إختبار جديد لسوريا ؟

رنده حيدر
في التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية الإسرائيلية وفقاً لرؤية أفيغدور ليبرمان هناك لاءان واضحتان غير قابلتين للنقاش: لا لحل الدولتين لشعبين؛ ولا للإنسحاب من هضبة الجولان. وأي حديث عن تسوية سياسية مع الفلسطينيين أو عودة للمفاوضات غير المباشرة أو المباشرة مع سوريا لا بد أن يصطدم بهذا الرفض المزدوج الواضح لوزير الخارجية الإسرائيلية.
صحيح ان الحكومة الإسرائيلية الحالية تعكف اليوم على بلورة رؤية مشتركة بين أحزاب اليمين المشارك في الحكومة وحزب العمل، ولكن هذه الرؤية ستخدم في النهاية الأهداف السياسية البعيدة المدى لليمين الإسرائيلي الذي يؤمن بأن الحكومات السابقة قدمت الكثير من التنازلات من دون ان تحصل على شيء، والرافض لأي خطة سياسية تتطلب انسحابات اسرائيلية جديدة واخلاء للمستوطنات.
واذا كان نتنياهو يشارك ضمناً وزير خارجيته ليبرمان في رفضه حل الدولتين لشعبين الذي تبنته الإدارة الأميركية من دون أن يقدر على الاعلان عن ذلك كي لا يدخل في مواجهة مع الادارة الأميركية الجديدة؛ فهو من ناحية أخرى لم يعلن حتى الآن بوضوح موقفه من عودة المفاوضات غير المباشرة مع سوريا بعكس وزير خارجيته الذي أعلن بصورة لا تحتمل اللبس رفضه فكرة الإنسحاب من هضبة الجولان والشرط المسبق الذي وضعته سوريا لعودة المفاوضات أي تعهد اسرائيل بهذا الانسحاب.
وعلى الرغم من قيام نتنياهو أثناء توليه رئاسة الحكومة عام 1998 بمفاوضات سرية مع سوريا، وقَبِل بإعادة الجولان الى سوريا، فإنه خلال حملته الانتخابية الأخيرة هذا العام أعلن رفضه اعادة الهضبة الى سوريا واستعداده التحاور معها لإقناعها بوقف دعمها لـ”حماس” و”حزب الله”.
وبغض النظر عن النتائج التي ستترتب عن الحوار المنتظر بين واشنطن ودمشق والذي يمكن القول إنه لا يزال حذراً ويسير بوتيرة بطيئة ومدروسة؛ فإن فكرة التنازل عن الجولان لا تحظى بتأييد الكنيست الإسرائيلية الحالية حيث تشكل أحزاب اليمين الأكثرية. وفي حال استمر تمسك دمشق بضرورة تعهد الحكومة الإسرائيلية مسبقاً الانسحاب الى حدود الرابع من حزيران كشرط ضروري لبدء المفاوضات، فإن هذا من شأنه عرقلة اي عودة الى العملية التفاوضية مع سوريا. ومن الصعب على حكومة نتنياهو تجاهل رفض الأكثرية اليمينية أي تعهد مسبق بالتنازل عن الجولان قبل اختبار النيات السورية للسلام مع اسرائيل وذلك من خلال أمرين أساسيين: تحالفها مع طهران، ودعمها لكل من”حماس” وحزب الله”.
اختبار النيات السورية من موضوع السلام مع اسرائيل سيكون ايضاً محور اهتمام مبعوثي الإدارة الاميركية الجديدة الى المنطقة. فالثابت حتى الآن أن الإنفتاح الأميركي على سوريا اقتصر على لقاءات جرت بين مسؤولين سوريين واميركيين وبعض الإشارت الأميركية في اتجاه الحكم السوري. ولكن اختيار وزيرة الخارجية الأميركية السفير السابق في لبنان خلال الأعوام 2004-2007 جيفري فيلتمان، المعروف بدعمه للقوى السياسية اللبنانية المناهضة لسوريا، ولثورة الأرز، لزيارة سوريا شكل اشارة اولى الى عدم رغبة ادارة أوباما بأن يكون التفاهم مع سوريا على حساب لبنان. ويمكن ادخال الزيارة القصيرة التي قامت بها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون الى بيروت ضمن اطار طمأنة حلفائها اللبنانيين الى استمرار الموقف الأميركي الداعم لهم لا سيما قبل شهر على الإنتخابات النيابية اللبنانية.
يجمع أكثر من محلل سياسي إسرائيلي واميركي على ان عملية جس النبض الأميركية للنظام السوري، واختبار الحكومة الإسرائيلية الجديدة لنيات دمشق بغض النظر عن الشكل سيستغرق وقتاً ليس بالقليل قبل التوصل الى نتائج عملية. ويميل هؤلاء المحللون الى التقليل من احتمالات حدوث تحول حقيقي في العلاقة بين الولايات المتحدة وسوريا نظراً الى صعوبة الكبيرة لدى النظام السوري في تغيير تحالفاته وتوجهاته في المنطقة. وهم يعتقدون أن الادارة الأميركية بعد وقت ما ستستنفد محاولاتها انجاح حوارها مع سوريا. في هذه الأثناء ستنتظر اسرائيل حصيلة الحوار الأميركي مع سوريا كي تبني عليها موقفها الرافض لأي انسحاب من الجولان من دون تغيير فعلي في السياسات السورية في المنطقة.
النهار