المحاكم السورية والعقلية الأمنية
پير روسته
نشرت عدد من المواقع الالكترونية والمهتمة بالشأن السوري بأنه “عقدت في دمشق اليوم الأربعاء 22/4/2009 محكمة الجنايات الأولى برئاسة القاضي محي الدين حلاق، لمتابعة فصل جديد من فصول محاكمة المعارض السوري المهندس مشعل التمو الناطق الرسمي لتيار المستقبل الكوردي في سوريا، والمعتقل في سجن عدرا المركزي بدمشق، منذ اختطافه في 15/8/2008 من قبل دورية تابعة للأمن الجوي على طريق كوباني – حلب وهو يقود سيارته الخاصة، ليحاكم بالتهمتين الملفقتين التاليتين: إثارة الفتنة لإثارة الحرب الأهلية المنصوص عنها في المادة 298 من قانون العقوبات السوري (و) النيل من هيبة الدولة وإضعاف الشعور القومي وفقا للمادة 285 ومحاكمته لأجل ذلك بما ظن عليه حسب المواد 287- 288 – 307 “. وقد أكدت تلك المواقع بأن هيئة الدفاع “تقدمت بمذكرة خطية أكدت فيها على مطالبتها السابقة بجلسة 25/3/2009 لسماع الشهود المسمين بالمذكرة، كشهود دفاع لنفي التهم الموجهة للمعارض مشعل التمو من قبل قاض الإحالة والرد على مطالبة النيابة العامة بدمشق والتي تطلب بها تجريم التمو استناداً الى التهمتين السابقتين، وطلبت (أي هيئة الدفاع) إجراء الخبرة اللغوية لتحليل وثائق الدعوى وأقوال التمو لبيان فيما إذا كان ما ذهب إليه الادعاء وقرار الاتهام ينطبق على أقوال وأفعال المذكور، محتفظة في الوقت نفسه بحقها بتقديم الدفاع إلى ما بعد البت في الموضوع” وذكرت تلك المواقع أيضاً بأن و”بعد ضمها (أي المرافعة التي قدمتها هيئة الدفاع) في ملف الدعوى سأل رئيس المحكمة المعارض مشعل التمو عن أقواله الأخيرة، فقال إني بريء أصلا، و أكد على المذكرة المقدمة من هيئة الدفاع وطلب مهلة للدفاع، إلا أن رئيس المحكمة تجاهل حق المتهم بالدفاع عن نفسه وحرمه وهيئة الدفاع من حق الدفاع.. إلخ”.
إننا بالتأكيد نتفق مع هيئة الدفاع وكذلك المواقع الكوردية والسورية التي أوردت النبأ بأن ذاك “الحرمان (من المرافعة وتفنيد التهم الموجهة للمعتقل) يعد انتهاكاً لأدنى حقوق المتهم (الإنسان) والتي كفلته الشرائع السماوية والدساتير الوضعية والاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية والقوانين والأعراف القضائية ومبادئ العدالة والإنصاف”، وكذلك فهي منافية للمنطق والعقل وأصول المحاكمات والقضاء وشرعة حقوق الانسان والقوانين والنظم الدستورية التي تكفلها المحاكم والقضاء أولاً وكواجب إنساني ودستوري لها، بل إن القضاء والمحاكم هي المسؤولة أولاً وأخيراً عن ضمان وكفالة هذا الحق (للمتهم) ومهما كانت تهمته أو جريمته؛ حيث أن “المتهم بريء إلا أن تثبت إدانته” ولكن يبدو أن هذه – فقط – في المحاكمات الجنائية، أما ما يتعلق بمعتقلي الرأي والضمير والكلمة الحرة فباتت محاكمة هؤلاء عبارة عن وصمات عار في المشهد السياسي (……) ومن التراث الفولكلوري لبعض الـ (……) وخاصةً والعالم قد دخل في الألفية الثالثة. ولكن يبدو أن بعض الأنظمة الظلامية في شرقنا البائس والتعيس ما زالت رهينة الألفية، بل المئويات الأولى من التاريخ الديناصوري أو النياندرتالي في أحسن أحوالها.
وهكذا فإن محاكمة معتقلي الرأي والضمير وفي ظل قانون الطوارئ والأحكام العرفية وفي محاكم إستثنائية كمحكمة أمن الدولة، جميعها موجبات ومقدمات لأن يؤسس عليها، بأن تلك (المهازل) من الكوميديا السوداء والتي تقام في المحاكم السورية من خلال قضاة (……..)؛ حيث الفاعلون الحقيقيون وفي كل الساحات – من وراء أو أمام الستار – هي الجهات الأمنية وليست القضائية ولا السياسية وإن كانت هي الواجهة الدبلوماسية وقد رأينا مهزلة تلك المحاكم و(…….) في أكثر من موقع وزمان ولكن أجلها وأكثرها عبثيةً هي التي جاءت من خلال محاكمة الأستاذ والكاتب ميشيل كيلو ومن ثم الإمتناع عن تنفيذ نص قانوني صريح، حيث “رفضت محكمة الجنايات الثانية بدمشق يوم الأربعاء 20/ 8/ 2008 إطلاق سراح الكاتب والمعارض السوري ميشيل كيلو الذي حكم بالسجن لمدة ثلاث سنوات على خلفية توقيعه على إعلان بيروت دمشق – دمشق بيروت، والمعتقل من تاريخ 14 / 5 / 2006 ،بتهمة إضعاف الشعور القومي وفقاً للمادة /285/ من قانون العقوبات السوري وبالسجن لمدة ثلاث أشهر بتهمة إيقاظ النعرات الطائفية والمذهبية سنداً للمادة /307/ من قانون العقوبات السوري ودغم العقوبتين لصالح العقوبة الأشد. وقدمت هيئة الدفاع عن الكاتب والمعارض السوري ميشيل كيلو طلباً لمنحه وقف الحكم النافذ بحقه بالرغم من توفر شروط الحصول على عفو من ربع مدة الحكم المنصوص عليها بالقانون السوري بعد أن انقضى من عقوبة الكاتب ميشيل كيلو حوالي سنتان وثلاثة أشهر، إلا أن المحكمة قد ردت الطلب بالرغم من توفر أسبابه..”.
إن رفض النائب العام السوري تطبيق قرار محكمة النقض بإطلاق سراح كل من الأستاذين ميشيل كيلو ومحمود عيسى جاء على خلفية تدخل “بعض الجهات (الأمنية) لوقف تنفيذ قرار محكمة النقض، ودفعت النائب العام إلى مخاصمة المحكمة المذكورة بسبب قرارها، كما دفعت أعضاء الهيئة العامة إلى تجميد تنفيذ القرار مع أن المخاصمة لا تفضي إلى تجميده ولاتمنع إطلاق سراح المعتقلين” حيث جاء ذلك على لسان (80) مثقفاً سورياً طالبوا بالإفراج عن المعتقلين المذكورين والذين أتما المدة القانونية لعقوبتهما وكان يجب أن يستفيدا منها وعدم إكمال ربع المدة المتبقية لهما، ولكن يبدو بأن المجرمون والجناة فقط هم الذين يجب أن يستفيدوا من القانون والنظام السوري أما الشرفاء من الوطنيين ومعتقلي الرأي والكلمة فما عليهم إلا أن يكتوا بنار النظام وقوانينها ومحاكمها الإستثنائية وفي ظل قضاة كومبارس لا حول ولا قرار لهم.
وهكذا.. فإننا ببساطة ومن خلال المحاكمة السابقة لكل من ميشيل كيلو ومحمود عيسى يمكن أن نقول: بأن القضية (قضية المحاكم السورية ومحاكماتها لمعتقلي الرأي والضمير) هي بالأساس قضية خاطئة ومرفوضة قانوناً وشرعاً؛ كونها تنطلق من مقدمات غير قانونية بدايةً، إن كان من حيث الإعتقال والتوقيف لجرم غير موجود ومرتكب أساساً أو من حيث النص والهيئات والمحاكم القانونية الشرعية؛ محاكمة المعتقل في ظل قوانين ومحاكم إستثنائية. وكذلك لتدخل الأجهزة الأمنية المخابراتية بشكل فظ وسافر في القضية، وذلك بإعتقالهم دون مذكرة قضائية أو التدخل من حيث درجة العقوبة التي يجب أن يصدر بحق أولئك الأخوة وليس فقط في مجرى عملية التحقيق والمحاكمة. وبالتالي فإن رد الأخ والصديق مشعل تمو على رئيس محكمة الجنايات الأولى بدمشق القاضي محي الدين حلاق بأنه “بريء أصلاً” من التهم الموجهة له، يلخص بقوة وعمق حقيقة وواقع المحاكم السورية وما تقوم بها من كوميديا سوداء من خلال مهازلها/ محاكماتها لعدد كبير من المعتقلين السياسيين والكتاب والمثقفين السوريين ومن بينهم عدد لا بأس به من كوادر ومناضلي شعبنا وحركتنا الوطنية الكوردية في غرب كوردستان.
وبالتالي يمكن – نحن أيضاً ومن جانبنا – أن نلخص واقع المحاكم السورية والمشهد السياسي السوري عموماً؛ بأنه واقع غير قانوني وشرعي ومنذ الانقلاب العسكري في (8 آذار لعام 1963) ولغاية اليوم وبالتالي فإن كل الهيئات والقوانين التي صدرت وعملت بها في ظل هذه الحكومة الغير قانونية والشرعية أصلاً هي قوانين وهيئات غير دستورية قانونية وما محاكمة هؤلاء السادة والأخوة المعتقلون إلا جزء من الحياة الغير دستورية والتي يعاني منه الشعب السوري بمختلف مكوناته العرقية والدينية والمذهبية وكذلك السياسية وهي بالتالي مرفوضة نصاً وكسلوك وفعل إستبدادي قمعي يمارس ضد النشطاء من الكتاب والمثقفين والسياسيين السوريين وعلينا إدانتها ورفضها وكذلك المطالبة بإعادة الحياة الدستورية للبلد وبدايةً إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي والكلمة الحرة والكشف عن مصير المجهولين منهم ومحاكمة الجناة بحقهم أمام محاكم أصولية دستورية مستقلة تملك قرارها من روح الدستور السوري وليس من دروج ومكاتب رؤوس الفروع الأمنية المخابراتية و.. عندها – فقط – يمكن القول بأننا نحن السوريين قد وضعنا اللبنة الأولى لتكون البداية الحقيقية لمناخ حر ديمقراطي في البلد.