صفحات سورية

العلاقات السورية اللبنانية بين بيانين

null
محمد نجاتي طيارة
انعقد مؤخرا في دمشق مؤتمر العلاقات السورية اللبنانية بدعوة من د. نجاح العطار نائب الرئيس السوري، وبمشاركة نحو من 150 مفكرا وباحثا من كلي البلدين. وإذ اعتبر ذلك الانعقاد مناسبة لا سابقة لها بحسب ما جاء حرفيا في البيان الصادر عنه ، فقد تعزز الأمرباللقاء الذي تم على هامش المؤتمر بين نخبة منه وبين الرئيس السوري. والذي تخلله، كما رشح من عدة مصادر، غير قليل من المصارحة والمكاشفة ، وذلك فضلا عن الاهتمام الذي أولته للمؤتمر وسائل الإعلام السورية .
بذلك، شهدت العلاقات السورية اللبنانية تطورا إيجابيا لافتا على مستوى قادة الرأي من الباحثين والمفكرين، يكمل ما كان قد بدأه افتتاح السفارات وتبادل الزيارات بين أرفع مسؤولي البلدين الشقيقين وسياسييهما خلال العام الفائت، ويتجاوز مرحلة من التوتر والخلافات كانت قد بدأت مع عملية التمديد الشهيرة للرئيس اللبناني السابق لحود، وتصاعدت عقب اغتيال الرئيس الشهيد الحريري، وكان من أبرز تداعياتها خروج الجيش السوري من لبنان بصورة غير لائقة .
ولا يسع المتابع إلا أن يلاحظ المنحى الإيجابي الذي تتطور وفقه العلاقات بين ممثلي البلدين الشقيقين من الرسميين وغير الرسميين ، الأمر الذي يتوافق وينسجم مع وقائع التاريخ والجغرافيا، تلك التي لم ينتج عن معاندتها سوى عسر العلاقات والمصالح بين أبناء البلدين وما رافقه من آلام وتوترات خلال السنوات القليلة الماضية ، وكثيرا ما أدى انعكاسها على حركة العمالة والتجارة وتجليها الصاخب في وسائل الإعلام، إلى حجب الصورة الشائعة عن الشعب الواحد في بلدين.
ويلفت الانتباه ملاحظة أحد النتائج التي توصل إليها بيان المؤتمر، عندما طالب في خاتمته بانعقاد مؤتمر دراسي آخر للمثقفين السوريين واللبنانيين من أجل الخروج بتصور شامل كأساس لعلاقات صالحة وسليمة ومتوازنة .
هنا، لا يمكن لأحد إنكار أن نخبة من المثقفين السوريين واللبنانيين كانت رائدة في هذا المجال، إذ تطوعت سابقا للقيام بذلك الدورالذي أصبح مطلب المؤتمر اليوم ، وسارعت قبل حوالي ثلاث سنوات إلى اللقاء والتشاور، فتدارست تلك العلاقات وحذرت من التوترات التي أصابتها، كما نبهّت إلى الأسس السليمة التي ينبغي أن تقوم عليها، ثم أصدرت بيانها الذي اشتهر باسم إعلان دمشق / بيروت . لكن جو التوتر المحيط كان سبّاقا، وسرعان ما وُسم إعلانها بسمات التآمر والتخوين، وبغير قليل من الاستعجال تمت محاكمة مجموعة منها، فغاب بعضهم خلف قضبان السجن وطورد البعض الآخر كما قطعت أرزاق آخرين!
اليوم ، فيما عدا بعض التفاصيل التي نلاحظ أن الإعلان كان أكثر صراحة في تحليلها ومقاربتها، كالمطالبة بمعالجة مشكلات العمالة السورية في لبنان والتمييز الجاري ضدها، والتحقيق في مصير المفقودين والمعتقلين اللبنانيين في سورية، والتمسك بحق كل من سورية ولبنان في استعادة أراضيهما المحتلة ( الجولان، شبعا وكفر شوبا) بكافة الوسائل المتاحة.
وكذلك، فيما عدا المسحة الشعرية التي تخللت بيان المؤتمر، والتي عززها قيام الشاعر جوزيف حرب بإلقائه في ختام أعماله ، فتمثلت في الحديث عن النقص في غياب الآخر، وتسمية ذهاب كل من البلدين إلى أعماق الثاني بالذهاب إلى الذات، وعبّرت عنها جملته الأخيرة بالقول ” إن صوتَ كلٍّ من لبنانَ وسورية.. إنما يحمل في أعماقِه صدى الصوتِ الآخَر” .
فيما عدا كل ذلك ، فإن القراءة المتفحصة لكل من الإعلان الصادر قبل سنوات والبيان الصادر مؤخرا، تجد أنهما يتفقان معا في المطالب الأساسية ، التي تتلخص في الانطلاق من التاريخ المشترك لنضال الشعبين الشقيقين ضد التجزئة والاستعمار والعدوان الاسرائيلي، وفي الاعتراف بسيادة كل من البلدين واستقلالهما، ودور مشروع دولة المواطنة الديمقراطية في ضمان قيام علاقات متكافئة وسليمة بينهما، قائمة على الندية والاحترام المتبادلين، وعلى التعاون الاقتصادي التنموي لما فيه مصلحة الجارين الشقيقين، والإصرار على الحوار (عقد مؤتمر قادم) من أجل التصحيح الجذري للعلاقات بين البلدين والشعبين وفقا لرؤية وطنية مستقبلية مشتركة.
بذلك ، وعلى طريقة لغة بيان المؤتمر، فقد كان إعلان بيروت / دمشق حاضرا في البيان، إذ أن في الأول الكثير من أصداء صوت الثاني، الذي تجاوز عدد الموقعين عليه الثلاثمئة بين مفكر وباحث وناشط. كانوا قد تطوعوا انطلاقا من إحساسهم بمسؤوليتهم ووعيهم بأخطار المرحلة، بلا دعوات ولا مؤتمرات رسمية. وقد آن الأوان لإعادة الاعتبار لهم ولإعلانهم، خصوصا بعد اتضاح أن العلاقات بين البلدين لا تتعلق كثيرا أو قليلا بما تجيش به بيانات المثقفين أو نواياهم، على الأقل حتى المرحلة الراهنة . وأن هذه العلاقات إنما تغيرت أساسا أو تجاوزت توترات المرحلة الماضية، ارتباطا بما حدث في العالم الواقعي، وما جرى فيه من تغيرات سياسية سواء على المستوى الدولي أو المحلي، وتحديدا ما بين عامي 2005 و2008 .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى