يد البيانوني أم يد الرئيس الاسرائيلي كاتساف ؟؟
أحمد مولود الطيار
في جنازة بابا الفاتيكان ” يوحنا بولس الثاني “، والتي تم نقلها عبر أغلب شاشات التلفزة الى كافة أنحاء المعمورة و حضرها معظم زعماء العالم، وكان بين الحضور الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الاسرائيلي المخلوع موشيه كاتساف الذي أُجبر على تقديم استقالته في بلده اسرائيل نتيجة لتحرشه الجنسي بأحدى موظفات القصر الرئاسي الاسرائيلي، وكما نقلت الصحافة الاسرائيلية عن وجود سوابق كثيرة في هذا المضمار للرئيس الذي أجبره الرأي العام والقضاء الاسرائيلي والصحافة على التنحي .
ليس موضوع هذا المقال سرد حرية الصحافة أو استقلالية القضاء أو قوة الرأي العام لدى عدونا الاسرائيلي ، انما ما يريد قوله عبر الاشارة الى تلك الجنازة ، أن مصافحة حدثت، وتم التقاء الآيادي وافترت الشفاه عن ابتسامات – حتى ولو كانت صفراء – بين الرئيسين السوري والاسرائيلي . حاول بداية بعض المثقفين المتمجدين نفي حدوث المصافحة، واعتبروها مؤامرة امبريالية تستهدف النيل من مواقف سوريا، ثم عادوا وتراجعوا عما كذبوه بعد مشاهدة العالم كله لها، فكان أن بررها الاعلام الرسمي السوري بأنها مصافحة بروتوكولية ليس الا .
كدنا أن نرى تلك المصافحة تتكرر مجددا في الاحتفال الذي أقامته الجمهورية الفرنسية لمناسبة العيد الوطني الفرنسي وذكرى سقوط الباستيل ، ولكن هذه المرة بين رئيس الوزراء الاسرائيلي المخلوع أيضا ايهود أولمرت والرئيس السوري بشار الأسد وربما الكثير منا قد شاهد مقطع ال you tube حيث الرئيس السوري يهرب متجنبا التعثر بأولمرت في أكثر من مرور من هنا وذهاب واياب من هناك، حتى بدا المشهد مضحكا ومدعاة للسخرية رغم أن الاثنين جلسا على طاولة واحدة في احتفالية ساركوزي في يوم النصر الفرنسي .
اذن ليلج المقال الى لبّه ، المصافحة مع الرئيس الاسرائيلي والجلوس على طاولة واحدة مع رئيس الوزراء الاسرائيلي ، وقبلها جلس فاروق الشرع وزير الخارجية آنذاك مع اسحق شامير رئيس الوزراء أيضا آنذاك على طاولة واحدة في مؤتمر مدريد الشهير عام 1991 ، الذي تمخض كما هو معروف فأرا،وجلس نائب الرئيس الحالي وزير الخارجية آنذاك أيضا مع ايهود باراك رئيس وزراء اسرائيل حينها والوزير الحالي لحقيبة ” الدفاع “برعاية الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون أثناء ما أطلق عليها مفاوضات ” ميريلاند ” مع اسرائيل ، والآن يقال بأن التفاوض مع العدو الاسرائيلي سيستأنف ثانية عبر الوسيط التركي، وربما كما يرغب النظام السوري برعاية وموافقة أمريكية، وأخيرا وليس آخرا، جملة من الشائعات عن لقاءات سرية جمعت مسؤولين سوريين واسرائيلين في مناسبات عدة في تواريخ مختلفة وأماكن كثيرة .
اذن ، ان كنا قادرين على تجاوز كثير من الحروب وكثير من الدم والكثير من الشهداء وأطنان من الورق كرست جبالا من الحقد والكراهية والعداء لعدو احتل أرضنا وشرد أهلنا وكنا قد زرعنا ولانزال في عقول أطفال المدارس ومنذ سني تفتحهم الأولى، أن اسرائيل هي العدو الذي والذي والذي، وفي النهاية نحاور هذا العدو ونجلس معه على طاولة واحدة، ونتبادل معه الرسائل وننشد صبح مساء رعاية أمريكية لحوارنا ، اذا كنا قد استطعنا كسر جبل الجليد، وازالة الكثير من الحواجز النفسية بيننا وبين اسرائيل، وما بيننا وبينهم ما صنعه الحداد ، ألا تلقى المبادرات الكثيرة والأيادي الممدودة من أطياف مختلفة من المعارضة السورية وأخرها مبادرة ” الاخوان المسلمين ” آذانا صاغية لدى النظام السوري أم أن النظام لا يحاور الا (الأقوياء) ؟؟!!
ليفترض النظام السوري وسيفترض معه ” الاخوان المسلمين ” حسما للجدل أن مأساة الثمانينات قد حصدت أرواحا برئية كثيرة وقال ” الاخوان ” ومنذ فترة طويلة أنهم على استعداد لفتح تحقيق قضائي حول ما جرى من حوادث واعطاء كل ذي حق حقه وماذا بعد ؟؟
أي تكن الأسباب والنتائج وأي كان عدد الضحايا ، ألم يحن الوقت لطي هذه الصفحة ؟
فالسوري الذي ولد في الجولان بعد ال 67 يسمح له العدو الاسرائيلي بزيارة سوريا ويتنسم هواءها ويتجول في مدنها، لا بل يستطيع أن يصدراليها تفاحا جولانيا شهيا، أما السوري الذي ولد لأب هرب من وطنه في أزمة الثمانينات فلا يعرف عن وطنه شئ الا من خلال الصور، وشاءت الصدف أنني التقيت في غربتي شبان سوريين ولدوا خارج وطنهم، عندما تحدثهم عن دمشق وحلب وحمص وحماه فانهم لايعرفون عنها شيئا، ولديهم توق غريب لمعانقة الوطن .
مع بداية استلام الرئيس بشار الأسد مقاليد الحكم خلفا لوالده الراحل حافظ الأسد تأمل الجميع خيرا، وارتفعت أياد كثيرة تعلن وبكل واقعية استعدادها للانخراط الجدي في مشروع اصلاحي حقيقي يخرج سوريا من عنق الزجاجة الذي حُشرت فيه بفعل سياسات لم تجلب للفرد السوري الا الفقر والحرمان والضياع، لكن الأيادي النظيفة والمخلصة بقيت معلقة في الهواء، لا على النقيض من ذلك زج بها في السجون ومورس بحقها أقسى أنواع الديكتاتورية والاستبداد، وفي المقلب الأخر أبقى النظام السوري أياديه ممدودة ينتظر اليد الاسرائيلية والأمريكية ويبدو أنه حتى ولو حدثت المصافحة مع مغتصب الجولان فكل شئ بثمنه .
الأعداء في النهاية يجلسون على طاولة واحدة ويتفاوضون ويتصالحون ويتم تناسي شلالات من الدم ، والعالم كله يتجه الى الحوار وينبذ الاقتتال، أما أبناء البلد الواحد فمن الأولى ألا تسدّ في وجهوهم المنافذ والسبل ، ولا مبرر للتعنت والصلف طالما ارتضينا الجلوس مع عدو ، فأدبيات البعث الموجودة حتى اللحظة تؤكد بأن ” الصراع مع اسرائيل هو صراع وجود لا صراع حدود ” وتؤكذ معظم التقارير حول ما تمخضت عنه المفاوضات السورية الاسرائلية برعاية الوسيط التركي بأن أكثر من 80% من المشاكل العالقة بين الطرفين قد حلّت ، لكن ما يفاوض ويماطل فيه الجانب السوري هو حول مصيره (وجوده) مابعد تثبيت الصلح مع اسرائيل ، وعند هذه النقطة الالحاح المستمر من جانبه حول ” الرعايا الأمريكية ” .
في الختام يبدو المشهد غريبا والصورة أكثر من كاريكاتورية ، يولي من يولي دبره للداخل وعيونه مشدودة وأياديه معلقة باتجاه الخارج .
من يراهن على الخارج ؟؟!!
خاص – صفحات سورية –