صفحات الناسفلورنس غزلان

عيد بأي حال عدت ياعيد!” بمناسبة الأول من أيار”

null
فلورنس غزلان
في يوم كهذا أي ” عيد العمال العالمي” لابد لنا من وقفة أمام شريط الأحداث التي دارت وتدور من حولنا خلال عام أو أكثر، ولابد لنا من التساؤل عن الكم الهائل والحجم الضخم للتراجع والخراب، الاقتصادي، الاجتماعي، السياسي، بل والسلام والأمن العالمي والمناطقي العربي تحديداً، ولا يمكننا إلا أن نعلن الفشل، ليس فشلنا كشعوب بقدر ماهو فشل أنظمتنا التي لم نخترها في إيصالنا إلى حافة اليأس،  وأن بيننا وبين الموت جوعاً أو اغتيالا، أو قتلاً ، في الأقبية وخلف القضبان أو برصاصة طائش اعتقد أن موتي سيمنحه الجنة…الخ
ــ في العراق حرب طحنت ماينيف على مليون إنسان، ورملت آلاف النساء وكانت حصيلتها مليونين ونصف المليون يتيم! واعتقدنا أنها تعقلت، لكننا نرى أن بينها وبين العقل مسافة كبيرة لم تقطعها بعد.
ــ في أفغانستان والباكستان القريبتان منا، والتي ترسل إلينا الكثير من طوابير السلف المتخرج على أيدي طالبانها، يخيفنا استفحال حربها واتساع رقعة ابن لادن وطالبان فيها، ونخشى امتداد سعيرها ليزرع خرابا ويحصد أرواحاً.
ــ  في إيران الجارة “الغيورة على مصالحنا أكثر منا”!، والتي يعترف نجادها مع صحيفة غربية بأنه لن يعارض ما سيقبله الفلسطينيين بإقامة دولتين، فيتنازل فجأة عن نية تدمير إسرائيل!وهذا إكراماً لعيون الحوار مع أمريكا طبعاً، وقد اعتدنا أن يتخذ نجاد من القضية الفلسطينية مطيته الصالحة للمناورة وكسب النفوذ والوقت على حساب الدم العربي،  دون أن نسمح لنجاد باستغفالنا في استراتيجيته السياسية التي تحمل الخبطات الصحفية وتذكرنا بشقيقنا الزعيم الليبي فنتذكر ،    تصريحات أذرعته ومهندسي سياسته التي لم تبرد بعد أن : الجزر الثلاث ليست إماراتية ولن تعود لأنها جزء لا يتجزأ من الدولة الايرانية!،وقبلها بقليل أن البحرين محافظة إيرانية!، ثم يعود لمحاولة تطييب خاطر البحرين بكلمات مدهونة ومعسولة! ،ويهدد وينفش ريشه بأنه قادر على كسر شوكة كل من يفكر بالاعتداء على إيران، يهدد بقطع طريق البترول وإغلاق هرمز، ثم يضع يده على مضيق باب المندب من خلال إقامة قواعد عسكرية في مدينة عصب الإرتيرية، والقادم أعظم فابشروا ياعرب. أقسم أني لا ألومه، بل أعتقد يقيناً أنه يعمل لصالح وطنه ومستقبل أمته. أن يكون ديكتاتوراً، فهو على الأقل جاء نتيجة اختيار وانتخاب الشعب الإيراني له، ولن أنتقد الانتخابات في بلاده، ــ لأننا نحن السوريون على أقل تقدير ــ لانعرف للانتخابات طعماً ولا لوناً ونفهم بالاستفتاءات فقط!.
ــ العرب لاحول لهم ولا قول ولا طول أيضاً، كلهم يخشى المد الإيراني، وكلهم يحاول التلطي وايجاد المبررات والحجج، والجميع من الضعف والهزالة بشكل لايقوى على رد عدوان صغير على أرضه فكيف سيقف بوجه النووي الإيراني ، أو بوجه عدوان جديد إسرائيلي؟! ، لو حصل طبعاً، يملكون الأموال والامكانيات ليكونوا قوة، ويشترون السلاح ويخزنونه، لكنه يصدأ من قلة الاستعمال وانعدام الخبرات، يجيدون حمل المسدسات في وجه المواطن وسحب الدبابات إلى شوارع المدن حين تنهض وتعترض، لكنها لا تسحب لتحرر ولا لترد عدواناً!..
جميع الأنظمة تخاف مواطنها وتُخَّوِنه ..تخونه بالانتماء لها لا للوطن، يُتهم ويُدان قبل المحاكمة ،يسمح له بفتح الفم للأكل والضحك أمام التفاهات وأمام خيباته وفقره فقط. أنظمة تنصب همومها في بقائها ، وبقائها يعني انفصالها التام عن شعوبها، فكيف تستطيع أن تواجه مايعترض أمنها واقتصادها طالما أنها ترى عدوها الأول يقبع داخل رأس مواطنها؟
فتعمل على تجويعه وتركيعه ثم تطويعه بقوانين أكثر بطشاً من سلاسل الحديد، لأنها قوانين عسكرية طوارئية ذات محاكم استثنائية لها قدرتها العجائبية التي أثبتتها خلال ماينيف عن عقود أربع في سورية مثلا ، حيث استمر نظامها الثوري وتربع ، كما تعمل على إغراق البلاد بالفساد والمفسدين لتضمن الولاء ومن بعده الاستمرار والاستقرار!.
ــ  الحوار الفلسطيني ــ الفلسطيني يتأرجح بين شد وجذب وإن وصل لنتيجة ، فلا أعتقد أنه سيكتب له الحياة طويلا، لأن اللاعبين به كثر وأصحاب المصالح فيه لا تتوقف أصابعهم عن التدخل وتخريب أي تقارب ، أما الحل المنتظر لإقامة دولتين كما تم الاعلان عن هذا الأمر أمريكياً، ورغم تمنياتنا وآمالنا في أن يرى النور ويصبح حقيقة واقعة، لكن كل المعطيات وبعد مجيء بنيامين نيتانياهو وليبرمان في حكومة واحدة ودون أن يتوقف بناء المستوطنات ، ودون أي امكانية لتواصل المدن والقرى الفلسطينية فيما بينها، حتى لو قامت دولتها في الوضع الجغرافي المرسوم اليوم إسرائيلياً يستحيل وجوده ككيان وتستحيل تشكيلته كدولة، و ربما يدفع بحكومة إسرائيل الجديدة والرافضة أيضاً لحل افتعال حرب جديدة، خاصة وأن هناك الكثير من المحاور القابلة للتحريك والتي تسعى لكسب المواقع، إيران تسعى لتثبيت دورها ونفوذها في المنطقة  كقوة، فتفتعل حروب عربية إسرائيلية خارج أرضها ودون خسارة دماء أبناءها، وفي النهاية تخرج منتصرة، وإن حاربتها إسرائيل ، فسوف تدفع كذلك بإشعال فتيل يأكل الأخضر واليابس في المنطقة ، وبهذا تضمن أن الخسارة لن تقع عليها وحدها، وربما تجعل الدول ترضخ لمطاليبها وللتعامل معها كزعيمة مثيلة ، وهذا مابدأ يظهر على السطح.
ــ الحكومات العربية تزداد ضعفا وانهيارا وتشرذماً، لدرجة أنها لا تحتمل أي تحدي ولا أي تهديد حتى لو كان من منظمة صغيرة إرهابية أم غير إرهابية، وبوادر التصالح تسير ببطء السلحفاة ، لأن الحكومات نفسها لم تتصالح مع شعوبها فكيف ستتصالح فيما بينها وتقيم استراتيجيات سياسية ناجحة تصب في صالح اقتصادها وصالح تطورها وتخدم قوتها؟ فالقوة الاقتصادية والوحدة الوطنية الداخلية بين فئات الشعب وتنظيماته ومع الحكومة القائمة هي مايصنع القوة السياسية ويفوت أي محاولات خرق وتلاعب في المصالح وفي فرض حلول لا تخدم مستقبل المنطقة وتطورها وتنمي علاقاتها مع بعضها ومع الآخر باحترام متبادل للسيادة وللقوانين الدولية.
ــ عيد للعمال في الفاتح من أيار! ،أي عيد للعمال  والعاملين في حقول الانتاج والابداع ؟ الجميع ينتابه الخوف والرعب من الغد أو من البريد وماسيحمله معه من مفاجآت، فالأزمة العالمية تكبر وتتسع رقعتها لتطال أول ما تطال الغالبية العظمى من العمال في معاملهم،  ومن عمليات التسريح والإغلاق التام لمصانع عملت لعقود خلت وباتت اليوم  تزحف غير قادرة على الاستمرار، البعض منها وصل فعلا لهذه النتيجة،  والبعض الآخر اتخذ أصحابه من الأزمة العالمية حجة ومنفذاً ليركب سفينة الرحيل نحو دول آسيا وإفريقيا حيث يجد ضالته في أيدٍ عاملة رخيصة لا تكلفه الكثير ولا تحتاج لقوانين حماية وطبابة أو ضمان اجتماعي وغيره مما يحتاجه العامل في أوربا، ويجد فيه رب العمل حملا باهضا يجعل من أرباحه اقل ولا يشبع شراهته نحو مزيد من جمع الأموال وارتفاع أرقامها وأسهمها في رصيده البنكي.
ــ على سبيل المثال لا الحصر، وفي بلد كفرنسا وعلى لسان وزيرة الاقتصاد والمال السيدة “كريستين لا غارد” وفي تصريح رسمي أعلنته البارحة ..أن عدد العاطلين المسجلين في شهر ” مارس” فقط،  يعادل 600 ــ 700 ألف عاطل جديد عن العمل، في حين سجلت الوثائق  الرسمية لإدارة طالبي التوظيف في شهر ” فبراير” مايعادل 790 ألف عاطل عن العمل ووصلت النسبة الاجمالية للعطالة في فرنسا إلى 2,38 مليون عاطل عن العمل حتى الآن! والعدد حسب تصريح الوزيرة مرشح للزيادة في الأيام والأشهر القادمة، وتعتبر أن مانحن عليه لا يمثل كارثة حتى الآن! إنما الكارثة قادمة لا محالة وتهدد النسبة الكبرى من الشباب بين 18 ــ 30 عاماً..تدرس بشكل يومي كل الوقائع وتحاول الحكومات أن تجد لها الحلول، لكن أي حلول؟ وماهي آفاقها وآثارها وأبعادها؟ وهل ستستطيع كل المشاريع الانقاذية أن تنقذ فعلا البيوت والأسر من كوارث تهدد حياتها؟
في الأول من أيار ستخرج كل شرائح وقطاعات العمل والانتاج معلنة  رفضها لكل القوانين والبرامج المطروحة والتي لن تتمكن من درء المخاطر أو معالجة أسبابها بشكل مقنع أو نهائي والتعبير عن سخطها على محاولات الالتفاف واقناع العاملين بحلولهم  الترقيعية، ستشارك كل النقابات الموجودة على الساحة الفرنسية، ولن يكون العمال والمزارعين وحدهم في عيد لا يشبه سواه، بل سيشاركهم الطلاب وأساتذة المدارس من أصغر مرحلة دراسية إلى أعلى المراحل الجامعية كما سيخرج الأطباء بكل اختصاصاتهم والعاملين في المستشفيات، لأن العطالة وإلغاء الكثير من الوظائف الهامة في قطاعي المشافي والتعليم خاصة، يزيد من عجزها عن القيام بدورها من خلال إغلاق بعضها أو تقليص الخدمات فيها، مما يؤدي لزيادة في ساعات العمل والضغط على الموظفين!..ستموج شوارع باريس والمدن الكبرى بلافتات السخط والاستنكار.
فهل سيستطيع عمال بلادنا  التعبير عن سخطهم  والاحتجاج عما يطالهم من بؤس وعطالة؟حتى هذا غير مسموح به ، حتى التعبير عن وجعهم ممنوع، عليهم أن يطيعوا ذوي الأمر منهم وأن ينحنوا راضين بالموت البطيء!.
ــ للتذكير فقط، ــ ومع أن بلادنا العربية برمتها، ليست لديها أي دراسات واحصائيات دقيقة عن نسبة العاطلين عن العمل ــ،  وحسب تقرير قديم لمجلس الوحدة الاقتصادية التابع للجامعة العربية، فإن نسبة العطالة في بلاد العرب تعتبر أعلى نسبة في العالم وتطال بين 15 ــ 20 % من السكان هذه النسبة تعود لأعوام سابقة حتى 2007 وتختلف بالطبع في ارتفاعها وانخفاضها بين دولة وأخرى، فحين تنحسر تقريبا في دول الخليج تصل إلى حدودها العليا في مصر وسورية والمغرب  الخ وبالطبع حتى عام 2010 الرقم في صعود لا تعرف نتائجه ولا تحسب دولنا له حساباً، وإن فعلت فهي مجرد حسابات”  خنفشارية ” تضحك بها على ذقوننا من خلال خططها الخمسية التي لا تنفذ جزءاً يسيراً من بنودها ولا تعود على المواطن العاطل إلا بمزيد من الخيبات.
ــ في سورية لا احصائيات ولابرامج ،هجرة مستمرة للشباب المؤهل وللعقول، عطالة كبيرة وقوانين لا تحمي ولا تنصف ولا تقي من غائلة الجوع سواء على صعيد القطاع العام أم الخاص، مازال متوسط دخل المواطن في القطاع العام يعادل 6000 ليرة سورية، وفي القطاع الخاص 9000 ليرة مع أسعار خيالية تعادل الأسعار العالمية في الدول الأوربية، وهذه الرواتب  لاتشتري خبزا.
ــ عدد سكان سورية اليوم يعادل 22 مليون نسمة، المواليد الجدد سنويا تساوي نصف مليون ولادة  مقابل 13 ألف حالة وفاة سنوية، أي أن الزيادة السكانية تعادل مايزيد على 480 ألف مواطن وفم جديد للاستهلاك!! ..كيف تواجه الحكومة هذه النسبة الهائلة والمخيفة للتكاثر وماهي الموارد المعدة والمصادر الموجودة لاستقبال هذه الأفواه؟ وماهي المشاريع المدروسة لمعالجة هذا التكاثر ومعالجة الناتج القادم عنها في المستقبل القريب؟ــ  اللهم إلا مشروع الأغنية التي تعهدتها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل من أجل حث المرأة على تحديد النسل ويغنيها المطرب الشعبي ( علي الديك)…فاستمعي يابنة سورية لعلي الديك كي لاتكثري من المواليد!.
ثم لماذا لا يتفتق ذهن وزيرة الشؤون وحصافتها عن أغنية جديدة تعالج النسبة المرتفعة للعاطلين عن العمل؟ وبهذا يكون لنا سبق الاختراع وايجاد السبل الناجعة في التخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية فتسير الشعوب الأخرى على منوالنا غنائياً؟!، فقد غدت مظاهرالفقر تفقأ العين في مدن الصفيح والبناء العشوائي، وفي أعداد الأطفال المتسربين من المدارس، والذين تعج بهم الأسواق ليبيعوك أي شيء ويتعرضون لكل أنواع الانتهاكات. كيف سيحتفل هؤلاء بعيد العمل والعمال؟ وهل ستشعرهم دولهم وحكوماتهم بأن لهم عيداً ؟ وستعدهم الاهتمام بقضاياهم؟!
كيف ستحتفل  نساءنا المقتولات باسم الشرف، ونساءنا  المعنفات يومياً والمحرومات من أبسط الحقوق الإنسانية في قانون أحوال شخصية وقانون عمل وعقوبات وجنسية وتمييز يمارس بحقهن في الأسرة والميراث ، في الزواج والطلاق، وحتى في الموت؟!
لن يعرف فقيرنا العيد ولن تعرفه نساءنا ولا أطفالنا ولا شبابنا، إلا حين نصاب بوباء المعجزات، فلماذا يأتينا وباء أنفلونزا الطيور والخنازير والبقر المجنون؟ ولماذا ينتشر السرطان بين تضاريس أجسادنا؟ وهل من الممكن بعد أن نصاب بلوثة ثقافية فاعلة، أو صحوة عقلية توقظ نومنا الطويل؟

كنا نغني يوماً: خضرا يابلادي خضرا رجالك أحرار….نادوا فلتحيا ذكرى أول أيار

باريس 28/4/2009
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى