انطباعات الغربة المزدوجة..!
غادا فؤاد السمّان
لم يعد اجتياز الحدود بين البلدين الشقيقين، أقصد الشقيقين لبنان وسوريا، بالأمر اليسير.. فحامل الجنسية السورية بات يشعر أنه مذموم بجنسيّته لدى الطرفين، وإذا كان خروج الجيش السوري من لبنان بإرادة جامعة وجامحة من قبل تجمّع 14 آذار عاملا من عوامل الغصّة التي لا بدّ من حمل أعبائها من قبل المواطن السوري المقيم في كلّ مرّة يتحرك فيها عبر الحدود وخاصّة أنّ تحرير هذه المقالة يتناسب والذكرى المواكبة، وهنا يمكن الجزم أنها المرّة الأولى التي أجد فيها معاملة مختلفة جذريّا على الحدود اللبنانية حيث تمّت بتصعيد درامي منقطع النظير عبر اتباع أسلوب التدقيق اللا مسبوق بحثًا عن ثغرة تكون السبب في عرقلة السفر.
لم تعد تلك الليونة والمرونة التي ألفتها على مدار 18 سنة من تمديد الإقامة المؤقّتة في الوطن المُستعار، بل صار التشدد واللامبالاة أساس المعاملة في حالتي الخروج والعودة وكأنّ العدوى قد انتقلت بالتواتر بين الطرفين، ولم يعد أسهل على الضابط المناوب من قول: “ارجعي من حيث أتيت” غاضّا الطرف عن أي اعتبار، ولا شيء يشفع للعدول عن قراره الذي صدمني صدمة مزدوجة، حين وصلت الحدود اللبنانية واضطررت للعودة إلى بيروت لتسوية صلاحية الإقامة المؤقتة، التي لا سبيل لتسويتها إلا بالعودة إلى بيروت، بصرف النظر عن الضباب الذي كان يكتسح الطريق الصعب والمرتفعات المريعة، ناهيك عن الصقيع والأمطار وحبّات البرد التي كانت تتسابق على امتداد الطريق مع ماسحات الزجاج بسرعة طردية هائلة، حتى تحولت الرحلة إلى قصاص بكل ما تعنيه الكلمة، وكأنّ استحداث ملحق للأمن العام يُعنى بهذه الأمور عند الحدود أمر مستحيل مع أنه لا يحتاج لأكثر من جهاز كمبيوتر للتدقيق ودفتر إيصالات لتسديد الرسوم المُستحقة لتحلّ بذلك مشكلة روتينيّة لا أن يطوق عنق المواطن بروتين لا يمتّ إلى المنطق بصلة.. والعودة من دمشق لم تكن أيسر حال فبعد التدقيق تبين نقص في ورقة كنت اصطحبها لكل السنوات الماضية وبعدما تأكدت من عدم أهميتها أهملتها للمرة الأولى، وفوجئت بفرط الاهتمام بها في هذه المرة الأولى التي كبدتني 3 ساعات ونصف من الانتظار معلّقة على الحدود بين البلدين وتعليقات السائق وبقية الركّاب تسقط على مسامعي كالسياط ريثما استدركت غياب الورقة المفقودة بمعجزة الكترونية إسمها الفاكس.. جزا الله خيرا مخترعيها.
الحديث عن النصر الإلهي لدى السوريين وتقديس شخصية السيّد حسن والدعاء للمقاومة ووجوب التصدّي لإسرائيل حصريا من الجنوب اللبناني وتطهير بيروت من عملاء 14 آذار واجب وطني على كل موظّف وموظفة في دمشق، وهذا الحديث بات ينتقل بالحليب للرضّع وبفنجان القهوة مع ثرثرة الحريم وبالمصافحة الأخوية لكلّ فحول التنظير في دمشق، الديمقراطية الطاغية لمستها فعليا في دمشق، عند سؤالي لموظف الاستعلامات في فندق الخمس نجوم حول افتقاد محطات التلفزة اللبنانية أجاب: عندك “المنار” والـ”نيو تي في”، سألته: والـ”إل بي سي” و”المستقبل”، قال: ممنوع إدراجهم في قائمة العرض، علّقت قائلة: أخشى أن تكون “المنار” شرطا من شروط الإقامة في الديدمان؟!! والديدمان شركة تركية حلت محل الشركة الفرنسية للمريديان سابقا، والغريب أنّ سلسلتها العالمية تمتد إلى إيران وضواحيها.
من النادر أن تعثر على دمشقيّ في دمشق وإن قدّر لك وصدفته فهو برسم الموت حتما، فنسبة المصابين بمرض السرطان بلغت 50% والتلوّث البيئي 90% وعلى كل متجوّل في شوارع دمشق أن يحمل أنبوبة أوكسجين تحسبّا من انقطاع التنفس المفاجئ لأنّ التجاوزات في فوضى النقل العام مخجلة بشكل مفجع تماما، أحد المسؤولين الكرام أرجع الأمر لعطب في إمكانية التنفس لدي وأنّ الهواء نقي % في % رجوته التحرر من مركبته الفاخرة والنزول إلى الشارع والانخراط وإن لمرة يتيمة بين الازدحام والالتحاق بدوائر الدولة المتخمة بالموظفين الذين بلغ معدلهم ثلاثة لكل كرسي واحد وبعدها يناقشني، وظلّ على رأيه رغم كل الحجج والبراهين، فهو ينتمي إلى عقيدة الصمود ومبدأ التحدي، وكل حواري معه فاشل بالضرورة، وعاب عليّ مآخذي إذ إنها متلبننة بالضرورة ومحكومة بآراء عميلة ودخيلة.
سائقو سيّارات الأجرة في دمشق حالة شاذّة عن المنطق والعقل والجغرافية ويُمكن فتح ملفات إلى ما لا نهاية بشأنهم، فهم في معظمهم عار على السياحة حيث تتعثّر على مدار الخطوة بجهلةِ المناطق والأماكن وحتى عن أكثر المعالم قِدما أو شهرة ودائما أنتَ ملزم بقيادة السائق وتحديد مساره ادخل على اليمين، انعطف على اليسار، ومشكلة طائلة إذا كنت تجهل المكان فكلاكما تائه لا محالة، وهكذا يصير سائق الأجرة عالة على السائح إذا استثنينا المواطن والمقيم، وعلّة يقيم لها المواطن ألف حساب وحساب خشية أن تفرّ من فمه كلمة من هنا أو هناك تقوده إلى ما لا تحمد عقباه، فمعظمهم مكلّف الحفاظ على أمن واستقرار البلد وأي كلمة تعتبر تهديدا نوويا لاستقرار البلد حسب تقدير الخبراء المكلفين والجهابذة من سائقي سيارات الأجرة.