الرؤى المستقبلية للعلاقات السورية اللبنانية
عصام خليفة
الجزء الأول
ترددت كثيراً قبل اتخاذ القرار النهائي بالمشاركة في هذا المؤتمر، وسبب التردد هو التساؤل الذي كان يلح عليّ: هل هذا المؤتمر يتسع للصراحة والشجاعة في النقد والنقد الذاتي؟ أم سيقتصر على عملية إعلامية استعراضية وترداد لمقولات أيديولوجية لا نتائج عملية لها على أرض الواقع؟!
ولكن خطورة المرحلة التي يمر بها كل عالمنا العربي، وفي قلبه هذا المشرق الغني بتاريخه ومآثره، والشجاعة التي لاحظتها في الإقرار بوجود أخطاء كانت في أساس تدهور العلاقات اللبنانية ـ السورية، تلك الخطورة وهذه الشجاعة حملتاني على الوقوف أمام هذه النخبة من مثقفي سوريا ولبنان من أجل تحمل المسؤولية التاريخية المشتركة أمام مستقبل الشعبين السوري واللبناني، لكن أيضاً تجاه مستقبل شعوبنا العربية قاطبة.
لقد توسع المؤتمر كثيراً في عرض الخلفيات التاريخية والسياسات الدولية التي كان لها الأثر الواسع في تشكيل أحداث المنطقة. وكم كنت أفضل أن تتركز المداخلات والأبحاث على مجمل المشاكل التي تعاني منها العلاقات اللبنانية ـ السورية في الفترة المعاصرة. وكم كان من الأجدى، بحسب وجهة نظري، التطرق التفصيلي لكل مشكلة مع عرض وجهتي النظر السورية واللبنانية مع الحلول المناسبة للدولتين والشعبين.
لكن من حقي أن أسأل بعض الأسئلة التي ربما تكون محرجة:
هل النخب المشاركة في هذا اللقاء لها تأثيرها الفاعل في القرارات السياسية في الدولتين؟ وهل لها تأثيرها الإعلامي أو الإيديولوجي الوازن؟ أم هل لها تأثيرها وسلطتها على القوى المركّبة الموجهة عند النظامين اللبناني والسوري؟ والى أي مدى يمكن لمثقفين، ولو ملتزمين، أن يؤثروا في مسار إدارة دولتين فيهما أكثر من 39 مجموعة لها تاريخها وتعقيداتها ومصاعب التعامل معها (كما ذكر ذلك رجل الانتداب الفرنسي القوي Robert De Caix).
ومهما يكن من أمر فلنضع بعض المنطلقات التي في ضوئها يمكن بل يجب أن تفهم وجهة النظر التي نقدمها عن مستقبل العلاقات اللبنانية ـ السورية.
1ـ ان دولتي سوريا ولبنان هما بمثابة تؤمين سياميين، لا يمكنهما الاندماج في شخص واحد ولا يمكنهما الانفصال بعضهما عن الآخر كما هي الحال مع غيرهما من بعض الدول.
2ـ مع مذكرة الوفد السوري إلى الجامعة العربية، أثناء التحضير لقيام الجامعة العربية، ثمة موقف بعيد النظر. فبعد ممارسة الدولة اللبنانية لخصائص الاستقلال والسيادة وصلاحياتهما، تؤكد المذكرة: «اننا رأينا أن ننتهج خطة جديدة فنقيم الصلات بينا وبينه (لبنان) على قاعدة التعاون في تثبيت الاستقلال وتسوية المشاكل التي أحدثها الماضي بالتعاون والاتفاق»(1).
3ـ ثمة مواقف مشتركة مضيئة بين الشعبين السوري واللبناني، خاصة في التاريخ المعاصر، يمكن أن تشكل مرجعاً ودليلاً: شهداء ساحتي المرجة (دمشق) والبرج (بيروت) عامي 1915 و1916 دفاعاً عن حرية العرب واستقلالهم. الانتفاضات الشعبية المشتركة في ظل الانتداب الفرنسي في المدن والأرياف السورية واللبنانية في مواجهة سياسة الانتداب. في معركتي الاستقلال والجلاء تعاون العقلان السياسيان اللبناني والسوري فنجحا. ولا ننسى أن سوريا سلمت لبنان قيادة الدبلوماسية للوصول إلى اتفاقية الجلاء. وفي ظل الفترة الشهابية حصل تنسيق أمني وسياسي ناجح بين سوريا ولبنان.
العبرة من هذه الأحداث المفصلية المضيئة: ثمة ضرورة وحتمية وجود إرادتين حرتين ومتحالفتين (سورية ولبنانية) لتشكلا قدرة على حل المشكلات. وبدون ذلك تندلع المشاكل بوجه الجميع.
والعبرة أيضاً أن الحوار بين الدولتين هو السبيل الوحيد لتأمين المصالح المشتركة. وكل محاولات الثأر والانتقام والفرض وإغلاق الحدود والتدخل السافر، أو التذاكي في تمرير اتفاقيات لا تخدم الشعبين، ولا تنبثق عن المصالح العميقة والبعيدة المدى لسوريا ولبنان، كل ذلك يفاقم الخصومة ولا يقرّب القلوب.
4ـ الدولة اللبنانية ليست، كما يتصور أو يمارس البعض، كياناً مصطنعاً خلقه الاستعمار. إن النخب اللبنانية عقدت ثلاثة مواثيق هي قاعدة هذه الدولة. والخلفية العميقة لها هي الجمع بين اللبنانية والعروبة: ميثاق 1938 وقد وقع في منزل يوسف السودا في 18 آذار الساعة التاسعة مساءً. وميثاق 1943 المتمثل بالبيان الوزاري لحكومة الزعيم الوطني رياض الصلح في 8 ت1 1943. واتفاق الطائف الذي صدّقه مجلس النواب بتاريخ 5/11/1989.
هذه المواثيق التي لها أولوية على الدستور اللبناني، هي مواثيق متكاملة وليست متلاغية: أ ـ كلها تؤكد أن لبنان دولة سيّدة حرّة ضمن حدودها المعترف بها دولياً (ميثاق 38، ميثاق 89). وهو جمهورية مستقلة استقلالاً كاملاً… هو سيّد نفسه (ميثاق 43) ب ـ تمكين الصلة بين لبنان والدول العربية المجاورة في اتجاه حلف يضمن لكل منها الاستقلال التام (ميثاق 38). ج ـ لبنان مدعو الى التعاون مع الدول العربية، والى دخول الأسرة العربية… وعليه أن يحفظ التوازن بين الجميع، وألا يميل مع فريق عربي (ضد آخر) (ميثاق 43). د ـ ولبنان تربطه علاقات أخوية وصادقة بجميع الدول العربية. وتقوم بينه وبين سوريا علاقات مميزة، تجسدها اتفاقات بينهما في شتى المجالات، بما يحقق مصلحة البلدين الشقيقين في إطار سيادة كل منهما واستقلاله (ميثاق 89). هـ ـ سوريا لا تسمح بأي عمل يهدد أمن لبنان واستقلاله وسيادته (ميثاق 89) ولبنان لا يريده أبناؤه للاستعمار مستقراً أو ممراً (ميثاق 43) ولبنان لا يسمح بأن يكون ممراً أو مستقراً لأي قوة أو دولة أو تنظيم يستهدف المساس بأمنه أو أمن سوريا (ميثاق 43). و ـ لبنان عضو مؤسس وعامل في جامعة الدولة العربية، وملتزم مواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء (ميثاق 89).
انطلاقاً من هذه المواثيق ثمة وضوح في الثوابت المتصلة بالعلاقة بين سوريا ولبنان:
لبنان دولة مستقلة. ولبنان جزء من منظومة سياسية عربية هي الجامعة العربية. ولبنان متحالف مع أشقائه العرب، انطلاقاً من الجارة الأقرب سوريا، في مواجهة كل الأخطار والتحديات وبخاصة الخطر الإسرائيلي. ولبنان مع العرب إذا اتحدوا ولكنه على الحياد بينهم إذا اختلفوا. ولبنان مع العروبة في مفهومها الحضاري والثقافي. وقد قدّم اللبنانيون لهذه العروبة، منذ القرن 16 على الأقل، الخدمات الجليلة (العلماء، المطابع، الصحافة، الأدب، التيارات الفكرية، الفنون على أنواعها…) ويجب أن يستمروا في العطاء بالتفاعل مع باقي الأشقاء العرب وفي الطليعة الشعب السوري.
ولكن العروبة التي يُختلف عليها هي المشروع التوحيدي السياسي الذي يلغي حرية الدولة اللبنانية وحرية التعدد ضمنها.
5ـ إن التغيير في الاستراتيجية السورية تجاه لبنان والتغيير أيضاً في التكتيك هو الذي ينقل الوضع من التباعد والمواجهة التي كلفتها باهظة وخاسرة للفريقين إلى التعاون والتحالف الفعلي. وان تطبيع العلاقات على قاعدة الندية والمصالح المشتركة والتحالف في إطار المواثيق الوطنية والعربية والدولية، هو الذي يؤمن الفوائد للجميع.
6ـ إن مفهومنا لدور المثقفين في سوريا ولبنان وفي كل أرجاء عالمنا العربي الأوسع يقوم على قاعدة الالتزام بالحقوق المدنية والسياسية كحرية الرأي والتعبير والحرية الدينية وحرية الاجتماع وحق تشكيل الأحزاب السياسية والمشاركة في إدارة شؤون البلاد وحق تقرير المصير، إلى غير ذلك. وتليها بعد ذلك الحقوق القضائية والقانونية مثل مبدأ المساواة أمام القانون والحق في محاكمة علنية منصفة وحق الدفاع وقرينة البراءة وحظر القضاء الاستثنائي غير المحايد ومبدأ استقلال السلطة القضائية والحق في سلامة الجسم ضد التعذيب والعقوبات الحاطة بالكرامة. ثم تأتي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مثل الحق في العمل والتعليم والرعاية الصحية والحق في السكن المناسب وحق التنظيم النقابي. وهناك أيضاً ما يعرف بالجيل الجديد من الحقوق الجماعية مثل الحق في التنمية، والحق في البيئة النظيفة. وكذلك هناك حقوق الطفل والمرأة وحقوق الأقليات.(1)
على مثل هذه القيم الكبرى نسعى لترسيخ العلاقات اللبنانية ـ السورية. ودفاعاً عنها نطمح الى أن نوصل مجتمعاتنا لممارستها على الصعد كلها. إن التنمية الإنسانية هي، إضافة الى العيش برفاهية وصحة جيدة والحصول على المعرفة وتوافر الموارد اللازمة لمستوى معيشي لائق، الحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتوافر الفرص للإنتاج والإبداع، والاستمتاع باحترام الذات وضمان حقوق الإنسان(2).
إن الحرية شرط ضروري وحيوي، وإن لم يكن الوحيد، لقيام نهضة عربية جديدة.
7ـ انطلاقاً من الإقرار المشترك بوجود أخطاء حصلت على مختلف الصعد، خاصة خلال فترة الثلاثين سنة الماضية في العلاقات اللبنانية ـ السورية، فإننا نتصور أن الحل الايجابي هو إلغاء معاهدة التعاون والتنسيق وما نتج منها من مؤسسات وإعادة نظر شاملة في كل الاتفاقيات الثنائية المعقودة بين سوريا ولبنان في تلك الفترة، والعمل معاً لوضع اتفاقيات جديدة تؤمن فعلاً المصالح المشتركة للشعبين السوري واللبناني. وما دام التبادل في التمثيل الدبلوماسي قد حصل، فالمطلوب من خلال القناة الدبلوماسية تأكيد وتطبيق سياسة الأخوة والتعاون والتنسيق.
8ـ نعود ونؤكد ما كنا قد أيدناه في إعلان بيروت ـ دمشق/ إعلان دمشق بيروت:
«ندين الاغتيال السياسي بما هو وسيلة جرمية للتعامل مع المعارضين وحل النزاعات السياسية، ونشدّد على ضرورة تسهيل مهمة لجنة التحقيق الدولية من أجل كشف المحرّضين والمنظمين والمنفذين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وفي الجرائم الأخرى وتحميلهم المسؤولية الجزائية والسياسية على جرائمهم وإنزال العقوبات التي يستحقونها أمام القضاء الدولي والرأي العام. ونرفض، في مطلق الأحوال، أي محاولة لفرض العقوبات الاقتصادية وسواها على الشعب السوري.
أعرض باختصار أهم القضايا العالقة بين سوريا ولبنان، طارحاً عنواناً سريعاً للحل:
أولاً: ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان:
إن تعيين الحدود وتحديدها تم بين لبنان وسوريا من خلال القرارات: القرار رقم 19 الصادر بتاريخ 6 كانون الاول 1918 عن De Piépape، والقرار رقم 299 الصادر بتاريخ 3 آب 1920 عن الجنرال غورو، والقرار رقم 318 الموقع من غورو والصادر بتاريخ 31 آب 1920 (مع الخريطة الملحقة به لحدود لبنان الكبير).
ومن أجل ترسيم الحدود تم تأليف عدة لجان:
1ـ لجنة Achard (القرار 1159 تاريخ 19 كانون الاول 1921): أكدت ان سرير النهر الكبير هو خط الحدود الشمالية وأوضحت بدقة مسار الخط الحدودي من نقطة تلاقي النهر الكبير مع وادي شدرا حتى نهر العاصي. 2ـ لجنة تقلا ـ مارلييف (القرار 1696 تاريخ 20/12/1923. 3ـ لجنة lépissier وضحت الخط الحدودي في الجهة الشرقية.
ومن أبرز الوثائق الحدودية التي صدرت في هذه المرحلة:
Procès – verbal n 7002 / k4 (10/12/1925). conformément a l’arrêté
Nº 2027 .
Proposition de la Commission instituée par décision Nº1159 (19/12/1921).
Proposition de la Commission formée (20/12/1923).
4ـ الكابيتن Dujardin قام بعملية ترسيم للحدود من جبل حليمة وصولاً الى بير جبيب متبعاً خط تقاسم المياه، وبعدها أصدر المفوض السامي De Martel القرار 27/RL بتاريخ 4 شباط 1939. 5ـ Duraffourd مدير دائرة المساحة اقترح تعيين قاضيين عقاريين سوري ولبناني لدرس وبت الإشكاليات الميدانية للترسيم النهائي (30/2/1935) في ضوء الوثائق والمستندات والصكوك المقدمة من أصحاب العلاقة وعلى القاضيين فحص سجلات العقارات وأماكن تسجيلها وسائر الوثائق ويقترح أن تكون الحدود بين القرى الطرفية في الدولتين مرتكزة على خراجات القرى من جانبي الحدود. 6ـ رفيق الغزاوي عيّن من قبل لبنان قاضياً عقارياً للجنة الحدود وتم تعيين أعضاء آخرين في اللجنة. وكذلك سوريا عينت القاضي العقاري عبد الرزاق الشمعة. 7ـ عقدت اللجان المشتركة، برئاسة القاضيين العقاريين اللبناني والسوري، مئات الجلسات وتركت محاضر تسمى محاضر التحديد والتحرير لمجمل القرى الحدودية في لبنان وسوريا وتوصلت الى نتائج بالغة الأهمية. 8ـ بعد فترة الاستقلال (آذار 1946) وُقّع اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا في منطقة مزارع شبعا (17 محضرا + حكم قضائي + خريطة موقعة من الحكومتين اللبنانية والسورية + نقاط حدودية مرقّمة). والمطلوب حسم كل جدل في هذا الموضوع بتثبيت هذا المحضر وتوقيعه من حكومتي سوريا ولبنان وإرساله إلى دائرة الخرائط في الأمم المتحدة. وإنهاء الترسيم لكامل الحدود خلال مدة عام حداً أقصى. 9ـ عام 1948 تألفت لجنة لترسيم الحدود في مناطق الحدود في مناطق عنجر وشبعا واكروم. وهذه اللجنة لم تتوصل الى نتيجة. 10ـ واستمر عمل اللجان في المرحلة اللاحقة ومن أهم الاجتماعات ذاك الذي حصل بتاريخ 5 حزيران 1952.
وقد أكدت فيه اللجنة على الوثائق والمخططات التالية:
1ـ القرار رقم 152 / ل.ر. تاريخ 12 تشرين الثاني سنة 1937 الذي يعين الحدود الدولية في ما بين محافظة اللاذقية (سوريا) وقضاء عكار (لبنان) كما هو موضح باللون الأحمر بالخريطة المرفقة به.
2ـ القرار رقم 27/ل.ر. تاريخ 4 شباط سنة 1935 الذي يعين الحدود الدولية من عين القبو شمالي غربي قاره حتى بير جبيب شمالي شرقي بعلبك وفقاً للخريطة ولدفتر الهداية المرفقين به.
3ـ القرار رقم 1 الصادر بتاريخ 9 تشرين الأول سنة 1944 عن القاضيين السوري واللبناني المكلفين سابقاً بتعيين الحدود اللبنانية السورية والمتخذ بشأن الخلاف الواقع على الحدود بين قريتي جنتا (لبنان) وسرغايا (سوريا) والمصور العائد له.
4ـ القرار رقم 2 الصادر بتاريخ 27 آذار سنة 1946 بشأن الخلاف المتكون على الحدود بين قريتي شبعا (لبنان) ومغر شبعا (سوريا) والمصور العائد له.
5ـ بتاريخ 22/10/1961 تألّفت لجنة لبحث قضية الحدود اللبنانية السورية ولوضع حد لمشكلاتها ولإعادة النظر بالخرائط المعمول بها حالياً.
6ـ لقد قدمت اللجان السورية ـ اللبنانية المشتركة أسساً اتُّفق عليها اقترنت بموافقة رئاسة الوزراء في سوريا ولبنان: أ ـ «اعتبار الحد العقاري حداً دولياً في المناطق التي اعتمدت فيها الخرائط المساحية العقارية أساساً لتحديد حدود القرى». ب ـ في المناطق غير المحددة والمحررة أو لم ينته التحديد والتحرير فيها يعرض الخلاف على اللجنة العامة.
7ـ عقدت اجتماعات كثيرة خلال فترة الستينيات وتم النقاش في نقاط الحدود الرئيسية (1000) والثانوية (4000) وتكاليف وضع هذه النقاط. كما وضعت خرائط تفصيلية لكامل الحدود.
8ـ في اجتماع 26 ـ 27/4/1967 تم تبادل خرائط الحدود بين الجانبين اللبناني والسوري وقد تبين وجود بعض الفروقات.
9ـ تم تعيين العقيد انطوان دحداح مكان المقدم يوسف بيطار رئيساً للجنة الحدودية من قبل لبنان. وكان محافظ دمشق عبد الحليم خدام رئيس الوفد السوري.
10ـ في المحاضر اللاحقة تم استعمال مصطلح تخطيط الحدود بدل ترسيم الحدود.
11ـ صدر عن مجلس الوزراء اللبناني القرار 25 تاريخ 18/8/1971 الذي وافق على الأسس المطلوب اعتمادها لتخطيط الحدود بين لبنان وسوريا.
وفي المحاضر التالية ثمة كلام عن الحدود السياسية مع مصطلح تخطيط الحدود وثمة عدم جدية من الجانب السوري في استكمال هذه العملية، خاصة ان لبنان كان يتهيأ لحروب بدأت عام 1975.
مناطق لبنانية لا تزال تحت السيطرة السورية:
هناك مناطق واسعة تصل الى مئات ملايين الأمتار المربعة لا تزال خارج سيادة الدولة اللبنانية بعد انسحاب سوريا الأخير، منها على سبيل المثال لا الحصر: منطقة بعيون في القاع. منطقة حوّرتا في راس بعلبك. مناطق واسعة في جرود عرسال (وشل القريص، وشل المير علي، الشاحوط، جبل الزمراني…)، منطقة المصنع حيث الحدود في وادي الحرير ثم قرية معربون. خراج كفرقوق وحلوى ومنطقة دير العشاير حيث أقامت السلطات السورية منشآت مائية تضخ المياه من الاراضي اللبنانية.
أما بالنسبة الى قضية مزارع شبعا فقد نشرنا محاضر الاجتماعات اللبنانية السورية عام 1946 والاتفاق على ترسيم الحدود في هذه المنطقة بين لبنان وسوريا. والمستغرب ألا تُترجم هذه المحاضر وتُرسل الى الامم المتحدة لحسم لبنانية هذه المزارع مع قرية النخيلة.
إن ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا يتطلب جملة شروط:
1ـ استقرار العلاقات وتطبيعها بين الدولتين وتأكيد ما ورد في المواثيق الوطنية في هذا المجال. 2ـ الاعتراف السوري النهائي باستقلال لبنان ومغادرة كل تحفظ ومواربة في هذا المجال. والتمسك الحازم بالحيلولة دون أن يكون لبنان أو سوريا مقراً أو ممراً للتآمر على البلد الجار والشقيق أو على أي بلد عربي آخر. 3ـ أهمية وجود وحدة وطنية بين اللبنانيين ـ جميع اللبنانيين ـ وتطبيق توصيات لجنة الحوار الوطني بترسيم وليس تحديد ـ الحدود مع سوريا (4).
بموازاة هذه المبادئ الاساسية ثمة اقتراحات عملية نطرحها لكي يكون لبنان مستعداً اذا وافقت سوريا على البدء بالترسيم، خاصة أن القرارات الدولية المختلفة ـ ومنها القرار 1701 ـ أكدت ضرورة ترسيم الحدود.
وفي كل حال يجب أن تعيد السلطات السورية كامل أرشيفات وزارة الدفاع وغيرها من الأرشيفات الحكومية كإشارة احترام لأسس الصداقة والتعاون.
([) أستاذ تاريخ الدولة العثمانية والعرب الحديث في الجامعة اللبنانية. رئيس سابق وأمين سر حالي لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية. أمين عام سابق وأمين النشاطات في الحركة الثقافية ـ انطلياس.
(1) سامي حكيم، ميثاق الجامعة والوحدة العربية، مكتبة الانجلو، القاهرة 1966، ص 26ـ 27.
(2) تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2004، ص 68.
(3) تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2004، ص 2.
(4) لقد أكد المغفور له الإمام محمد مهدي شمس الدين: «أن لبنان خارج أي صيغة من الوحدة إلى أبد الآبدين؟ ومن الأفضل له ولكل المحيط العربي والإسلامي أن يبقى جمهورية مستقلة ذات سيادة غير متحدة مع أحد، تتعاون مع الكل من دون أن يذوب كيانها مع أحد» (النهار 7/12/2000).
الجزء الثاني
ثانياً ـ الأمن والدفاع سورياً ولبنانياً
إذا كانت معاهدة الدفاع العربي المشترك التي تربط جميع دول الجامعة العربية هي الإطار الأساسي والوحيد الواجب التمسك به، بحسب رأينا، للدفاع عن أمن الدول العربية في مواجهة الأخطار الخارجية وخطر التوسع الإسرائيلي.
وإذا كان اهتمام كل دولة يعطي الأولوية لأمنها الداخلي، وهذا من حقها وواجبها، فمن حق الباحث الموضوعي في موضوع العلاقات اللبنانية ـ السورية، وفي مجال الأمن والدفاع أن يطرح الأسئلة التالية:
أـ أليست سوريا القوية بجيشها وأمنها واقتصادها وثقافتها وشعبها وحرياتها وجامعاتها المفتوحة على آخر إنتاج المعرفة والملتزمة بالحريات الأكاديمية، والعاملة لتحقيق العدالة والكرامة الإنسانية، أليست سوريا هذه هي الحليف الذي يرتاح للبنان القوي بجيشه وشعبه وحرياته وجامعاته؟
ب ـ ولماذا لا يكون لبنان الذي يجب أن يبني جيشاً من مئة ألف مقاتل مدعوماً بقرار وطني سياسي جامع له خطة دفاعية وطنية يكون فيه أفراد المقاومة قلعة تحوّل قرى الجنوب مقبرة للغزاة، وتتشكل قوى مسلحة موحدة القرار تمتلك كل الأسلحة الموجودة على الأرض اللبنانية من جهة، وتمتلك أيضاً أسلحة كثيفة في مواجهتها للدروع، مع مدفعية قادرة مدعومة بإمكانيات جوية فعالة. لماذا لا يكون هذا الجيش اللبناني الموحد القرار والسلاح فوق الأرض اللبنانية، ضمن فترة زمنية محددة (خمس سنوات مثلاً) هو الحليف الدفاعي والأمني للجيش السوري؟
في هذا المناخ يكون الدخول في المغامرات الدفاعية مشتركاً، ويكون الدخول في المفاوضات للتسويات السلمية مع إسرائيل واضحاً ومتفقاً عليها بين الشقيقين. وفي هذا المجال لا نخفي أصدقاءنا من المثقفين السوريين حذرنا وريبتنا من المفاوضات التي حصلت في شيبردزتاون ومشروع الورقة السورية ـ الإسرائيلية الأميركية.
إن سوريا القوية المتحالفة مع لبنان القوي، ومع الفلسطينيين وسائر العرب، هي القادرة على أن تفرض على القيادة الإسرائيلية وعلى الرأي العام الدولي الإقرار بالحقوق العربية كما بلورتها خطة السلام التي تبنتها قمة بيروت، وخاصة عدم فرض التوطين وتجاهل مندرجات القرار 194 وضرورة قيام دولة فلسطينية حرّة وسيّدة.
وبالمقابل فإن تعزيز التسلح لأجزاء من المجتمع اللبناني، رغم القرارات الدولية ذات الصلة، هو مدخل لانعكاسات خطيرة لا تطال في سلبياتها الوضع اللبناني الداخلي بل تطال المستطيل الجغراسي من طوروس الى المحيط الهندي.
ثالثاً ـ حل قضية المسجونين في المعتقلات السورية
إذا كان صحيحاً أن ثمة مفقودين لبنانيين وسوريين فقدوا في لبنان إبان الحروب العبثية التي حصلت بين 1975ـ1990، وإذا كان واجب كل مسؤول أن ينكب على معالجة هذه المأساة التي تحفر عميقاً في الذاكرة الجماعية من أجل بلورة الحقيقة كسبيل للعدالة والمصالحة، فالصحيح أيضاً أن هناك معتقلين لبنانيين مسجونين في السجون والمعتقلات السورية.
ولقد قدمت لجنة الدفاع عن المعتقلين اللبنانيين في سوريا الوثائق والبراهين الدامغة على وجود بعض المعتقلين في المعتقلات والسجون السورية. وهذه الوثائق أصبحت بمتناول أعضاء اللجنة الرسمية المكلفة من الحكومتين اللبنانية والسورية. هذا الوضع يتطلب الجرأة والإقدام لجهة جلاء الحقيقة كاملة والإقرار بوجود المشكلة وليس التهرب منها، ويمكن إيراد بعض الاقتراحات في هذا المجال: أ ـ عودة الذين ما زالوا على قيد الحياة إلى ذويهم، إو إحالتهم للسلطات اللبنانية إذا كانوا مرتكبين جنحاً (تطبيقاً لاتفاق عام 1951). ب ـ إعادة الرفات للذين قضوا نحبهم. ج ـ جلاء الحقيقة بشأن كل حالة. د ـ ضرورة تطبيق الاتفاقية القضائية بين لبنان وسوريا المعقودة بتاريخ 25/2/1951. وبخاصة تسليم أحد البلدين للمطلوبين أو المحكومين من رعايا الدولة الأخرى. ومن المعروف أن ثمة مخالفات خرقت هذا الاتفاق من خلال: ملاحقات بعض المواطنين اللبنانيين من قبل الأجهزة السورية والتحقيق معهم. قيام بعض الأجهزة اللبنانية بتسليم بعض اللبنانيين للسلطات السورية. توقيف بعض اللبنانيين في سوريا خارج أصول الاتفاقية. هذا التوضيح الشامل للحقيقة على قاعدة العدالة يؤسس لثقة مستقبلية ومصالحة تاريخية تسدل الستار على فترة كالحة ومظلمة من تاريخ العلاقات اللبنانية ـ السورية.
ومن حق الأشقاء السوريين أن يطالبوا بتوضيح مصير من يريدون من مواطنيهم الذين اختفوا في لبنان. وبالتالي يجب أن يلاقوا الجواب الشافي من السلطات اللبنانية على قاعدة الاحترام المتبادل.
إن استمرار اعتصام الأهالي أمام مقر الاسكوا في بيروت طوال أكثر من أربع سنوات لهو الدليل القاطع على أن الذاكرة لا تنسى، وأن المعالجة الجذرية لهذا الملف يرتكز على الشجاعة والوضوح وعلى العمل المشترك بوحي الشرعة العالمية لحقوق الإنسان وملحقاتها.
رابعاً ـ إعادة النظر بعملية التجنيس
خلال فترة الوجود السوري في لبنان حصل نوعان من التجنيس: تجنيس حصل مع صدور المرسوم الشهير عام 1994. وتجنيس من خلال ما سمي التذكرة الجديدة للهوية دون العودة الى السجلات في وزارة الداخلية وبناء على معلومات قدمها بعض المخاتير. والأكثرية (60%) من المجنسين كانوا من السوريين (يقدرهم بعض الإحصائيين الآن بـ450 ألف مجنّس سوري). حتى أن مناطق مثل قضاء زحلة زاد عدد ناخبي إحدى الطوائف فيها، مع جدول الشطب للانتخابات التي ستجري قريباً، مئة بالمئة. (من 20 ألف إلى 40 ألف ناخب خلال 3 سنوات).
إن استمرار إرسال الناقلات من سوريا للناخبين من المجنسين لا يصب في مصلحة تعميق العلاقات اللبنانية ـ السورية. إن تقوية هذه العلاقات تتمثل في اقتناع كل اللبنانيين بضرورة وحتمية التحالف والصداقة بين كل الشعب اللبناني وكل الشعب السوري.
وانطلاقاً من ذلك فالمصلحة اللبنانية السورية تحتم إعادة النظر بالمرسوم وبالهويات المزورة لإبقاء من له فعلياً الحق القانوني وإعادة النظر بمن ليس له أي حق.
خامساً ـ اليد العاملة السورية في لبنان
ثمة تفاوت في تقديرات عدد العمال السوريين الذين كانوا يدخلون الى لبنان سنوياً قبل العام 2005. فبينما تذكر مجلة أجنبية(1) أن هذا العدد يتراوح بين 300 ألف إلى 800 ألف. يذهب الأستاذ نصري خوري الى إعطاء رقم 400 ألف. والدكتور بسام الهاشم يضاعف هذا الرقم(2) .(…)
ومهما يكن من أمر فإن ذروة مجيء هذه اليد كان في منتصف التسعينيات مع تعاظم عملية تنفيذ إعادة الإعمار في لبنان، وتراجعت في المرحلة اللاحقة إلى أن انخفضت إلى الثلث تقريباً بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري. وتجدر الإشارة إلى أن هذه اليد العاملة منها موسمية يقتصر عملها على أسابيع أو أشهر، ومنها تتصف بالاستمرارية والبقاء.
هذه الظاهرة فسّرها بعض الباحثين بأنها تعود إلى حاجة السوريين إلى فرص عمل ومستوى دخل أعلى نسبياً من جهة، وحاجة اللبنانيين، لا سيما كبار أصحاب العمل وصغارهم، إلى عمالة رخيصة وقابلة للاستثمار من دون أي حماية اجتماعية أو شبكات أمان، من جهة ثانية.
ويبدو من اللازم تنظيم هذا الملف ووضع الحلول المناسبة له من خلال الاتفاق بين السلطتين السورية واللبنانية على القيام بإجراءات متدرجة ووضع المعايير المناسبة. ومنها إجازات الإقامة والعمل والاشتراك بالشروط السائدة في نظم التأمينات الاجتماعية وشبكات الأمان، والخضوع للضريبة والانتفاع من الخدمات العامة الأساسية. وهذا الوضع يرشّد المنافسة مع القوى العاملة اللبنانية، كما يوفر الحد الأدنى من شروط العمل والحياة البشرية السوية لأفواج العمالة الوافدة، بشكل غير موسمي، من جهة أخرى. ومن الواضح أن هذا الوضع يتطلب قيام الأطر الإدارية والمؤسسية والبشرية والمعلوماتية القادرة على إفساح المجال أمام إنجاح عملية الترشيد هذه(3).
ومن نافل القول إن اللبنانيين بكل فئاتهم يقفون مستنكرين كل إساءة تصدر إزاء أي عامل سوري في لبنان، ويطرحون أكثر من علامة استفهام حول ظروف الكثير من الحوادث؟!
سادساً ـ المصالح الاقتصادية المشتركة
شكل لبنان وسوريا، خلال مرحلة الانتداب، اتحاداً اقتصادياً أقوى وأرفع مرتبة من الاتحاد الأوروبي بحسب بعض الباحثين الاقتصاديين. ثم جاءت القطيعة الجمركية عام 1950 بسبب الخيارات المتعارضة للنخب السياسية في الدولتين. حيث أعطت النخب السورية أولوية للحمائية، فيما أعطت النخب اللبنانية الأولوية لتحرير التبادل مع الخارج. وتطور الاقتصادان بشكل متعارض بعد ذلك التاريخ.
لقد كانت العلاقات الاقتصادية المشتركة خاضعة دوماً للعلاقات السياسية بين الدولتين، والتي قلما عرفت بدورها مرحلة خالية من التوتر وعلى الجانبين. ويعيد بعض الباحثين سبب ذلك إلى أمرين:
الأول: الخوف التاريخي والمتأصل والمشروع لدى العديد من اللبنانيين من «طمع» سوري بلبنان من جهة، والحسد التاريخي والمتأصل لدى العديد من السوريين من «نجاح» لبنان واللبنانيين، رغم ضعف الموارد والإمكانيات اللبنانية مقارنة مع الإمكانيات السورية، من جهة أخرى.
الثاني: أما السبب الثاني فيعود إلى الفشل الذريع في مقاربة القضايا الاقتصادية المشتركة سواء من قبل المسؤولين اللبنانيين أو من قبل المسؤولين السوريين. ويبدو أن مقاربة الملف الاقتصادي، حتى في ظل أفضل فترات التقارب السياسي، لم يكن تعاطياً جدياً مهنياً محترفاً.
إذا انطلقنا من أن التقارب السياسي هو أساس كل حل. فما هي أبرز المشاكل الاقتصادية وما هي التصورات المطروحة للمعالجة؟
1ـ في المجال الصناعي: في العام 2005 صدّر لبنان بقيمة 187 مليون دولار إلى سوريا و178 مليون دولار إلى العراق عبر سوريا. واستورد ما قيمته 196 مليون دولار من سوريا. إضافة إلى ذلك صدّر لبنان الى سوريا والدول العربية عبر الحدود السورية اللبنانية ما قيمته 641 مليون دولار (35% من مجموع الصادرات اللبنانية) واستورد من سوريا وعبرها من الدول العربية ما قيمته 580 مليون دولار. وهكذا فإن التجارة (استيراد، تصدير وترانزيت) بين سوريا ولبنان تفوق المليار ومئتي مليون دولار أميركي. وهذا يعني أن سوريا ولبنان محكومان بالتوافق.
ومنذ بدء تنفيذ الخفض التدريجي على الرسوم الجمركية بنسبة 25% عام 1999 ظهرت عراقيل وقيود في عمليات التبادل التجاري وبدأت معها الاتصالات لتذليل هذه العراقيل التي أثرت سلباً على انسياب السلع بين لبنان وسوريا. من هذه العراقيل: الاستمارة الإحصائية وهي بالفعل ترخيص بالاستيراد. رسوم متعددة، حصر استيراد العديد من السلع بمؤسسات عامة فقط. وشكوك سورية بشهادة المنشأ اللبنانية. كلفة نقل وعبور باهظة. وتأخير في معاينات البضائع.
وهكذا فإن السلع اللبنانية المصدّرة إلى سوريا تخضع إلى كشف على الحدود في جديدة يابوس ومن ثم تحول إلى نقطة جمارك دمشق حيث يتم تفريغ الشاحنة والتصريح عن البضاعة والقيام بالتفتيش والفحوصات المطلوبة. مما يشكل عبئاً إضافياً على سعر السلع المصدّرة.
2 ـ في المجال الزراعي: حسبنا في هذا المجال الإشارة إلى أن اتفاق إطلاق حرية تبادل المنتجات الزراعية الذي أبرم بتاريخ 11/10/1999 وفي إزالة الرسوم الجمركية نهائياً عن عشرات السلع الزراعية السورية عند تصديرها إلى لبنان منذ ذلك التاريخ قد أثّر سلباً آخذاً بعين الاعتبار أن كلفة الإنتاج الزراعي في سوريا هي بحدود نصف الكلفة في لبنان.
3ـ النقل والانتقال والمواصلات والتجارة: برغم كثرة الاتفاقيات والبروتوكولات والمذكرات المشتركة بقي هذا الأمر واقعاً تحت وطأة السلوكيات الروتينية والعرقلة المزاجية. وهذا الأمر لا يحصل إجمالاً مع الشركاء الآخرين كتركيا والأردن أو العراق.
أما عن حجم التبادل التجاري بين لبنان وسوريا فقد كان عام 2004: استيراد من سوريا: أكثر من 400 مليون دولار. صادرات لبنانية إلى سوريا: 145 مليون دولار. أي أن لبنان يأتي الرابع عالمياً من المستوردين من سوريا بعد ألمانيا وإيطاليا والإمارات.
4 ـ من مظاهر الخلل الاقتصادية:
لقد أورد الكثير من الباحثين اللبنانيين لائحة بمجالات التعدي أو النهب الذي كانت تعانيها بعض المجالات من قبل أفراد سوريين ـ ولبنانيين ـ مدعومين من أجهزة معينة. وحسبي أن أعطي بعض العيّنات: أ ـ القرصنة في مجال المخابرات الدولية (قدرها أحد الوزراء بـ290 مليون دولار سنوياً). ب ـ احتكار استيراد بعض المشتقات النفطية، قدرها المرحوم الوزير بيار حلو بـ500 مليون دولار سنوياً. ج ـ قضايا المقالع والكسارات والاستملاكات الوهمية والاستئثار بالالتزامات المهمة (كالهاتف الخلوي الذي فرض لمصلحة شركتين، ثم تم إبطال العقدين وإبرام عقدين جديدين.
4 ـ تعديل الاتفاقيات المائية: إن ثمة ظلما واضحا بحق الطرف اللبناني في الاتفاق المتعلق بتوزيع مياه نهر العاصي. وكذلك بالنسبة لمياه النهر الكبير. وقد أصدرت دراسة موثقة وضّحت مكامن هذا الظلم. ولن أكررها في هذا المقام. والشعب اللبناني مستعد للمساهمة في مواجهة تناقص مياه غوطة دمشق إذا ما حتّمت الأوضاع ضخ المياه من 11 بئراً لبنانياً في دير العشاير لكي يشرب أهلنا في دمشق. إن أهالي القاع الذين قطعت المياه عنهم وأهالي عرسال وأهالي راس بعلبك كانوا يشربون من العاصي منذ أيام قناة زنوبيا على الأقل. وهل يعقل أن تمر مياه على عطشان كما يقول المثل العامي في جبالنا اللبنانية؟
إن الاستغلال الواسع لثرواتنا المائية في مجالات الشرب والري والطاقة سيكون المساهم الأكبر في نهضة سوريا ولبنان على كل الصعد.
السفير