماما. وما يجب أن يقال هو ما إذا كانت هذه النقاط موجودة على الخط أم لا. وإذا لم يكن كذلك، فإننا نقول لا، نحن لا نوافق، ونوقف المباحثات. وإذا كان الأمر كذلك، فإنه يجب أن يوثق من خلال الأتراك. وبالطبع، فإنهم لم يقولوا نعم أو لا. فهم دائما يستخدمون كلمات غامضة مثل «سوف نرى، أو أن الأمر قابل للنقاش، إلخ». لكننا قلنا لا، لأن النقاط والأرض لا تخضع للنقاش. ونحن نفاوض على أي شيء ما عدا الأرض. ويجب أن نستعيد كامل أرضنا تماما، ولكن عندما وصلنا إلى هذه النقطة، كانوا يراوغون، ثم قاموا بمهاجمة غزة وفشل كل شيء. وهذا هو ما حدث. لقد كنا قريبين تماما من التوصل إلى اتفاق ولكن ذلك هو ما فعله أولمرت. وعلى الهاتف عندما كنت أتحدث إلى أردوغان، كان أولمرت هناك يتناول معه العشاء. وقد اتصل بي أردوغان وقضينا ساعة على الهاتف ثم استمر وزير خارجيتنا مع المستشار الخاص به.
* يعني ذلك أنه فيما يتعلق بالنقطة التي توصلتم إليها في المباحثات، كنتم على المسافة نفسها التي وصل إليها والدكم مع باراك وكلينتون عام 2000؟
ـ في الحقيقة، لقد كنا أقرب، لأنه في عام 2000 لم نتحدث حول هذه النقاط. وقد كانت هذه هي المرة الأولى التي نتحدث عنها. ولذا، إذا استطعنا التوصل إلى شيء، فربما كان أهم مما توصلنا إليه في التسعينات. ولكن لم يحدث شيء وعدنا إلى المربع الأول مرة أخرى.
* ماذا عن المستقبل؟
ـ نحن لا نربط رؤيتنا للسلام مع ما يحدث في إسرائيل، سواء كان التغير في الحكومة أو كان هناك هجوم، أو أي شيء من هذا القبيل. إننا لم نر قط أن إسرائيل قد غيرت سياستها تجاه العرب وتجاه السلام. ولهذا السبب قلنا إننا كنا نحاول اختبار النوايا لدى الطرف الآخر. هذا أولا. وثانيا، ليس لدينا شروط. إنها أرضنا وهناك فارق بين الشروط والحقوق. ونحن لدينا حقوق، وليس لدينا شروط. والجولان ليست شرطا، وإنما هي حق. ولذا، يجب علينا أن نكون دقيقين لأنهم عندما يقولون إنهم مستعدون لاستئناف المحادثات دون شروط مسبقة، فإنهم يعنون الأرض. لكن الأرض ليست شرطا، وإنما هي حق. والشروط الدولية تتبع شروط مجلس الأمن وهي شروط دولية وليست سورية.
* إلى أي مدى تنظرون إلى ليبرمان على محمل الجد عندما يقول إن العرض الآن هو «السلام مقابل السلام؟» ـ إن ذلك يعني السلام دون أرض، ويعني أنه لا سلام. فالنسبة لهم، ولنا كذلك، فإن السلام مختلف عن معاهدة السلام. فالسلام يكون بين شعبين. ويمكن توقيع معاهدة سلام دون إرجاع الأرض، ولكن لا يمكن أن يكون هناك سلام، ولا يعني التوصل إلى اتفاق سلام تطبيع العلاقات. وبالطبع، فإننا لا نقبل ذلك بأي حال من الأحوال: ولكن إذا كانوا يبحثون عن ذلك، فإنه ليس أمرا ناجحا. وهو أمر لا يعمل على إحلال السلام. ولذا، ليس هناك شيء يسمى «السلام مقابل السلام».
* كتب سيمور هيرش في «النيويوركر» أن الأمر اليوم متعلق بـ«منطقة للسلام والتحالف الاستراتيجي».
ـ هل تتحدثين عن إعادة تحالف استراتيجي مع سورية، بمعنى ما يرغبه الإسرائيليون من علاقتنا مع إيران وما إلى ذلك؟ لا، لأننا نتحدث دائما حول هذا الموضوع، وليس عن العلاقات. إن لدينا موضوع السلام. فمن هم أصحاب هذا الموضوع؟ إذا كنا نتحدث عن المسار السوري، فليس لأحد علاقة، ليس حزب الله ولا حماس ولا إيران. وإذا كنا نتحدث عن لبنان، فليس لسورية أو الفلسطينيين علاقة. وحماس وحزب الله طرفان طبيعيان في أي عملية سلام من خلال الحكومة الخاصة بهما. ولكن على أية حال، فإن إيران ليست جزءا من السلام الخاص بنا. وليس لها به أي علاقة. ليس لها أي علاقة بالسلام. ولذا، فإن هذا الربط بين عملية السلام وعلاقتنا بالآخرين ليس أمرا واقعيا. وهذا هو السبب في أننا قلنا لا، لأنه ليس هناك علاقة بين السلام وعلاقتنا مع البلاد الأخرى. إن السلام قضية تتعلق بأرضنا المحتلة والسبب في عدم إحلال السلام هو وجود الاحتلال، وعندما لا يكون هناك احتلال فلن تكون هناك مشكلة. وإذا سألتهم عن العلاقة بين السلام وإيران، فإن بعضهم سوف يقول أشياء غير واقعية مثل أن إيران ليست سعيدة بالسلام. وقد قلنا إن ذلك ليس حقيقيا، لأننا عندما بدأنا المحادثات في مايو (أيار)، دعمت إيران الجهود السورية بصورة علنية، ولم يعارضها الإيرانيون. ولكن هذه هي حجتهم الوحيدة، وهي غير صحيحة. فإيران تدعم سورية في جهودها لتحقيق السلام.
* إذا لم تكن هناك عملية سلام، فماذا سوف تفعل سورية على وجه التحديد؟ وفيما يتعلق بدعم حماس وحزب الله، فإن الولايات المتحدة تخفض من سقف مطالبها. فهم لم يعودوا يطلبون منكم إغلاق مكاتب حماس ولكنهم يطلبون منكم تأثيرا معقولا. فهل ستفعلون ذلك على الرغم من العلاقات المتدهورة مع إسرائيل؟ ـ قبل كل شيء، فإننا – كما قلت – لا نربط بين سياستنا وما يحدث في إسرائيل. ولذا، فإننا لا نعلق أي آمال على هذه الحكومة. ولكن إذا قالت أي حكومة إنها مستعدة لإرجاع مرتفعات الجولان فإن ذلك حسن، ويمكننا التحرك قدما بعد ذلك. ونحن ليس لدينا أمل، ولكن ليس هناك شيء مضمون مائة في المائة في عالم السياسة. وقد تكون هناك مفاجآت وإذا كانت هناك مفاجآت، فإن ذلك حسن، ولكننا لا نرى هذه المفاجآت. والجانب الآخر فيما يتعلق بهذا الموضوع، وهو ما يعتبر مختلفا، هو عندما تتحدث عن العلاقة بين عملية السلام على المسار السوري والمسار اللبناني الفلسطيني. فعندما تتحدث مع سورية حول حدودها فليس هناك علاقة لحماس أو حزب الله. ولذا فإن هذا الأمر ليس واقعيا. وعندما ترغب في مناقشة ما يتعلق بحزب الله وحماس، فإن عليك أن تتحدث عن اتفاق شامل. وحتى الآن، فإنهم لا يتحدثون عن سلام شامل. وعندما بدأوا المحادثات مع سورية تحدثوا فقط عن المسار السوري، وقلنا إنه بمقدار طول الحدود، يكون حجم السلام. وعندما تتحدث فقط عن ستين كيلومترا أو خمسة وستين كيلومترا، وهي الحدود السورية، فلا يمكن أن تتحدث عن حماس وحزب الله. فهما لن يهاجما إسرائيل من خلال سورية على أية حال. ولذا، فما العلاقة؟ إذا أردت أن تتناقش معهم، فعليك بالتوصل إلى اتفاق سلام شامل ولن تكون هناك مشكلة.
* الجانب الفلسطيني ليس مستعدا كذلك. ماذا عن المشكلة الفلسطينية ـ الفلسطينية. وكيف يمكن الوصول إلى وقف إطلاق نار دائم بين حماس وإسرائيل؟
ـ إن المشكلة الفلسطينية ما زالت جوهر مشكلة السلام وجوهر مشكلة العرب منذ عام 1948. وبالنسبة إلى سورية، فإن هناك جانبا آخر، لأن لدينا نصف مليون لاجئ فلسطيني في سورية، ونصف مليون في لبنان، وهم مرتبطون ببعضهم. ولذا، يمكنك أن تتحدث عن حوالي مليون لاجئ كعدد إجمالي. ولا يمكنك الوصول إلى استقرار دائم إلا إذا كان هناك سلام شامل يمكن أن يعمل على حل مشكلة الفلسطينيين في المنطقة. ولذا، فإن هذا هو السبب في أن المسار الفلسطيني مهم للغاية لدعم المسار السوري، وبالطبع المسار اللبناني في الوقت نفسه، لأن المشكلة واحدة. وهم يطلبون منا التحرك على المسار السوري. وإذا كان ذلك يضمن حقوقنا فإننا سوف نتحرك. ولكن هل سنحصل على السلام في نهاية المطاف؟ إنهم لا يفرقون بين معاهدة السلام، والسلام. إن المصالحة الفلسطينية مهمة للمسار السوري وبالطبع المسار الفلسطيني نفسه. وعلينا أن نعمل بجهد أكبر وألا نضيع الوقت في التحالف مع فصيل ضد آخر. دعونا نتحدث عن الصورة الرئيسة على المسار الفلسطيني. فهناك ثلاث مراحل: الأولى هي حل مشكلة الحصار ووقف إطلاق النار، والثانية هي التحرك نحو المصالحة، والثالثة هي التحرك نحو السلام. لا يمكن إنجاز المرحلة الثانية قبل الأولى أو إنجاز المرحلة الثالثة قبل الثانية. ولذا، فإن المرحلة الأولى هي التوصل إلى وقف لإطلاق النار ورفع الحصار. ووقف إطلاق النار مرتبط بالحصار نفسه لأن الحصار يعني الموت، ولكنه موت بطيء. وإذا كان عليك أن تختار بين الموت البطيء والموت السريع، فإنه من الأسهل أن تموت سريعا. وإذا كنت تحت حصار، والشعب يموت بسبب نقص الزيت والكهرباء، حيث يموت الناس في المستشفيات – وإذا كان عليهم أن يموتوا بسبب الفشل الكلوي على سبيل المثال، فإن ذلك يعني أنك سوف تموت. وإذا كنت سوف تموت أو تواجه موت ابنك أو أختك أو أمك أو زوجتك، فإنك سوف تحارب. فلن تقف مكتوف اليدين. ولذا، فلا يمكنك فصل وقف إطلاق النار عن رفع الحصار. ويجب البدء برفع الحصار، ولا شك أن ذلك مهم للغاية وعلى الإسرائيليين أن يبدأوا في التحرك في هذا الاتجاه.
* لكن الإسرائيليين لن يوافقوا إلا إذا توقفت الهجمات تماما من قطاع غزة.
ـ على أية حال، فإن الحصار لن يوقف الهجمات. لكنه سوف يزيد الأمر سوءا. والهجمات تحدث لأن هناك حصارا، وليس العكس، ومع موت المزيد من الناس يزيد عدد الهجمات. فهذه هي وسيلة دفاعهم. سواء كان ذلك صوابا أم خطأ، فإن الأمر لا يهم. فإذا كنت في موقف صعب، فإنني سوف أدافع عن نفسي. إن عليهم أن يفهموا ذلك. فالحصار لن يحسن الوضع في إسرائيل. وعليها أن تفتح الحدود وأن تعمل على إبقاء الوضع طبيعيا في قطاع غزة من الناحية الإنسانية، وأن تترك المشكلات الداخلية للفلسطينيين لكي يتعاملوا معها، سواء منها ما يتعلق بحماس أو فتح، لأن ذلك شأن فلسطيني. وبعد ذلك، يمكن الحديث حول السلام، وسوف يتحسن الوضع في إسرائيل.
* يقول البعض إن الوقت ينفد أمام حل الدولتين. ـ فيما يتعلق بالسلام، فليس هناك وقت لتحقيق هذا الهدف. إنه هدف. إنه مثل الحديث عن القرار 242، حيث كان موجودا لمدة اثنين وأربعين عاما، وما زال ساريا. ولذا، فإن الأمر مماثل لحل الدولتين. وبغض النظر عن ذلك، إذا كانوا يريدون الوصول إلى حل الدولة الواحدة، فهل يمكن أن يصبح أي عربي رئيسا للوزراء؟ فهل يمكنهم فعل ذلك؟ لا أعتقد أنهم سوف يفعلون ذلك. وحتى الوقت الحالي، فإن جميع من في العالم يدعم الدولة الفلسطينية، فلماذا إذن لا نسير في هذا الاتجاه؟ بالطبع، هذا هو الوضع الطبيعي. ولا أعتقد أن هناك مشكلة في ذلك. ولكن المشكلة في الإسرائيليين وليست في الفلسطينيين فيما يتعلق بقبول حل الدولتين.
* كيف ترى دور إدارة باراك أوباما في هذا كله؟
ـ يمكن القول إن لدينا بصيصا من الأمل، أعلنوا عن رغبتهم وهي جيدة، ولكن هذه هي الخطوة الأولى. والخطوة الثانية هي أن تكون هناك خطة بعد التفاوض مع الأطراف المختلفة وبناء اتصالات معها. ولكن الأمر الأكثر أهمية هو الشريك. السلام بين طرفين: العرب والإسرائيليين. ونحن لدينا الرغبة، الجانب العربي لديه الرغبة. والآن، ماذا عن الإسرائيليين؟ أعتقد أن العالم كله يشاركنا حاليا في الرأي بأن هذه الحكومة المتطرفة جدا غير مستعدة للسلام. ولكن، من جديد، الأمر لا يتعلق بهذه الحكومة فقط. ماذا عن أولمرت؟ لم يمكنه تحقيق سلام لأنه إذا كانت هناك حكومة ضعيفة، مثل الحكومة السابقة، فلا يمكنك تحقيق سلام. الحكومات الضعيفة تذهب للحرب، والحكومات المتطرفة تذهب للحرب أيضا. ولذا فهي المحصلة نفسها. ما هي الحكومة التي يمكنها تحقيق سلام؟ هذا هو السؤال، وهو يعتمد على إلى أي مدى يمكن للإدارة الأميركية وحلفائها في أوروبا العمل مع الإسرائيليين لإعادتهم إلى مسار السلام.
* هل يحتمل أن تقابل أوباما؟ ما هي الخطوات القادمة؟ هل سيأتي ميتشل إلى المنطقة؟
ـ سمعنا أنه قادم إلى المنطقة، شخص ما قال لي إنه سوف يأتي. وبخصوص المقابلة: من ناحية المبدأ من الطبيعي أن تكون هناك اجتماعات بين الرؤساء. ولا توجد لدينا مشكلة حاليا مع الولايات المتحدة، ولا سيما بعد أن أعلن أوباما أنه سوف ينسحب من العراق، وهذا أمر مهم. ولكن الاجتماع وعقد قمة أمر له علاقة بالموضوع الذي سوف نناقشه. ومن المهم، أولا، الاتفاق على المواضيع، وبعد ذلك، يكون التحضير لهذه المواضيع. وحتى الآن، لا توجد مقترحات من أي جانب لعقد قمة. وما زلنا في بداية العلاقة بين الحكومة السورية والإدارة الأميركية. ولهذا فإنه من المبكر جدا الحديث عن ذلك. إنها ليست مجرد مناسبة لالتقاط الصور، لو كانت مناسبة لالتقاط الصور، يمكننا القيام بذلك غدا، ولكن الأمر مرتبط بالأهداف التي تريد تحقيقها وهذا أمر مهم. ولهذا يجب مناقشة الموضوع، أولا. ولدينا اتصال مع مستويات أخرى داخل الإدارة، والأمور تتحرك للأمام، وهذا شيء مهم.
* ذكرت إيران بنفسك، وهناك كلام عن أن سورية يمكن أن تتوسط بين إيران والولايات المتحدة. ـ لدينا علاقة جيدة مع إيران. ونحن لا نبحث عن دور كي نلعبه، فلدينا ما يكفي من المشاكل، ونحن نقوم بأدوارنا. نناقش مع الإيرانيين المواضيع المختلفة محل الاهتمام المشرك. ولكن، يعتمد ذلك على الموضوع والمنحى. إبان الإدارة السابقة، على سبيل المثال، كان من الصعب تحقيق شيء واقعي فيما يتعلق، مثلا، بالقضية النووية. وحيث لم يكن المنحى واقعيا وإيران قالت إننا لن نتحرك ضد مصالحنا، فأنا مقتنع بذلك. وأنا لست في الوسط على أي حال. وفي الوقت الحالي، إذا قلنا إن إيران لديها الحق، مثلما سمعنا قبل أيام من أوباما، في امتلاك برنامج نووي سلمي، فهذا هو المفتاح. وحاليا، الأبواب مفتوحة أمام الجميع للمساعدة، سواء سورية أو أوروبا أو الولايات المتحدة نفسها. وعليه، فإن ذلك يعتمد على المنحى. ولم يطلب مني أحد المساعدة، وأعتقد أنه يجب علينا ألا ننتظر لوقت آخر، لأن لدينا المفتاح. ولكن، بعد ذلك، ما هي الخطة؟ حيث كان لدينا المقترح الأوروبي إبان الإدارة السابقة، وكان المقترح يتعلق بوقف إيران برنامجها. وهذا ضد حقها، لأن أي شخص له الحق، قانونا، في التخصيب. ولا يوجد قانون ولا اتفاقية في العالم تنص على أنهم ليس لهم الحق في ذلك. وعليه، كيف يمكن أن تقترح شيئا ضد حقك؟ لا يقبل أحد ذلك. وأنا لن أقبله إذا كان ضد حقي وينطبق الأمر نفسه على إيران. وحاليا، يجب أن يكون هناك مقترح آخر يتماشى مع حقهم ومع معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية لأن هذا الحق مدرج في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.

* ولكن، من الواضح أن الدول العربية أيضا، ولا سيما في الخليج، لا تريد أن يكون لإيران مقتدرات نووية. ـ الحديث عن برنامج عسكري يختلف عن الحديث عن برنامج سلمي، فالمقتدرات السلمية من حقهم، ولا يمكن أن نوقفهم، ولا يجب علينا القيام بذلك. ولماذا نوقفهم؟ وبالنسبة للحديث عن برنامج عسكري، لديك آلية، صيغة معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية للرقابة على أي برنامج سلمي. لا أن نقول إنني لا أثق في بعض الدول ولذا لا أسمح لهم، فالأمر لا يتعلق بالمزاج، لديك آلية، تنفذ هذه الآلية، وهذا هو الأمر.
* ماذا عن مشاكلكم مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بسبب موقع المفاعل النووي المشتبه فيه الذي ضربه الإسرائيليون؟
ـ دائما ما نُسأل السؤال نفسه، علينا أن نسأل الأميركيين، وخاصة الإدارة السابقة، لماذا انتظروا ثمانية أشهر ليعطوا الأدلة المزعومة التي لديهم؟ لأنهم أرادوا الانتظار حتى نبني الموقع ليقولوا إنه كان! عندما طلبت الوكالة من سورية السماح لخبرائها بزيارة الموقع، قلنا إنهم يمكنهم الحضور على الفور. طلبوا منا في مايو (أيار) وجاءوا في يونيو (حزيران). كان هذا شهرا واحدا ولم يكن لدينا الوقت كي نقوم بأي شيء على أي حال، وقلنا لهم إنه يمكنهم أن يأتوا لأننا واثقون جدا. ولكن، في الوقت الحالي، ولأنه لا يوجد لديهم شيء ملموس، على الرغم من أنهم أعلنوا العثور على شيء ما، يقولون إنه كان موقعا نوويا، وعلينا الآن أن نثبت أنه لم يكن كذلك!
* ولكنكم لم تعرضوا على الوكالة الدولية للطاقة الذرية أي شيء أرادت أن تراه، مثلا أنقاض المبنى الذي دُمر؟
ـ جاءوا وشاهدوا الموقع، وقال الأميركيون إنه كان موقعا نوويا تحت التأسيس. لو كان تحت التأسيس، فمن أين عثروا على اليورانيوم؟ ولو كان هناك يورانيوم تحت التخصيب وتمت مهاجمة الموقع، فكيف لا تكون لدينا أية إصابات، حالة طوارئ، إلخ؟ وماذا عن الإشعاعات؟ كيف يمكن أن يكون هناك يورانيوم دون الكربون الذي يجب أن يكون موجودا في الوقت نفسه مع اليورانيوم؟ هذا أمر مستحيل. هذا أولا. ثانيا: بخصوص المواقع والطريقة التي تم التعامل بها مع سورية، الوكالة نفسها لم تتحل بالشفافية. سربوا معلومات وتم تسييسها. ولذا، قلنا إننا ارتكبنا خطأ لأننا كنا نتحلى بالشفافية جدا وسمحنا لهم بالقدوم، حاسبين أنها منظمة عادية مثل أي منظمة دولية أخرى. أتوا وكنا متأكدين من أنه لا يوجد مفاعل ولا أي برنامج. ولذا، كيف حصلوا على اليورانيوم؟ والآن، إذا قالوا إنهم يريدون الذهاب إلى أي موقع آخر في سورية، يمكنك أن تأخذ زجاجة يورانيوم وتلقيها في أي مكان في سورية وبعد ذلك تقول لهم إن هناك يورانيوم في هذا المكان. وبعد ذلك، يمكن أن تزعم أن هذا هو الدليل. وحيث إنهم لم يكونوا يتحلون بالشفافية، فلا يمكننا أن نعطيهم أكثر مما حصلوا عليه. طلبوا أن يحضروا وأن يروا هذا الموقع، وهذا ما فعلوه ووجدوا أنه لم يكن هناك مفاعل. هذا هو الأمر! إذا لم يكن لدينا مفاعل، كيف يمكن أن يكون لدينا برنامج نووي؟ تحتاج إلى مفاعل! طلبوا أن يروا الموقع وبعد ذلك طلبوا أن يذهبوا إلى موقع عسكري آخر، ولكن لن نسمح لهم بذلك. المشكلة كانت في الموقع، وذهبوا ليروا هذا المكان ولم يجدوا شيئا هناك. لا يمكنك أن تجعل مفاعلا كاملا يختفي، هذا أمر مستحيل. كما أنهم أخذوا عينات من النهر لأنه لو كان هناك مفاعل، فستحتاج إلى المياه وستكون هناك آثار في النهر، ولكنهم لم يستطيعوا العثور على أي آثار في النهر. وقالوا أيضا إن ذلك تم مع الكوريين، ولكن يعرف الجميع أن الكوريين لا يستخدمون اليورانيوم. إنهم يستخدمون مادة أخرى بدلا من ذلك. ولذا، فإن ادعاءاتهم تعتمد على أشياء متناقضة. كانت لعبة، وكان السؤال الأول هو السؤال الأكثر أهمية: لماذا لم يقدموا الدليل من اليوم الأول؟ لأنه كان عليهم الانتظار حتى نعيد بناءه وعندما ننقل كل شيء لا يكون لدينا الدليل على أنه لم يكن نوويا. ولأنهم لو أعلنوا ذلك في اليوم الأول، وجاءت الوكالة في اليوم التالي، لقالوا إن الإدارة الأميركية تكذب. والآن، لا يستطيعون أن يقولوا إن الإدارة الأميركية تكذب، فهذا سوف يتسبب لنا على الأقل في بعض المشاكل حتى نثبت أنه لم يكن نوويا وهذا يجعل الإدارة سعيدة. وعليه، كان ذلك واضحا جدا.
* كيف سيمكن حل القضية؟
ـ كنا واضحين جدا، أتوا، وقاموا بكل شيء، وهذا هو الحال. قمت بما كان يجب القيام به، وكان هناك اتفاق في البداية بين سورية والوكالة أن يأتوا مرة واحدة فقط، لن تأتوا مرة أخرى. وهذا هو، جاءوا مرة واحدة.
* مع ذكر الاهتمامات العربية في حل المشكلة الإيرانية، اسمح لي بالحديث عن علاقتكم مع العرب، التي لم تكن على ما يرام خلال الأعوام الأخيرة. حاليا، يبدو أن علاقتكم مع السعودية أفضل بسبب التقدم في لبنان. كيف كانت قمة قطر؟
ـ الوضع أفضل. اقترحت بعض القواعد. لماذا لدينا مشاكل؟ لأننا في بعض الأحيان نخلط، دعني أقُل، دور الدول مع بعضنا البعض. على سبيل المثال، لديّ أرض. عندما نتحدث عن السلام أو المبادرة العربية أو أي دعم للسلام، لا يمكن أن تقوم مقامي. أنا صاحب الأرض. وعلى سبيل المثال، كان هناك اجتماع قبل يومين في عمان بخصوص المبادرة العربية. وبعد ذلك أعلن الوزير الأردني على إحدى القنوات التلفزيونية أن سورية لم تكن هناك ولذا لم نناقش المسار السوري. هذا أمر جيد. ناقشوا الفلسطيني. حسنا. إذن، هذا مهم جدا. بالنسبة لي، لا تتدخل في شؤوني. لا تضع نفسك في مكاني لأن لديك المبادرة العربية. أوافق على أن كل الدول العربية تدعم المبادرة العربية، ولكن عندما يصل الأمر للمفاوضات، فأنا الشخص المسؤول، وسوف أقول لك ما أوافق عليه، ولذا يمكننا التحرك عندما أوافق على ما سوف تفعله. هذا هو الأمر. ثانيا: كان هناك خلاف في الماضي، كما قال البعض، ليس من جانبنا، ولكن من جانبهم، بشأن ما حدث في لبنان. والوضع في لبنان يتحسن. دعمنا قطر بصورة مباشرة في اتفاق الدوحة، الذي أفرز انتخاب الرئيس، وبالطبع الاستقرار وقانون الانتخابات في لبنان. ولذا فإن الموقف يتحسن. لا يمكن لأحد أن يتعذر بلبنان بعد ذلك. ستعقد الانتخابات، وبالطبع، علاقات قوية مع لبنان أمر طبيعي لأننا دولتان جارتان وشقيقتان.
* ماذا بشأن تبادل السفراء؟
ـ سيتم تبادل السفراء في القريب العاجل. وقد أعلنا عن أسماء السفراء، ونحن حقيقة أعلنا عن اسم سفيرنا هناك، وهو يعمل في دولة أخرى ـ في الكويت ـ وقد أمهلناه شهرين لكي يعد نفسه للعودة إلى البلاد ثم يتوجه بعدها إلى هناك، ولذا فإن المسألة مجرد وقت فقط. وقد كانت السفارات مفتوحة قبل العام الجديد، ونحن حقيقة افتتحنا سفارتنا في بيروت قبل السفارة اللبنانية هنا في دمشق.
إذن فإن الأمر يتعلق بكيفية التعامل مع المشكلة، وذلك هو لب المسألة، وهذا هو السر وراء تحسن العلاقات الذي نشهده الآن. وقد قلنا إننا ندعم مبادرة السلام العربية.
* ألم يسحب عرض السلام العربي؟
ـ كلا، لم يتراجع عنه أحد، لكننا تحدثنا عن تعليقه. والتعليق هو «عدم تفعيل: وهو ما يعني «توقفه».. لماذا توقفت مبادرة السلام العربية؟ لأن الجانب الإسرائيلي دأب على رفضها لسنوات، لكنها لا تزال موجودة. ولكن السؤال كيف يمكن تفعيلها؟ الجواب هو أننا بحاجة إلى شريك، وأنا لا أملك هذا الشريك، لأن السلام مثل الزواج، بحاجة إلى صحبة أخرى، لكن الشريك الإسرائيلي غير مستعد، ولهذا السبب فقد توقف بصورة أوتوماتيكية، وأنا لم أوقفها من تلقاء نفسي، لكنها هي التي توقفت. وعندما تغير الحقائق فسوف تعمل. فأنا لست من يوقفها ثم يعيدها إلى الحياة مرة أخرى. ولهذا فقد أوضحت في خطابي في قمة الدوحة، حيث قلت إنها متوقفة لكي نحذر العالم فقط، لأن بقية العالم لم يعيروها اهتماما، خاصة في فرنسا. فعندما ذهبت إلى فرنسا من أجل اجتماع دول البحر الأبيض المتوسط طلبت منهم ذكرها في البيان الختامي، لكنهم رفضوا قائلين «إننا لا نود ذلك». وكذلك لم ترغب فيها أوروبا، وإسرائيل لم ترغب فيها أيضا، ولذا لم توضع ضمن البيان الختامي. وتلك ازدواجية في المعايير، لكن ما إن أعلن فجأة عن أن المبادرة «معلقة» أتوا إلى سورية متسائلين «كيف؟ ولماذا علقتموها؟ هذا خطأ». أيكون هذا خطأ؟ لقد كنتم ضدها ولم نكن نحن من عارضها، لقد قتلت هذه المبادرة من الإسرائيليين أولا، ثم قتلت من قبل الأوروبيين في القمة الثانية، وهم الذين يرغبون في إحيائها مرة أخرى. وهذا أمر جيد.
* هناك سؤال آخر يتعلق بلبنان. كيف تعلق على الهجمات التي كان حزب الله ينوي تنفيذها ضد السياح الإسرائيليين في سيناء؟
ـ كنا نسمع ذلك طوال العام الماضي.
* أنا لا أعني هجمات من لبنان بل في مصر وهذا هو الجديد.
ـ ربما في وسائل الإعلام. فما هو هدف حزب الله من القيام بذلك؟ إن حزب الله ليس لديه غاية في القيام بذلك، وقد نفى ذلك، وقالوا إنهم لا يحملون شيئا ضد مصر أو المصريين. لقد كانوا يتحدثون عن خطط حزب الله لمهاجمة إسرائيل العام الماضي كنوع من الانتقام لاغتيال عماد مغنية العام الماضي، لكننا لا نملك أدلة مادية.
* مرة أخرى لبنان. ما الذي تتوقعه بشأن محاكمة المتورطين في قضية مقتل الحريري؟
ـ ليس لدينا أي توقعات، لكن الأمر لا بد وأن يتم بحرفية. وإذا ما تم التعامل مع الأمر بحرفية فسوف ينتهي بصورة جيدة، وهذا هو ما نتوقعه. الشيء الجيد هو أن تكون حرفيا حتى تتمكن من معرفة قاتل الحريري.
* إذن فأنت تثق في الأفراد الذين يتعاملون مع القضية؟
ـ كلا، فأنا لا أعرفهم. ولا يتعلق الأمر بالثقة. ومرة أخرى أحب أن أنوه أننا في السياسة نتعامل مع «الحقيقة»، ونحن لم نر شيئا جيدا أو سيئا أو أسود أو أبيض. لذا يجب علينا الانتظار والترقب، لكننا لسنا طرفا فيها على أية حال.
* هل ستتقبل النتائج؟
ـ هناك اتفاق بين هذه المحكمة والحكومة اللبنانية. وإذا ما كان الأمر يتعلق بسورية فلا بد من عقد اتفاق مماثل، لأن لدينا قانوننا الخاص. وأي أمر يتعلق بأي سوري سواء كان مذنبا أو بريئا، وأي سوري، دون استثناء، يجب أن يتم التعامل معه عبر اتفاقية بين أي محكمة في العالم والنظام القضائي السوري، لأن لدينا الحق في مقاضاة الأفراد، لذا لا يمكننا فقط القول إنني أوافق، أو إنني أقبل، أو أثق، فالأمر لا يتعلق بذلك، بل إن الأمر يتعلق بالقانون. لذا إذا ما كانت هناك اتفاقية نوافق عليها واتهم أحد الأفراد، فلن تكون هناك مشكلة في التعاون معها. وسوف نقوم بكل ما يلزم للمساعدة في كشف حقيقة هذه الجريمة. وليست لدينا مشكلة في ذلك.
* بالنسبة للعلاقات مع أوروبا، كانت النمسا أولى الدول التي أجريت معها زيارات متبادلة في مدة طويلة. ـ المسألة التي دأب على سؤالها السياسيون الأوروبيون الذين التقيتهم خلال العامين الماضيين خاصة بعد عام 2005 عندما كانت أوروبا مشغولة بالدستور الأوروبي ودخول العديد من الأعضاء الجدد في الاتحاد، هو: متى ستتعامل أوروبا مع باقي دول العالم كاتحاد أوروبي ومتى كدول مستقلة؟ لم يكن واضحا أن أوروبا ترغب في التعامل معنا ولكن مع أوروبا ذاتها. لأننا عندما نناقش أمرا في بعض الأحيان يقولون نحن اتحاد أوروبي ولا يمكننا أن نكون منفردين، وأحيانا ما يكونون العكس، وقد فقدت أوروبا حتى الآن الكثير من السنوات. لكن ماذا عن الاتحاد الأوروبي ذاته؟ الأمر غير واضح بالنسبة لنا. ثانيا ماذا عن العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة؟ نحن نعلم ونقبل بأن يكون الدور الأوروبي تكميليا للولايات المتحدة وليس تنسيقيا، ولكن ليس كتابع. غالبية الدول الأوروبية كانت تابعة إلى حد ما للإدارة السابقة، لذا كيف أتعامل مع شخص لا يمكنه لعب أي دور على الإطلاق؟ وهذا سؤال آخر؟
لذا فإن تلك مشكلة كبيرة في الاتحاد الأوروبي، دعنا نقل إنها الهوية، وأعني الهوية السياسية. وذلك هو السبب وراء صعوبة التعامل مع أوروبا على أسس مقبولة. ومن ثم فإن على أوروبا أن تحدد دورها وعلاقاتها مع الولايات المتحدة، وبالطبع مع باقي دول العالم، عند ذلك يمكنهم تحديد دورهم معنا، فلن يمكننا القبول بمبدأ المعايير المزدوجة التي استخدمتها أوروبا خلال الإدارة السابقة للولايات المتحدة لكي ترضي الإدارة الأميركية.
إذن فالأمر يتعلق، قبل كل شيء، بالحوار بين أوروبا وأوروبا، وبين أوروبا والولايات المتحدة، ثم يمكنهم بعد ذلك إجراء حوار مع بقية العالم، بمن فيهم العرب والشرق الأوسط.
* كيف ترى عواقب الأزمة المالية العالمية؟ هل ستجعل الأمور أكثر صعوبة من الناحية السياسية، أم هل من الممكن أن تساعد في إيجاد حلول خلاقة؟ وهل ستحدث صداما أو تقاربا حضاريا؟
ـ يمكنك الحصول على أمر جيد من الأزمة، فلا شيء مطلق. ودائما ما يمكنك أن تجد شيئا إيجابيا، وقد اعتدنا قبل الأزمة أن نقول للأوروبيين خلال المفاوضات بشان اتفاقية الاتحاد الأوروبي: «إذا كنتم ستجعلوننا فقراء فما الذي سوف تستفيدونه مني وإذا ما أردت أن تجعلني أفضل يمكنني مساعدتك لكي تصبح أقوى حتى أتمكن من مساعدتك، وهكذا. إذا ما كنت سوقا فقيرة فما الذي ستجنيه من هذه الشراكة. ولم يفهم الكثيرون من السياسيين أو التكنوقراط هذه النقطة لسوء الحظ. وأعتقد الآن أنكم بحاجة للفهم أكثر من ذي قبل. فعلى سبيل المثال عندما يزداد موقفك الاقتصادي سوءا فإنني سأعاني، فحوالي 40% من صادراتي انخفضت لأنكم لم يعد لديكم أسواق لكي تدفع لي نقودا. لذا فإنني أعاني، لذا فإن الأمر مماثل والمعاناة متبادلة بين السوقين النامية والمتقدمة، أو كما هو الحال في سورية بين الأسواق المتقدمة وغير المتقدمة، وإذا ما استطعنا النقاش بشأن إمكانية الحصول على مصالح متبادلة من ذلك. وهذا يعتمد على الطريقة التي تتعامل بها الدول العشرون الغنية مع العالم. إن الأمر يشبه ما حدث خلال الحرب العالمية الثانية عندما قالوا إننا سنتقابل ونضع القواعد للعالم الجديد. واليوم لدينا البرازيل والصين والهند ولديك عالم صاعد، يجب أن تشارك مستقبلك مع الآخرين. وبشأن أوروبا نحن حدودكم الجنوبية وسوف تتأثرون باقتصادنا وبموقفنا السياسي والتطرف والإرهاب وبكل تلك الأمور، لذا لا بد من إقامة حوار معنا، يجب أن تجلسني إلى الطاولة للحديث معي بشأن مستقبل المنطقة، وتلك هي الكيفية التي نجعل بها الأمور أكثر إيجابية. وماذا عن الحضارة، أود أن أقول إذا ما أردت أن تكون هناك حضارة جماعية، فقد كانت هناك فجوة عمرها خمسة آلاف عام، وهي فجوة زمنية أو جيوجغرافية، على سيبل المثال حضارة عمرها 3000 عام قبل ولادة المسيح. وقد انفصلت أميركا اللاتينية عن الحضارات في الدول الأخرى ولم يكن هناك اتصال. كانت عالما مختلفا. إن لديهم معرفتهم الخاصة التي تختلف في كل شيء. واليوم لم يعد ذلك حقيقيا، فنحن نتحدث عن العولمة، لذا فإننا نعيش في حضارة واحدة لكن لدينا ثقافات مختلفة. ففي كل دولة ثقافة مختلفة، وهذا ما يجب أن يثري لا أن يعمل على الصدام.
* سيقول الأوروبيون إن الثقافات المختلفة في بلد واحد تمثل مشكلة، وأن الموقف قد يكون أصعب إذا زادت البطالة بسبب هذه الأزمة، إلخ..
ـ ولكن هذا لن يفضي إلى صدام بين الحضارات والثقافات، بل سيحدث صداما بين الطبقات..
* ولكن من المعروف أن الظواهر الاجتماعية الأوروبية تنظر بصورة خاطئة إلى الثقافة أو الدين، ومثال على ذلك، فإذا أساء أحد المسلمين التصرف، يتم إساءة فهم الأمر على أن الأمر مرده إلى الإسلام..
ـ هذا يتعلق بالثقافة في أوروبا، وكيفية توجيه العقل إلى التمييز بين الممارسة والأيديولوجية، فأنا مسلم، وقد تكون لديّ أيديولوجية مثالية، إلا أنني أسيء الممارسة، وبالتالي فإن الأمر يتعلق كلية بي وليس بالأيديولوجية. وهذا خطأ الفرد وليس الديانة. ودائما ما يكون لديك الصالح والطالح، فإذا ما كان لديك فرد سيئ، فهل هذا لكونه مسيحيا؟ أم لأنه شخص سيئ، هذه هي النقطة. وبالطبع إذا كنتم ترغبون في استغلال أي أيديولوجية على أنها عباءة، يمكنكم ذلك. يمكنكم قول إنني أفعل هذا لأنني مسلم، ولكنكم تفعلون ذلك لأنكم أشخاص عقولكم مغلقة. إنهم يربطون هذه الممارسة الخاطئة بالإسلام، ومثال على ذلك، يقولون: «الإرهاب الإسلامي»! ليس هناك شيء يدعى «الإرهاب الإسلامي»، إلا أن هؤلاء الإرهابيين يستغلون الإسلام كعباءة، لذا فإنهم يربطون الأمرين ببعضهما البعض. وفي الحقيقة، فإن الإرهابي هو الإرهابي، والإرهاب هو الإرهاب. وليس هناك أدنى علاقة بين الأمرين.
* كيف يمكن تفسير تلك الأشياء للأفراد على أرض الواقع؟ ـ إن الأمر يتعلق بالحوار، فما لم تتحاور، وما لم تتفهم الاختلافات بين الإسلام والإرهاب، فهذه مشكلة كبيرة بالنسبة للمجتمعات في الغرب. وعندما تكون لديكم التكنولوجيا أيضا، فلقد اخترعتم كل هذه التكنولوجيات لتبادل المعلومات وليس لتصديرها. إن المشكلة تكمن في الغرب، خاصة في الولايات المتحدة أكثر من أوروبا ـ إذ إنها منفتحة على كل حال، كما أن لديها الكثير من المعرفة عما يجري في العالم ـ وهذا مرده في النهاية بصورة كبيرة إلى أنهم لا يستوردون (المعلومات)، لاسيما الإعلام، إن من مسؤولية الإعلام أن ينقل المعلومات والتحليلات، وذلك لأنه عندما تكون لديك ثقافات مختلفة فإنه لا يمكنك أن يكون لديك التحليل نفسه، وحينها سيتعين عليك أن تترجم المفهوم على حسب ثقافتهم. ويحدث هذا عندما تحتاج ليس إلى ترجمة اللغة فقط، ولكن الثقافة أيضا. إن بن لادن يقول إنه يقاتل من أجل الإسلام، ومن ثم فقد منحهم عذرا لفهم هذا، وحتى الإخوان المسلمين في سورية يقولون إنهم يدافعون عن الإسلام، ويقولون نحن نقتل للدفاع عن الإسلام، ونحن نقتل الأفراد لأننا نبتغي محاربة الملحدين وما شابه هذا، وبالتالي فإنهم قدموا عذرا ومبررا لأي شخص يقول إنني ضد الإسلام، لأن يكون كذلك.

* هل هناك تحالف بين هؤلاء الأفراد ونقاد الإسلام؟ ـ ولكن في النهاية لا يجب عليهم أن يقيموا هذه الفكرة على أساس أخطائنا. وإذا ما اقترفنا أخطاء، فيجب عليهم أن يفتحوا عقولهم أكثر، خاصة عبر وسائل الإعلام لينظروا ما هو الاختلاف. هل الأمر سببه الإسلام، أم المسلمون أنفسهم كأفراد؟ وهنا يكمن الاختلاف، أو في بعض المسلمين بالطبع، وليس جميعهم، أي المسلمون الذين يتصرفون بهذه الطريقة.
* لقد ذكرت الولايات المتحدة، فهل تعتقد أن شخصية أوباما، وأصوله متعددة الثقافات قد تكون مفيدة في تغيير قدرة الولايات المتحدة على الفهم؟ ـ بالطبع، فإن هذه الأمور توسع من أفق الفرد، فعندما تكون لديك أوجه متعددة ثقافيا في العرقيات، والديانات، والجنسيات، فبالتأكيد سيوسع هذا من الأفق. وهذه إحدى سمات سورية، إذ لدينا هذه المفاهيم المختلفة بالبلاد، وهذا سبب أننا نحظى بمجتمع قوي. كما أن هذا يبرر أحجية أننا ما زلنا راسخين في الوقت الذي نحاط فيه بالظروف العصيبة للغاية والقلاقل المنتشرة بالمنطقة. لماذا هذا؟ لأن لدينا هذه السمات، وهذا ما يجعلك قويًا. وبالطبع ما لم تكونوا تتفهمون هذا بتلك الطريقة فبإمكان هذا أن يصنع مشكلة. إن الأمر مثل السكين، يمكنك أن تقطع به الخبز، ويمكنك أن تقتل به، وبالتالي فإنه سلاح ذو حدين. وتتمثل القاعدة في كيف تنظرون إلى هذا، وإنها إيجابية من وجهة نظري، كما أنها كذلك من وجهة نظرنا في سورية أيضا.
* ولكن من الممكن أن يؤدي انتخاب أوباما إلى تخفيف الأحكام المسبقة ضد أميركا في المنطقة أيضا. ـ بالتأكيد، أدى ذلك إلى تحسين السمعة. وفي الحقيقة، ما صنعته الإدارة السابقة أضر كثيرا بمصلحة وسمعة الولايات المتحدة بصورة لا يمكن تصديقها، لذا فإن هذا سيساعد كثيرا، إلا أنه بحاجة إلى الكثير من الجهود لتنظيف ما اقترفته الإدارة السابقة.
* خدمة نيويورك تايمز (بالاتفاق مع دير ستاندرد النمساوية)
الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى